عبد اللطيف فردوس : الكاتب العماني قطع أشواطا نحو الحداثة دون التفريط في الهوية العمانية

بلادنا الاثنين ٠٣/أكتوبر/٢٠٢٢ ١٢:١١ م
عبد اللطيف فردوس : الكاتب العماني قطع أشواطا نحو الحداثة دون التفريط في الهوية العمانية

العمانية - الشبيبة

 الراصد لسيرة المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس يرى اشتغالاته المتعددة في مختلف الفنون والكتابة بدءا من السينما والمسرح حيث العروض المباشرة مع الاشتغال النوعي على التجديد في الفنون المسرحية، وقد زار مؤخرا سلطنة عمان ليتعرف عن قرب إلى أهم كتّابها والمشتغلون فيها على القطاع المسرحي ليقدم خبرته في سياق عملي لأسبوع في مقر النادي الثقافي..

في علاقته وتواصله الأدبي مع الأدب المسرحي في سلطنة عمان يقول عبداللطيف فردوس : لربما أن العلاقة محدودة نوعا، واغلبها عن طريق مجلة نزوى التي كنت أتابعها بانتظام كلما وصل عدد منها إلى المغرب.

ويضيف: أن الكتب الملحقة بالمجلة، كانت تقدم إبداعات في مختلف الأجناس الأدبية والفنية لسلطنة عمان، وعبر أحد الأعداد تعرفت على قصص قصيرة جدا بعنوان "شبابيك زيانة" للكاتبة العمانية بشاير بنت حبراس السليمية، وأعجبت بها شكلا ومضمونا، وتواصلت مع الكاتبة لأخذ موافقتها في تحويل هذه القصص القصيرة إلى أفلام قصيرة كتدريب لي على كتابة سيناريو الفيلم القصير، مما عزز خزانتي بأكثر من 10 أفلام قصيرة مستوحاة من قصص قصيرة للقاصة العمانية.

ويشير: لا أخفي عشقي لقراءة القصص القصيرة العمانية والتمتع بها والاشتغال عليها دراميا، شيئا فشيئا، حيث بدأت دائرة اهتمامي بالأدب العماني تتوسع نحو قراءة بعض القصائد الشعرية ومختارات من الأدب الشعبي، وأسجل هنا مبادرة النادي الثقافي في مسقط لتقديم ندوة "حكايات بصرية"، ومن هنا تعرفت على مجموعة من الكّتاب العمانيين وتكونت لدي فكرة عن الأدب والفن العماني، صورة اقل ما يمكنني أن أقول في توصيفهما هو: أنهما قطعا أشواطا بعيدة نحو الحداثة دون التفريط في الهوية المميزة لسلطنة عمان، أما بالنسبة للمسرح فقد تعرفت عليه بشكل مباشر عبر مسرحية "مدق الحناء" التي شاركت في مهرجان المسرح الخليجي بالإمارات العربية المتحدة سنة 2019 ونالت على جائزته.

يتحدث فرودس وعلاقته بالمسرح كما هو في مخيلته وهنا يقول: انطلقت تجربتي منذ التحاقي بالنادي الفني المراكشي كوميديا سنة 1968م، إحدى أهم الفرق المسرحية بالمغرب تأسست سنة 1956 إلى يومنا هذا، وابتدأت منخرطا عاديا استقبل ولا أنتج بحكم صغر سني ومحدودية ثقافتي المسرحية آنذاك، بعد فترة توقفت لنيل الاستحقاق التعليمي الجامعي، لكني عدت محملا برصيد معرفي نظري وتكوين عصامي تطبيقي، فأصبحت مخرجا رفقة مجموعة شابة أعطت لكوميديا انطلاقة جديدة، واشتغلت منذ 1976م، على المسرح المدرسي، ثم التدرج نحو الكتابة.

مسرحة الأشكال الفرجوية في التراث المغربي "من بين الأعمال الطويل التي قام المسرحي فردوس بالعمل عليها هنا يسير إلى ما خرج به من هذا العمل، وكيف رصدت نتائجه ويوضح: مما حفزني على مشروعمسرحة الظواهر الفرجوية في التراث المغربي هو اشتغالي كمؤلف مع فرقة حلقة ابداع دراما بمراكش، وهي فرقة فاعلة في مسار المسرح المغربي لها مكانتها على الصعيد المحلي في المغرب، حيث دام العمل على المشروع 10 سنوات وأعطى 12 عرضا مسرحيا، فاز بعضها بالجائزةالكبرى وجائزة النص في المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي في المغرب الذي كان ينظم بمدينة مكناس وحاليا بتطوان، كما تم تصوير بعض هذه العروض للتلفزيون نشر النصوص المسرحية التي نتجت عنه، واقتناعا مني بأن الشباب هم المستقبل وقاطرة قطار التنمية الشاملة،توجهت إلى العمل على حلقات في الكتابة،ومن بينها وأهمها ندوة النادي الثقافي بمسقط "حكايات بصرية". كل هذه الندوات وحلقات العمل سيكون لها امتداد بعد كتابة النصوص.

