بقلم : محمد محمود عثمان
أسواق العمل العربية تترنح، وهي المؤشرلنجاح الخطط الاقتصادية وأسواق المال، وسوف تظل تعاني - هكذا لعدة سنوات مقبلة- من الكثير من المشاكل التنظيمية التي تؤثرعلى مؤشرات التنافسية الدولية خاصة في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وعلى التنمية الاقتصادية والاستقرار والأمن الاجتماعي للمجتمعات ولشركات القطاع الخاص وللأسر والأفراد،، الأمر الذي ينعكس على الاقتصاد وعلى أداء الحكومات بشكل عام، لأن أسواق العمل من أهم عناصر الجذب للمستثمرين وللاستثمارات الأجنبية وللمحافظة على رؤوس الأموال من التسرب للخارج، إلى جانب ما يقدم من الحوافز الضريبية وآليات التحكيم وفض المنازعات وضمانات خروج رأس المال وتحويل الأرباح، والعدالة الناجزة التي تنعكس مباشرة على الأنشطة الاقتصادية، وعلى مؤشرات الشفافية وسيادة القانون، وحتي إذا لم يكن ذلك منظورا بصورة واضحة، إلا أمام المستثمرين الأجانب، الذين يعتبرون أن حوكمة وانضباط الأسواق، وسرعة حسم المنازعات المتعلقة باستثمار رأس المال الأجنبي وعقود الإيجار وعقود العمل والمقاولات، من المميزات التنافسية أمام متخذ القرار الاستثماري، لأن من الإشكاليات التي تعوق الاستثمارات تأخير وتعطيل الفصل في هذه القضايا التي تتأثر بها أنشطتهم في الداخل والخارج، وتتسبب في هروب المستثمرين والشركات متعددة الجنسيات، التي تضع هذه الأسواق في القائمة السوداء على خريطة الاستثمار العالمية، وتبرر ذلك بتكريس ثقافة ضياع وإهدار الوقت التي تتميز بها بلادنا العربية بدون استثناء، التي تسمح لبعض المؤسسات بإجازات تمتد إلى ثلاثة أشهرمتصلة في السنة مثل الإجازات القضائية، بجانب الإجازات الأسبوعية والأعياد الدينية والوطنية، والإجازات الطارئة والمرضية، وكذلك احترافية البعض في الهروب المقنن من العمل بعيدا عن المساءلات القانونية أو الرقابية، إضافة إلى الوقت المهدر في استخدم الإنترنت والهاتف النقال أثناء العمل، التي يضاف إليها تخفيض ساعات العمل خلال شهر رمضان، لأنه ليس منطقيا أو مقبولا أن تصل الإجازات إلى ثلاثة أشهر، في أي من الوزارات والمؤسسات العامة أو الأمنية أوالخاصة أو المصارف والمؤسسات المالية والخدمية والإنتاجية، لأن ذلك يجرنا للخلف ويدفعنا الى التخلف بإرادتنا الحرة عن ركب الحضارة في العالم، لأننا لا نجد وقتا للعمل وهوالقاعدة الأساسية والرئيسية لكل تقدم، ويتضاءل حجم الأعمال المنجزة، وهى كارثة بكل المعايير أن نهدر حوالى 50% من وقت العمل في الدول العربية، الذي يعد أهم عناصر تقدم الدول الصناعية التي تقدر قيمة الوقت والعمل بالثواني وليس بالدقائق، لأن ذلك هو الذي يفصلها عن الدول النامية أو المتخلفة، لأن ذلك يؤثر سلبيا على الإنتاج وإنتاجية العامل وموارد الدخل القومي، ولنا أن نتخيل كم الخسائر نتيجة لذلك وكم حجم الفاقد الاقتصادي والخدمي وانعكاساته على المجتمع والأفراد، لذلك علينا أن ندرك أهمية عدم تأخير الفصل في القضايا التجارية والعمالية التي تتكدس في المحاكم منذ تعثر الشركات ومع الموجات المستمرة لتسريح العمال التي ولدتها جائحة كورونا، والتي مثلت عبئا كبيرا على المحاكم وخاصة الدوائرالتجارية