بقلم : محمد محمود عثمان
اقتربنا من العيد الذهبي لانتصارات حرب السادس من أكتوبر 1973 مع مرور 49 عاما، وكان من المهم أن تحتفل كل الدول العربية بانتصارات هذه الحرب العسكرية والاقتصادية، باعتبارها العمل العربي الجماعي الوحيد المنظم والدقيق حتى الآن، والذي أعاد للعرب عزتهم وكرامتهم، وأفتخربمشاركتي في هذا الانتصار العظيم، بعد أن عشت في شبابي المبكر وكنا طلبة في مقاعد الدراسة الانكسارات التي لحقت بشعوبنا العربية وخاصة بعد هزيمة 67، القاسية على الأمة العربية، ولعلنا نهتم بالعيد الذهبي لهذا الانتصار في العام القادم، وخاصة أن الكثير من أبنائنا العرب الذين ولدوا في هذه الفترة، لم يتسلموا الأعلام العربية منكسة أو ذليلة ولم يعيشوا أحاسيس الخزي والعار وألم ومرارة هزيمة يونيو 1967، ولم يعيشوا أيضا لحظة انتصارات أول حرب ينتصر فيها العرب على إسرائيل منذ حروب 1948 و1956 و1967، حيث مثلت حرب أكتوبر 1973نقلة نوعية في عوائد النفط وتطور الاقتصاديات العربية، بعد صعود سعر البرميل من 3 دولارات إلى أكثر من 100دولار في بعض الفترات، وأثر ذلك إيجابيا على النهضة الحديثة والتقدم وحركة العمران في الدول العربية النفطية، بعد أن غيرت وجه الحياة في هذه المجتمعات، بعد أن كان النفط العربي من أهم الأسلحة الفعالة في الحرب، ٍبعد أن فقدنا الأمل في الانتقام من الأعداء، وتحمل الاقتصاد المصري العبء الأكبر في تكاليف انتصار اكتوبر من جميع النواحي البشرية والمادية، وانعكس ذلك على مستوى دخل الفرد ورفاهيته لعدة سنوات، وعلى استهزاء الغرب ونظرته الدونية لمصر والعرب، مقارنة مع إسرائيل الدولة الصغيرة المنتصرة على كل العرب، لذلك كنا نتنمربالضباط والجنود ونستهزء بكل من يرتدي الزي العسكري في هذه الفترة، وفقدنا الثقة في العسكريين، لأن مصر أكبر من أن تهزم من إسرائيل، وكنا نعيش سنوات الهزيمة خلال حرب الاستنزاف التي سبقت حرب أكتوبر، وما صاحبها من استنزاف كل طاقات وموارد الشعب المصري، وتوجيهها للمجهود الحربي، لشراء السلاح وتجهيز القوات المسلحة وتدريبها، وتوفير الإمدادات من المؤن والذخيرة والمعدات وقطع الغيار، ومصر كانت من أقوى وأغني الاقتصاديات العربية، الأمر الذي أدى إلى تطبيق خطة اقتصادية تعتمد على الترشيد الشديد في الإنفاق الحكومى، لتدبير الأموال اللازمة لصالح القوات المسلحة، بعد رفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة « وتوقف كل أعمل الصيانة للمرافق المدنية والبنية التحية في المدارس والجامعات والمستشفيات وكل المرافق الحيوية في الكهرباء والماء والصرف الصحي، والمواصلات والاتصالات والطرق والنقص الحاد في الخبز والمواد الغذائية، وفقد مصر لدخل السياحة ودخل قناة السويس ومعناة المصريين الاقتصادية الشديدة، وكانت مأساة بأكثر من معنى الكلمة لأن المصريين عاشوا بين قسوة الهزيمة وشظف العيش وانخفاض الروح المعنوية للعسكريين والمدنيين، والرغبة في محو وإزالة آثار العدوان، وكانوا نموذجا للصبر والصلد والجلد والتضحية والإصرار على الانتصار لكرامة العرب أجمعين تحت شعار « نكون أو لا نكون « وتحمل الرئيس السادات في ذلك الكثير من الانتقادات والمظاهرات والاحتجاجات على زيادة الاسعار ونقص المواد الغذائية، التي قابلها بصبر وبعد نظر، وكانت البداية بقانون التجنيد الإجباري للمؤهلات العليا كدماء وعقول جديدة في القوات المسلحة، لتكون قادرة على استيعاب المعدات الحديثة، جنبا إلى جنب مع الزملاء الذين خاضوا حرب 1967 