درس السيارة الكهربائية

مقالات رأي و تحليلات الجمعة ١٥/يناير/٢٠١٦ ٠٠:٥٥ ص
درس السيارة الكهربائية

قبل عامين دار بيني وبين مسؤول صيني بارز نقاشا حول الاندفاع المفرط نحو السيارات الكهربائية، حيث كانت الصين قد وعدت ببيع 500 ألف من تلك السيارات بحلول العام 2011، سعيا منها لقيادة العالم إلى التحول بعيدا عن النفط، ولكن ما حدث أن إجمالي ما باعته بالضبط كان 2338 سيارة كهربائية وكان ذلك مثار دهشة كبيرة لي. بيد أنه وخلال الأشهر الـ18 التالية حولت الصين ذلك الفشل إلى زخم عالمي لتتفوق على الولايات المتحدة وتحتل الصدارة في هذه التقنية الحاسمة في القرن الحادي والعشرين. وبحلول نهاية 2015 وصل إنتاج الصين من السيارات الكهربائية إلى 180 ألف سيارة، بما يعادل 300 في المئة زيادة عن العام السابق وأكثر بعشرين ضعفا عن العام 2013.

فماذا حدث؟ أعتقد أن الصين أحسنت استلهام الدرس من كاليفورنيا، فحتى وقت قريب كانت تكلفة صناعة المركبات الكهربائية مرتفعة، وخفض هذه التكلفة كان يحتاج إلى الابتكار التكنولوجي والإنتاج الضخم، وهو ما لم يكن ليحدث لولا اقتناع الحكومة الصينية بذلك. فلم يكن الحافز الذي تقدمه الصين (20 ألف دولار لكل مركبة) كافيا، وكذا لم يكن الضغط السياسي على شركات صناعة السيارات، كما أن الجودة كانت منخفضة والتكلفة عالية، والشركات عازفة عن تقديم منتج لا يرغب الناس في شرائه وهذا ما أخبرني به المسؤول الصيني آنذاك.

واعتقدت أن الصين تخلت عن المشروع تماما، ولكن ما حدث أنه في العام 2014 وجه مركز الصين لبحوث تكنولوجيا السيارات - الذي يساعد في وضع السياسات والمعايير للصناعة الوطنية – الدعوة إلى المنظمين في ولاية كاليفورنيا لزيارة تيانجين لشرح النجاح الذي حققته الولاية، كما أرسلت بكين خبراء إلى الساحل الغربي لمعرفة المزيد. وما حدث في كاليفورنيا أن المنظمين طلبوا من كل الجهات التنظيمية لصناعة السيارات إنتاج نسبة متصاعدة من المركبات الكهربائية، وفي الوقت نفسه أنشأت الولاية سوقا اصطناعيا سمح لشركات صناعة السيارات ببيع وشراء ائتمانات السيارات الكهربائية لبيع السيارات الكهربائية فيما بينها، وكان ذلك مشجعا للشركات المصنعة مثل تيسلا أن الرهان على الابتكار كبير. كما استثمرت كاليفورنيا بكثافة في البنية التحتية لتوفير مراكز للشحن العام وقدمت حوافز مالية للمستهلكين وعملت على قلب الموازين لصالح السيارات الكهربائية. واليوم تمثل كاليفورنيا نحو نصف مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة. واستوعبت الصين الدرس سريعا ، فسار صناع القرار على نهج كاليفورنيا رغما عن الاقتصار في البداية على أساطيل المركبات الحكومية. وصدر مرسوم في بكين أنه بحلول العام 2016 يجب أن تستخدم 30 في المئة من سيارات البلدية بطاريات أو خلايا الوقود. والآن تقدم العديد من المدن الصينية رسوما مخفضة على أماكن انتظار السيارات الكهربائية وإعفاءات من القيود الصارمة على الركاب.
ونجحت الصين في الذهاب أبعد من كاليفورنيا في تشجيع استخدام المركبات الكهربائية، ولمكافحة الاختناقات المرورية المستمرة والضباب الدخاني الخانق من خلال تقليص عدد تراخيص المركبات العادية. وفي العام 2015 ارتفع متوسط استخراج لوحة الترخيص في شنغهاي إلى أكثر من 18 ألف دولار وفي الصين كان يصدر تصريح لكل طلب من بين 200 طلب مقدم، وفي الوقت نفسه عملت مدن مثل بكين وشانجهاي وشنتشن على تسهيل استخدام المركبات الكهربائية، وعلى سبيل المثال منحت بكين أكثر من 30 ألف تسجيل مجاني للسيارات الكهربائية في 2015.

الشريك الإداري في «فالنسيا للاستراتيجيات»

وزميل في مؤسسة أمريكا الجديدة.