بقلم : محمد بن رامس الرواس
« الحوار هو التجاوب والمجاوبة وثقافة الحوار لا يمكن ترسيخها ما لم نؤمن بها، وهي قناعة تعني قبول الأخر بما يحمله من اختلاف، سواء عقدي، أو عرقي، أو ديني، أو سياسي، أو ثقافي، ومن شروطه احترام التعددية، والفكر، وعدم إقصاء الأخر«.
لقد شهدت السلطنة خلال نصف القرن الفائت تبنيها لسياسة نشر قيم التسامح، والدعوة للحوار، ونشر ثقافته من خلال منابر الأمم المتحدة، ومؤتمرات الحوار العالمية سواء بين الحضارات أو الدول، إيمانها بأن الحوار هو الحل الناجع والأمثل لكافة المشكلات والعقد ؛ ومخرج آمن وصى به القرآن الكريم، وحث عليه الرسول الأمين - عليه أفضل الصلاة، وأزكى السلام -. ولقد أثبت الحوار بحق أنه السبيل الوقائي لتجنب كافة اشكال الحروب، والعنف، والكراهية، خاصة بعد أن انتشرت بالعالم بشكل مخيف. كانت أول دعوة للحوار الوطني بالسلطنة عندما تولى - المغفور له - جلالة السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم عام 1970م ، فمن خلال إيمانه بالحوار أوجد تصالح وتسامح داخلي بين الحكومة والمتمردين من أبناء المجتمع الواحد، ولقد حقق الحوار الداخلي وقتها نتائج ملموسة من خلال عودة أبناء الوطن للوقوف إلى جانب حكومتهم، التي فتحت ذراعيها لكافة اشكال الحوار. لقد تبنت السلطنة ثقافة الحوار بالداخل، قبل أن تنتقل إلى نشر قيمه إلى العالم؛ مما ساعدها على النجاح في سعيها، ولقد كانت الجملة المشهورة التي أطلقها السلطان قابوس طيب الله ثراه قبل بدء الحوار الوطني العُماني الداخلي حينها : «عفا الله عما سلف»؛ قاصدًا من وراء ذلك الجلوس مع من يخالفه الرأي، والفكر، فنجحت سياسة الحوار، وآتت أكلها، وأثمرت بعدها لحمة وطنية واحدة مترسخة، فيها مبادئ، وقيم التسامح. غالبًا عندما تعقد مؤتمرات الصلح؛ وتكون النوايا سليمة؛ فإن نتائج الحوار تكون مخرجاته إيجابية، ومثمرة، لكن عندما يغيب عن الحوار نتيجةً لعدم احترام الآخر، وعدم الاعتراف بالخطأ؛ فإن النتائج تكون عكس المأمول؛ فالحوار له قيمة إنسانية عظيمة، ودعوة ربانية للجلوس، والتخاطب، قال تعالى في محكم التنزيل: « تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم «، فالقواسم المشتركة دائما ما تقرب وجهات النظر والفوارق، ومن خلال ذلك يحصل الحوار البناء. ختاما إن التوجيهات التربوية تكون بدءا بالأسرة، ثم المدرسة، وصولا إلى المجتمع الكبير، شرط أساسي في غرس ثقافة الحوار، لكى تغرس في النشء ثوابت القيم التي تخلص في النهاية إلى قناعة في النفوس والسلوك بأهمية الحوار. ولا شك أن التسامح هو القيمة الأولى لتبني سياسة الحوار، وبدونها لا يكون هناك حوار حقيقي. وثقافة الحوار ليست فقط الاستماع إلى وجهات النظر، وترك الفرصة لتبادل الأفكار؛ بل يسبق ذلك الاعتراف بما يحمله الآخر من رأي، بل أكثر من ذلك هو عدم مصادرة حقه في التعبير عن قراره.