والعمالية، ما تسبب في الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، خاصة مع زيادة المتعثرين والشركات التي تعلن الإفلاس، ومعاناتها من طول زمن التقاضي وعدم القدرة على حسم أمورها، وتضرر مكاتب المحاماة التي تتحمل تكاليف الإيجارات والمرتبات لمدة الإجازات القضائية، وكذلك معاناة العُمال المسرحين والمفصولين من الآثار السلبية لتأخير الفصل في القضايا التي قد تستمر من عام إلى عامين، وهم بدون دخل وعليهم التزامات وديون وأقساط مالية وأعباء أسرية ولديهم احتياجات معيشية، ما يدفع البعض إلى ارتكاب الجرائم وتفشي السرقات والتجارة في المخدرات أو الجرائم المخلة للآداب وانحراف الفتيات بحثا عن مصدر للدخل، نظرا للخلل المتمثل في افتقاد قوانين العمل العربية لتشريعات وآليات التكافل التي تضمن لهؤلاء العيش الكريم عند الفصل من العمل، كما يحدث في الدول الأوروبية، التي تقدم فورا للعامل المفصول بدون سند قانوني قيمة مرتب 24 شهرا وبعدها إعانة 600 يوروشهريا حتى يحصل على فرصة عمل جديدة، وحتى يتم الفصل في القضايا التي تؤجل أو تتأخرلفترات اطول وذلك لعدة أسباب منها: الاجازات القضائية الطويلة وتزايد القضايا وتكدسها ونقص عدد القضاة، والضغط على المحاكم وتأجيل القضايا للاطلاع التى تمتد إلى قرابة الشهرين أو أكثر، وهى مجرد منازعات تجارية أو عمالية لا تحتاج إلى جهد أو وقت طويل للاطلاع أو الرد، على الرغم أن السلطات القضائية وبعض القوانين تحدد زمن الفصل في المنازعات العمالية خلال أسبوعين أو ثلاثة أو شهركحد أقصى، باعتبارها دعاوى مستعجلة في كل الأحوال، وقد فطنت سلطنة عُمان لذلك حتى تحافظ على استقرار الأسواق والثقة فيها، وتعطي الحماية القانونية للمتقاضين من المستثمرين وأصحاب الأعمال والعمال من خلال المادة (10) من قانون تبسيط إجراءات التقاضي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 125/2020 في شأن بعض المنازعات التي تلزم الدائرة الابتدائية أن تصدر حكمها في النزاع خلال مدة لا تزيد على (30) ثلاثين يوما من تاريخ إحالته إليها، إذا كانت الدعوى صالحة للحكم، ولكن بعض الدوائر القضائية لم تلتزم بذلك ربما لضغط العمل وزيادة عدد القضايا وطول فترة الإجازات، وحلا لهذه المعضلات والإشكاليات فإنه من الضروري إعادة النظر في الآتي: تخفيض الإجازات القضائية لمدة شهرفقط، والعمل في المحاكم بالتناوب على مدار العام بما لا يخل بسيرالعدالة، وبما يساعد على دوران عجلة الإنتاج ومضاعفته، على أن يحدد القضاة بالتنسيق مع رؤساء المحاكم تاريخ الإجازة وفقا لما يناسبهم، حيث إن استمرارعمل المحاكم طوال العام له مردودعدلي واقتصادي واجتماعي إيجابي، مع عدم وجود أي مبرر لمنح جميع المحاكم الإجازة في وقت واحد، وكذلك استحداث العمل بنظام قاضي التحقيق الذي يقوم بمرحلة التحقيق الابتدائي ويوفر الكثير من وقت وجهد القضاء في القضايا المدنية والجنائية، ويحُول من كون جهات الإدعاء والنيابة العامة خصما وحكما في الوقت ذاته، وبما يضمن تحقيق العدالة الناجزة، وهذا النظام معمول به في بعض الدول، وكان مطبقا في المحاكم المختلطة في مصر في فترة الاحتلال البريطاني قبل ثورة 23 يوليو 1952.