صداقتنا مع بريطانيا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١١/سبتمبر/٢٠٢٢ ٠٦:٢٥ ص
صداقتنا مع بريطانيا

بقلم : محمد البلوشي

الحديث عن العلاقات العمانية البريطانية طويل جدًا فهي علاقات ربما مع أقدم كيان سياسي في المنطقة ومع أكبر قوة عظمى سادت ذات يوم.العقلانية تقول إنك في عالم السياسة تحتاج للحلفاء والأصدقاء وبخاصة في الوقت الصعب وأنت ذكي حينما تمسك كل الخيوط تقرب خيطًا وتبعد خيطًا حسب حياكة القماش الذي بصدد صنعه لتحافظ عليه وتصبر حتى تنجزه.

ترتبط سلطنة عمان وبريطانيا بمعاهدة الصداقة التي تعود إلى العام 1798م والتي رسخت العلاقات بين البلدين ومسارها.. في عام 2019 صدر مرسوم سلطاني بالتصديق على «الاتفاقية الشاملة للصداقة الراسخة والتعاون الثنائي بين حكومة سلطنة عمان وحكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية» وهي اتفاقية تتجدد كل عشر سنوات..قرأت هذه الاتفاقية وهي منشورة وتفاصيلها واضحة للجميع فكل طرف يستفيد من الآخر بعلاقات مبنية على الاحترام المتبادل. وبها من الجوانب ما يفيد الطرفين وقد يفيد عمان كدولة نامية وناشئة اقتصاديًا وتحتاج إلى خبرات متراكمة يمتلكها البريطانيون في كل الأحوال.. يقولون إن الحلفاء أو الأصدقاء يتحاورون ويتصارحون وعلى هذه القاعدة يبنون علاقاتهم على التفاهمات التي أقروها برضاهم وقناعاتهم..وفي بعض الأوقات تحتاج هذه العلاقات إلى صبر طويل وذكاء ودهاء سياسي للتعامل مع الحلفاء الأقوياء وليست ب «العنترة والتشنج والغوغائية»..قبل 3 أيام سمع العالم من شماله إلى جنوبه نبأ وفاة الملكة البريطانية الأطول عمرًا وحكمًا-إن جاز التعبير- خبر له صداه -معنويًا -وليس له تأثيره العالمي كالانتخابات الامريكية..اهتم العالم بخبر الوفاة لملكة عمرها 96 عامًا وظلت على العرش الملكي 70 عامًا دون أن تفقد بريقها وحضورها في مجتمعها..بلدها حكم العالم بين استعمار كالهند وغيرها وبين تعاون وصداقة مع الدول الأخرى..نصيبنا من هذه العلاقة هناك من يحاول -وللأسف منا - تشويهه بكل الصور دون الاستناد على محاولة تفسير الظروف التاريخية التي قامت عليها هذه العلاقات ومسارها بين عمان وبريطانيا ووضع بلادنا على مختلف الأزمان والحقب في تاريخ هذه العلاقة..ولذلك إطلاق الأحكام اليوم ونحن نتكئ على أرائك وثيرة وتجاهل الظروف والمعطيات الزمنية لتلك العلاقة به ما ينم من الجهل والتعسف بحق البلاد...ولذلك فإن الذين يطلقون أحكامًا غوغائية بحق بلادهم هم في الواقع يسوقون أكاذيب عن جهل وعن سطحية..الملك في بريطانيا يملك ولايحكم ودستوريا الحكومة هي التي تدير الشؤون سواء داخليًا وخارجيًا بينما يظل الملك راعيًا للأمة وليس له حق التصرف بإعلان الحرب أو إطلاق الرصاصة الأولى.. هذه الأولى..هناك من تشفى بموتها وهم من درسوا وتعلموا وتفاخروا بتعليمهم في ذلك البلد ويتفاخرون بذلك..وفي لحظات يبدأون بالشتم واللعن والحط من قدر حتى بلادهم ليصفوها بالمستعمرة ليكذبوا على الجميع..وتظل الحقائق عنيدة عليهم فيكذبون..عمان بلد عريق ومن أعرق الكيانات الطبيعية والسياسية في المنطقة وليست صنيعة أحد حدودها معلومة وواضحة ومعروفة والتاريخ في صعود وانحدار..وحديثي عن الوطن الأم عمان البلد الذي نعيشه..أما الأحداث الخارجية التي حدثت ففصولها يمكن إيرادها بمعطيات ذلك الوقت وظروفه وقصة بريطانيا الأستعمارية مع الاخرين ليس هدف هذه السطور.

من المؤلم التطرق إلى حقبة مرت بها البلد من انقسامات ومحاولات صنع «كانتونات» صغيرة عشائرية أو بأسماء ومآرب أخرى ضمن الوطن الأم..الحقائق تقول إن أحداث الانقسامات الداخلية التي مرت بها البلاد واستعانتها بحليف قوي لمساعدتها لفرض الاستقرار والوحدة الوطنية ووحدة أراضي البلاد لاتهام نظام الحكم بمساعدة البريطانيين على القتل والإبادة فهذه معلومات مظللة وتزوير وتشويه للحقائق..حينما يكون البلد معرضًا للانقسام فإن واجب الدولة حماية سلامة الوحدة الوطنية واراضيها..إن هذا الحليف لم يفرض ذاته ويتحرك من تلقاء نفسه بل بأمر السلطة التي هي بصورتها الحالية تحظى بالإجماع الوطني من كل البلاد..إيراد التعاطف واختلاق دعايات مزيفة ووهمية لتأكيدها كحقائق أمر شائن..فالأحداث التي وقعت معروفة وهي كانت بإرادة الدولة العمانية وطلب في لحظات مفصلية جدًا.وللأسف هناك من يكذب ليحط من قدر الوطن وتاريخه..لنعلم كيف تعلمنا واستفدنا من حليف في الحفاظ على البلاد من الاطماع الخارجية..بلد بدون مقدرات وغير موحد ويسعى الجميع لبناء كيانات سياسية كصراع على الحكم باسم الإيدولوجيا بمختلف المسميات كما ذكرت. هل يمكن السماح بذلك.. إن من المؤلم جدًا أن تعمل في الوطن وتستفيء من خيراته لتنقض على كبريائه التاريخي بالكذب وبمصطلح التبعية.

الحقيقة أننا استفدنا من هذا الحليف في صيانة استقرارنا في لحظات صعبة جدًا من التاريخ بصعوده وهبوطه ..وعودة إلى السنوات الأولى للنهضة لن ينكر ذلك إلا جاحد.. فقد استفادت عمان من حليف يملك الخبرات المتقدمة في منظومة الدولة لمساعدة بلادنا في بناء الدولة المدنية وبناء مؤسسة عسكرية وأمنية على أسس حديثة وعالمية وتقديم كل الخبرات التي احتاجتها بلادنا..هل كان مطلوبًا منا أن نذهب إلى جزر الواق واق لنتحالف معهم.. كفوا عن حقن عقول الناس بسموم الأباطيل والكذب.