بقلم : مرتضى بن حسن بن علي
المعلم يعتبر واضع حجر الأساس في تقدم الشعوب ونهوضها، وهو يساهم ويلعب دورًا أساسيًا في تقدم الأجيال وإعدادها للمستقبل. ولهذا نجد ان الحكومات في الدول المتقدمة والطامحة لبناء المستقبل تهتم بالمعلم وتسعى إلى تطويره بشكل مستمر، وبما يتناسب مع التطور الكبير والمتسارع بالعالم في كل المجالات، لإدراكها أن من أحد الأركان المهمة لإصلاح المنظومة التعليمية هي تحسين وضعية المعلم المادية والمعنوية، وإطلاعه على كل جديد في عالم التربية والتعليم والمعرفة. الدول آلتي سعت إلى التقدم مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وغيرها أولت اهتمامًا كبيرا ومتواصلا لنوعية التعليم حتى أصبحت من الدول المتقدمة في العالم، على الرغم على افتقارها للموارد الطبيعية. وفي هذا الصدد يقول «لي كوان يو» مؤسس سنغافورة الحديثة: «أظن أنني لم أقم بالمعجزة في سنغافورة، أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم، وغيرتُ مكانة المعلمين من الطبقات الدنيا في المجتمع إلى المكان اللائق بهم، وهم من صنعوا المعجزة التي يعيشها المواطنون الآن، وأي مسؤول يحب بلده ويهتم بشعبه كان سيفعل مثل فعلي».المعلم الجيد يعتبر من الركائز الأساسية في المنظومة التعليمية، ولذلك فان الدول المتقدمة عملت وما زالت تعمل على تطوير مهاراته وقدراته ومعلوماته بشكل مستمر، كما انها حررته من المهام الإدارية حتى يتسنى له التركيز على التعليم، ومنحته المكانة المعنوية في المجتمع، وراتبا كبيرًا يعادل أو يتجاوز رواتب المهن الراقية.
التعليم المتميز يستوجب الاهتمام بالمعلم من قبل المختصين في مجال التربية وعلم النفس. ومسؤولية إعداد المعلم تقع على عاتق الجامعات التابعة للدولة، لذلك من السهل مراقبة الجودة وتحقيق المعايير المطلوبة. وبعض الخطوات المطلوبة لإعداد معلم الغد هي: 1-من أجل إيجاد جيل جديد من المعلمين، فعلى وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي إتباع معايير صارمة لقبول الطلبة في الكلية المختصة لإعداد المعلمين مثلما هو متبع في عدد من الدول ومنها «فنلندا مثلا»، حيث تبدأ الخطوة الاولى للقبول في كلية إعداد المعلمين باختيار الطلبة الحائزين على أعلى الدرجات في امتحان الدبلوم العام، وبعد النظر إلى سجلاتهم المدرسية، تجرى مقابلات شخصية مع كل طالب على إنفراد من قبل لجنة متخصصة من خبراء علم النفس والاجتماع والتربية والتعليم، ويتم توجيه أسئلة للمرشحين عن سبب رغبتهم ان يصبحوا معلمين، كما تجري للمرشح امتحانًا تحريريا عن مفهومه للتربية والتعليم في هذا العصر المتغير باستمرار، والطلب منه بالقيام بتمثيل دور المعلم داخل جدران المدرسة، لمعرفة مهارات التعليم والتفاعل والتواصل والتعاون مع الطالب.. وبسبب الشروط الصارمة يتم قبول نحو 10٪ من المتقدمين، ولو كانت معدلات غير المقبولين 90٪ فما فوق. بهذه الطريقة يتم إختيار نخبة النخبة من المرشحين ومن هو أهل لها، كما أن القبول في الكلية يتم بنسب تتوافق مع نسب الاحتياج للمعلمين سواءً في المدارس الحكومية أو الخاصة. هذه الصرامة في القبول في كلية إعداد المعلم يعود لأهمية المعلم، فعلى يديه تتخرج كافة الكوادر آلتي تبني المجتمع من أطباء ومهندسين ومحامين وغيرهم. 2-من المهم وضع الحدود الزمنية الأدنى لتهيئة معلم المستقبل في الكلية، ودراسة أنواع ومستويات المقررات الأكاديمية النظرية والتطبيقية التي يجب أن توفرها الكلية المتخصصة، ومن ضمن ذلك دروس في علمي النفس والاجتماع، وتعلم اللغة الانجليزية، وتحديد الوسائل، ومدة الخبرة العملية التي يجب ان يقضيها المعلم في التدريب بعد تخرجه، وقبل قبوله كمعلم قادر على تحمل مسؤولية التعليم. بكفاءة.إضافة إلى التخصص الرئيسي يتم تدريسه مادتين إضافتين واللغة الانجليزية، وبعد حصوله على شهادة البكالوريوس «4 سنوات»، عليه تكملة سنتين دراسيتين إضافيتين لكي يحصل على درجة الماجستير، واشتراط الحصول على درجة الماجستير للمعلمين دلالة على المكانة العالية التي يحظى بها المعلم ليكون خبيرا يتم الوثوق به ثقة كاملة من قبل الإدارات العليا. إضافة إلى كل ذلك فعلى الوزارتين الاخذ بعين الاعتبار وظائف الغد والشروط المطلوبة لتلك الوظائف.