لفردوس أعمال كثيرة في شأن مسرحة النص السردي وعلاقته بالمسرح وتحويله لواقع بصري ملموس وهنا يتحدث عنها: بعد استنفاد كل الإشكال الفرجوية في المسرح المغربي التي تضمنها مشروع مسرحتها،التفتت إلى القصة القصيرة والرواية، حيث عملت على مسرحة قصص قصيرة وروائية لكتاب مغاربة منهمالقاص والشاعر المرحوم احمد طليمات، والمفكر والروائي حسن اوريد، وأغلبية النصوص المسرحية التي الفتها تم نشرها بمؤسسة آفاق للدراسات والنشر واشتغلت عليها فرق مسرحية محترفة بالمغرب وفرنسا كفرقة تانسيفت والوفاء المراكشية، ومسرح الأصدقاء بفرنسا ومدرسة سيرك شمسي بالمغرب، وأذكر أن لي كمؤلف رفقة الفنانة لطيفة أحرار والفنان هشام الإبراهيمي ، تجربة تقديم عرض مسرحي بعنوان "مسرح القرب"، بهدف تقريب المسرح من الجمهور، وكانت تحت شعار" إذا لم يأت المتفرج الى المسرح ، المسرح يذهب إليه" .

يوضح المسرحي فردوس لماذا هو ضد التقسيمات الجغرافية التي تؤطر المسرح وتجعل منه "مناطقيًا" أو يعود إلى بيئة ما، وهنا يكشف عن ذلك التكوين الأول للمسرح ونشأته جغرافيًا ويقول: في نظري إن إي تأطير للمسرح ما هو إلا تحقيب زمني أو توطين جغرافي او توصيف للشكل والمستفيد، وهذا لا يغير إي شيء من طبيعة المسرح سواء كعرض فرجوي او جنس أدبي، فالمسرح له منطلقاته أو أصوله وله اشكاله او مدارسه وله انتماءاته وله توصيفاته،لكنه يبقى دائما مسرحا ببعده الإنساني، وهو كيفما كان، قديم، كلاسيكي، حديث، ما بعد الحداثة، هاوي او احترافي، مدرسي او جامعي، عربي او اسلامي او غربي، يبقى هو المسرح في إي زمان أو مكان، صحيح يختلف حسب الزمان وحسب المكان وحسب النوع لكنه الى يومنا هذا لم يخرج عن كونه مسرح، و لم يتحول إلى شيء أخر.

ويشير إنه لماذا نحن بحاجة اليوم إلى العرض المسرحي القصير جدا، والمؤثرات الحقيقية التي استدعت وجوده وتأثيره على مسار المسرح، قائلا: تعود جذور المسرحيات القصيرة إلي القرن 16 حيث ظهرت كفواصل تمثيلية، أو كمقاطعتأتي بين فصول مسرحية طويلة كما كان يقع في اسبانيا، واعتبر السكيتش الذي ظهر في أمريكا وانتقل إلى أوروبا، كنموذج للدراما القصيرة، التي يقول عنها سريندبورغ بأنها "مسرحية قصيرة جدا حيث يمكن عرضها في 15 دقيقة مثلا، إن المسرحية القصيرة انتقلت من مسرحية الفصل الواحد إلى المشهد الواحد" ويضيف "في إطار قانون الجمال الحديث ، تلغى كل القوانين الممنوعة وتبقى الكلمة فيها لذوق وحاجات المسرح الحديث".

أما الإنجليز فقد اعتمدوا المعيار الزمني وحددوا مدة 30 دقيقة في تعاملهم مع هذا الجنس الأدبي، في حين إن أريان منوشكين مؤسسة فرقة وتجربة مسرح الشمس بفرنسا وضعت كبسولات مسرحية لا يتعدى غلافها الزمني 5دقائق، وحتى لا نتوه بين المفاهيم والمصطلحات فإنني أتبنى إجرائيا تعريفا للمسرحية القصيرة وهو التعريف الذي اعتمدته ن في مختبر "سوالف بصرية". المسرحية القصيرة كتابة درامية تدور حول فكرة واحدة بحدث، وإن كانت هناك أحداث، فإنها تتنامى عرضيا وليس طوليا، كما هو الأمر في المسرحيات الأخرى، ويتوغل هذا الحدث في الإبعاد النفسية أكثر من التوغل في الزمان. وتتحقق وحدة الحدث بالتكثيف وليس بالايجاز أو الاختصار، فهي ليست مسرحية طويلة يطلب منا إيجازها أو اختصارها، وإنما حدث نطرحه بتكثيف في الصياغة وفي عرض الأفكار والصور، المسرحية القصيرة عمل درامي شكلا ومضمونا تشح فيه الكلمات وتتوقف فيه الشخصيات عن الحياة. مما يطرح على المؤلف الاشتغال على عنصر التشويق وهو مكون أساسي في كتابة المسرحية القصيرة جعل البعض كالفرنسي أوجين سكريب يسميها "المسرحية ذات الحبكة".

ويضيف فردوس: بسبب الأزمة التي عرفتها الكتابات الدرامية في الثمانينات من القرن 19 والتي طرحها الناقد الألماني بيتر زوندي في كتابه " نظرية الدراما الحديثة" وهو شكل جاء مرتبطا بحركة التجديد الذي انخرط فيها كتاب مسرحيون منهم الفرنسي جان جوليان’ والنرويجي أوغست ستريندبورغ الذي أكد أن " المسرحية القصيرة نموذجا للمسرحية المستقبلية"، ودعمه بيكيت بتأليف نصوص مسرحية قصيرة منها "دراما قصيرة "و"ارتجالية اوهيو". واكد على ذلك تشيكوف بـ 9 مسرحيات قصيرة وهو الذي كان يرى بان البعد التجريبي يتجلى في نقل القصة إلى مسرحية، وكان يسميه "الدراسة المسرحية"، وفي العالم العربي فلا يمكن إن نغفل كتابات سعد الله ونوس "حكاية جوقة التماثيل" ولا زكريا تامر أو محمد الماغوط.