واستمروا بالقوات المسلحة لسنوات طويلة حتى حرب أكتوبر 73، التي ستظل من أشرف الحروب العربية وأعرقها على مر التاريخ، فقد أثبت فيها الجيش المصري والجيوش العربية المشاركة - للعالم أجمع قدرتهم على عبور المستحيل، بعد كبح الغرور الإسرائيلي واسطورة الجيش الذي لا يقهر، بعد نجاح الرئيس السادات في تنفيذ استراتيجية الخداع الاستراتيجي التعبوية الذي أقنع من خلالها زعماء العالم أجمع ومخابراته الكبرى بأن مصر لن تحارب ولن تستطيع عبور خط بارليف الحصين، الذي أكد خبراء العالم أنه يحتاج إلى قنبلة نووية لعبوره، واعتمدت عناصرخطة السادات على الآتي: الإعلان عن تسريح بعض جنود الاحتياط في صباح 6 أكتوبر -استمرار صورة الحياة العادية على جبهة القتال حتى كان البعض يلعب كرة القدم على الضفةالغربية للقناة على مرمى البصر من عيون الإسرائليين حتى الساعة الثانية ظهر يوم المعركة - ارتداء الضباط ملابس الفسحة والخروج – الإعلان عن السماح لذهاب الضباط وأسرهم لأداء مناسك العمرة - نشر خبر في صدر جريدة الأهرام في يوم 6 أكتوبرعن زيارة وزير الدفاع المصري للولايات المتحدة - طرد الخبراء الروس من الجيش المصري – الاستفادة من سلسلة مقالات بصراحة لمحمد حسنين هيكل في مقاله الأسبوعي بجريدة الأهرام عن صعوبة تخطي خط بارليف - توصيل معلومات إلى هينري كيسنجر مستشار الأمن القومي الإمريكي بأن الرئيس السادات يسعى للسلام لعدم قدرة الجيش المصري على العبور - إعلان الرئيس السادات عن سنة الحسم أكثر من مرة بدون أن تتحقق – قيام الجيش المصري بمناورات حربية متكررة على شاطيء القناة أرهقت إسرائل باستدعاء قوات الاحتياط أكثر من مرة حتى أنها أيقنت أنها مجرد مناورات شكلية عادية - اختيار وقت المعركة في يوم عطلة وهوعيد الغفران وهو أهم الأعياد اليهودية - الاستفادة من عنصري المبادأة والمفاجأة، مما حرم إسرائيل من إمكانية شن هجوم وقائي وحرمانها أيضا من تعبئة الاحتياط مما أربك القيادة الإسرائيلية، بعد أن بدأت الحرب في الساعة الثانية وخمس دقائق ظهرا، على عكس كل النظريات والأعراف الحربية بأن الحرب نبدأ مع أول أو أخر ضوء من النهار - لذلك لا زالت تُدرس معارك هذه الحرب في أكبر الأكاديميات العسكريــــــة في العالم منذ 49 عاما وحتى الآن، وكم كانت سعادتي من نقل الجيش العربي مشاعر اليأس ومرارة الهزيمة في 1967إلى قادة إسرائيل في 73، عندما اعترفت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل وهي تصــــــــرخ مستغيثة «انقـــذوا إسرائيل.
لقد وجدت نفسي أمام حدث عسكري رهيب وأعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ قيامها وأن قلبها يتمزق من الأخبارالمروعة عن الخسائر في الجبهة المصرية «وقال وزير الحرب الإسرائيلى موشيه دايان فى ديسمبر 1973» بأن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل»، لذلك تثير فينا هذه الذكرى الشجون لأن حرب أكتوبر 73 نقلتنا من انكسارات النكسة وذل الهزيمة إلى الفخر والانتصارات، بعد عبور الساتر الترابي الأقوى في العالم، وتخطي أكبر مانع مائي في التاريخ العسكري وهو قناة السويس، بعد أن حطمت قوات المدفعية والمقاتلات الجوية المصرية بقيادة الطيار حسني مبارك تحصينات خط بارليف القوية والحصينة، المزودة بخط أنابيب النابالم الحارق وسريع الاشتعال والذي امتدت دفاعاته أكثر من 160 كم على طول الشاطئ الشرقي لقناة السويس، لتحقق حرب العاشر من رمضان 1393 ه - السادس من أكتوبر 1973م، ملحمة عسكرية بمعنى الكلمة.