3- لكي يكون التعليم مستمرا طيلة حياة المعلم المهنية، فعليه مواصلة الإطلاع على أحدث النظريات والتطبيقات والمستجدات في حقله مثل الطبيب والمهندس والقانوني، وربط ترقية المعلم بمدى تقدمه في التعلم المستمر وليس حسب الأقدمية.
4- يدرس الطالب في مرحلة إعداد المعلمين خلال السنة التحضيرية بعض أو كل من المقررات التالية:
تخطيط المناهج،
مهارات التواصل،
كيفية الكتابة العلمية،
تقنية الاتصالات والمعلومات،
علمي النفس والاجتماع.
أما في السنوات التي تلي المرحلة التحضيرية، فالطالب يقوم بدراسة المقررات التالية سواء في مرحلة إعداد المعلم للتعليم في الروضة أو المرحلة الابتدائية أو المتوسطة أو الاعدادية:
فلسفة التعليم، علم النفس التربوي،
فن التعليم، وكيفية كتابة رسالة الماجستير. 5- ايجاد برنامج شامل لإعادة تعليم وتدريب جميع المعلمين الحاليين وبصورة مستمرة، وربط ترقياتهم على مدى تعلمهم واستيعابهم للبرامج المختلفة، ودمج البحوث والدراسات مع جميع جوانب برامج إعداد المعلم، وكتابة أطروحة الماجستير يعتبر من أفضل ميزات برنامج إعداد المعلم في الدول المتقدمة، فعندما يكتسب الطالب القدرة على البحث، فان تلك القدرة ستصبح سلوكًا لديه يستفيد من خلاله من أحدث التطورات في مجال البحوث التربوية، وسوف تستمر معه هذه العادة طوال حياته المهنية، كما أنها ستعمل على دمج النتائج العلمية الجديدة في عمله، وسينعكس ذلك على تفكير طلابه.6-خلال إجراء التطبيق العملي في كلية إعداد المعلمين أو خارجها، يكون التدريب مكثّفا وشاملًا وفعّالا، يدرس الطلاب مهارات التواصل، واللغات، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إلزاميًا، كما من المهم ان يتعلم الطالب على التعلم الذاتي، وهي تقوده لتطوير برامجه الفعّالة وخططه المهنية، وتؤدي إلى زيادة راتبه وتحقيق أهدافه المستقبلية.7- إكساب الطالب المهارات البحثية التي تجعل منه مواكبًا لأبرز تطورات العلم، ناقلًا ذلك لطلابه، وتعزيز قيمة المدرسة تاتي عن طريق تطوير المناهج، وتعزيز قيمة المدير والمعلم، والالتزام بالمعايير العالمية في التحصيل والتطبيق.كل ذلك سوف يؤدي إلى تعزيز الانجازات التعليمية والاجتماعية والسلوكية لكل طالب وطالبة.إن التعليم يعد الركيزة الأساسية في بناء الأمم ومن يتولى هذه المهمة هو المعلم، إذ نجد المجتمعات المتقدمة تضعه في مكانة مرموقة.النظام التعليمي بوضعه الراهن لن ينتج آي فكر يتطلع إلى المستقبل، أو أبداع ينقلنا كمجتمع لمصاف الدول المتقدمه.ما يجب أن نعيه أن لا نهضة بدون تعليم، ولا تعليم جيد بدون مقررات جيدة، ومدير جيد، ومعلم جيد كفئ ومرتاح ماديا ومعنويا. من الأهمية القصوى لإصلاح وتطوير التعليم الاهتمام البالغ بالمعلم والمعلمة عن طريق تمهين مهنة التعليم، لتصبح مهنة رفيعة المستوى تماثل المهن الرفيعة الأخرى مثل مهن الطب والهندسة والقانون وغيرها من المهن. أليس من حق المعلم والمعلمة على المجتمع ومن حق المجتمع عليهما ان تكون مهنة التعليم من ضمن المهن الاجتماعية الرفيعة، مكانة وتقديرا واكتفاءً ماديا؟ المعلم المتعلم والمثقف الممتهن والملتزم يعتبر عنصرا بالغ الأهمية لاصلاح وتطوير النظام التعليمي، ومن دون وجود ذلك النوع من المعلم المؤهل علميا وثقافيا واجتماعيا، لن نتمكن من إصلاح وتطوير التعليم مهما كانت المقررات جيدة. وإذا ما نجحنا في ذلك عندئذ سوف نتمكن أن نردد قول الشاعر الكبير أحمد شوقي، ذلك القول الذي كان يردد على مسامعنا عندما كنّا صغارا:
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم ان يكون رسولا.