بيتر سنجر
إذا حكمنا على حال العالم من خلال عناوين الأخبار الرئيسية، فبوسعنا أن نزعم أن عام 2015 كان عام الإرهاب ، وخاصة في باريس. فقد بدأ بمذبحة شارلي إبدو، ثم شهد مذبحة الثالث عشر من نوفمبر الأشد فتكاً في نفس المدينة، هذا فضلاً عن الهجمات في بيروت وأنقرة وعلى مركز لذوي الاحتياجات الخاصة في سان برنادينو بولاية كاليفورنيا.
ولكن حتى لو ركزنا على الإرهاب، فإن هذا يُعَد منظوراً مضللاً للأحداث التي شهدها العام. ففي عام 2015، قتل الإرهاب عدداً من الناس في سوريا والعراق ونيجيريا وكينيا أكثر من أولئك الذين قتلهم في فرنسا أو الولايات المتحدة. وإذا كان سقوط طائرة الركاب المدنية الروسية في أكتوبر في صحراء شبه جزيرة سيناء في مصر نتيجة لتدبير نفذه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كما يؤكد تنظيم داعش وخبراء روس، فإن هذه الواقعة وحدها أسفرت عن مقتل عدد من الناس أكبر من عدد القتلى نتيجة للهجمتين الإرهابيتين في باريس.
وعلى أية حال، فإن التركيز على الأحداث التي تعتبرها وسائل الأعلام الأكثر أهمية واستحقاقاً للتغطية من الممكن أن يعطينا فكرة مشوهة عن العالم. صحيح أن وفاة كل من الضحايا الأبرياء للهجمات الإرهابية التي شهدها العام الماضي مأساة رهيبة حلت على كل من الضحايا وأهله وأصدقائه؛ ولكن نفس الأمر يصدق أيضاً على الوفيات الناجمة عن الحوادث المرورية، التي تحظى بقدر أقل كثيراً من الاهتمام الإعلامي.
إن الإرهاب صادم وعنيف و"صالح كمادة تلفزيونية جيدة". وإذا حدث في مدن مثل مدننا، أو في مدن ربما نقوم بزيارتها، فإنه يجتذب قدراً أعظم من الاهتمام بسبب عالم "ربما كنت لأصبح أحد الضحايا!". ولكن من منظور عالمي، ربما يكون بوسعنا أن نقول إن الحدثين الأكثر أهمية اللذين وقعا في عام 2015 كان كل منهما مشجعاً للغاية، وإن كان أحدهما، أو اتفاق المناخ الدولي الذي توصل إليه زعماء العالم الذين اجتمعوا في باريس في ديسمبر حظي بقدر كبير من التغطية الإعلامية.
بيد أن عشرات السنوات لابد أن تمر قبل أن نعرف ما إذا كان اتفاق باريس نجح في تلبية هدفه المعلن المتمثل في الحد من الانحباس الحراري العالمي بحيث لا يتجاوز درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ولكن لغة الاتفاق كانت أكثر طموحاً من كل توقعات أغلب المراقبين، وقد قبلته كل الدول المشاركة (194 دولة).
وينبئنا الخبراء بأن مجموع التخفيضات في الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي والتي تعهدت بها هذه البلدان من شأنه أن يفضي إلى انخفاض إجمالي أقل كثيراً من الهدف المعلن للاتفاق. ولكن بصيصاً من الأمل يكمن في الالتزام بمراجعة هذه الأهداف كل خمس سنوات والنظر في التعديلات اللازمة لتلبية الهدف.
وسوف نرى ما إذا كان الاتفاق كافياً لتلبية الهدف (أقصد الشباب منا). ولكن بعد خيبة الأمل في قمة كوبنهاجن لتغير المناخفي عام 2009، فإن روح الاتفاق التي حركت اتفاق باريس لابد أن ترفع معنوياتنا. وإذا أثبت الاتفاق كونه نقطة تحول في الجهد الرامية إلى منع كارثة التغير المناخي، فإن أهميته ربما تجعل أي حدث آخر شهده عام 2015 يبدو ضئيلاً للغاية بالمقارنة.
وعلى النقيض من نتائج اتفاق باريس، فإن الحدث الثاني الأكثر أهمية الذي شهده عام 2015 كان إيجابياً على نحو لا لبس فيه: فقد انخفضت نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع إلى أقل من 10% للمرة الأولى. وهذه على الأقل وجهة نظر البنك الدولي، الذي تولى رصد الفقر العالمي منذ عام 1990.
ومع انخفاض الفقر المدقع، سجلت "الطبقة المتوسطة العاملة" في البلدان النامية، والتي تضم الأفراد الذين يعيشون على أكثر من 4 دولارات يوميا، نمواً قوياً من نحو 18% فقط من القوى العاملة في هذه البلدان عام 1991 إلى النصف تقريباً اليوم. وفي نفس الفترة، سجلت نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في البلدان النامية انخفاضاً حاداً من 23.3% إلى 12.9%.
الواقع أن الانخفاض السريع في معدلات الفقر المدقع ربما لا يجتذب المشاهدين والقراء، ولكن من المؤكد أن تأثيره على رفاهة البشر يفوق تأثير الإرهاب. ففي عام 1990، كان نحو 1.95 مليار شخص، أو ما يقرب من 37% من سكان العالم آنذاك، يعيشون في فقر مدقع؛ أما اليوم فقد انخفض الرقم إلى 702 مليون شخص فقط. ولو ظلت نسبة الناس الذين يعيشون في فقر مدقع بلا تغيير حتى يومنا هذا فإن هذا كان ليعني أن عددهم أصبح 2.7 مليار شخص. بعبارة أخرى، كان انخفاض الفقر سبباً في تحسين حياة ما يقرب من 2 مليار إنسان.
إن الفقر المدقع يقتل، بسبب نقص الغذاء وأمراض مثل الملاريا والحصبة والإسهال. لذا فمن غير المستغرب أن يصاحب انخفاض معدلات الوفاة بين الأطفال تراجع الفقر المدقع. ففي عام 1990، كان نحو 35 ألف طفل يموتون يومياً قبل بلوغهم سن الخامسة. واليوم انخفض هذا الرقم إلى 16 ألف طفل.
لا شك أن وفاة 16 ألف طفل يومياً أمر مؤسف للغاية، وتُظهِر حقيقة أن عام 2015 كان اليوم الأكثر حرارة في التاريخ المسجل على الإطلاق أن النضال ضد تغير المناخ قد بدأ للتو. ولكن بوسعنا أن نبني على المكاسب التي تحققت في العام الفائت . وينبغي لنا أن نكون مواطنين نشطاء، ندفع قادتنا ليس فقط إلى تلبية أهداف الانبعاثات التي تعهدوا بتحقيقها، بل وأيضاً إلى تجاوزها. وإذا كنا نعيش في مجتمع ثري، فيتعين علينا أيضاً أن نطالب بلداننا بالاضطلاع بدورها في الحد من الفقر المدقع. وأياً كان سلوك حكوماتنا وأفعالها، فبوسعنا أن نحدد أي الجمعيات الخيرية التي تكافح الفقر هي الأكثر فعالية، ونساهم في دعمها.
أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، من مؤلفاته كتاب "تحرير الحيوان"، وكتاب "المجاعة، الثراء والأخلاق".