بقلم: مرتضى بن حسن بن علي
إحدى مفاتيح التنمية الحقيقية هو التعليم الحديث المتطور باستمرار، ولا سيما التعليم الأساسي، وللأسف إن هذا الموضوع المهم لم يعطى الاهتمام النوعي الكافي، فنظامنا التعليمي لا يتجاوب مع مقتضيات التنمية، فضلا عن مقتضيات العصر، كل ذلك يستدعي القيام بحملة أقرب ما تكون إلى الجهاد لحل هذه المشكلة، فإصلاح النظام التعليمي يجب ان يحتل قمة الأولويات بالتوازي مع متطلبات الأمن والسلامة.
أهم التحديات آلتي يعاني منها النظام التعليمي حاليا هي:
1- عدم وجود سياسة وطنية عليا في شأن التعليم.
جرت العادة على منح وزارة التربية والتعليم صلاحيات رسم السياسة التعليمية والإشراف عليها وتنفيذها ومراقبتها في نفس الوقت.اهمية التعليم تستدعي ان تكون السياسة التعليمية سياسة وطنية عليا تشارك فيها وتراقبها كل الجهات المسؤولة ومدعومة بخبرات وطنية ودولية مشهودة، ذلك إن الاستثمار في التعليم تحكمه اعتبارات خلق كفاءة إقتصادية واجتماعية، وليست الاعتبارات التعليمية التقليديه فحسب.
2-: غياب التعليم قبل المدرسي الحكومي "رياض الأطفال".
البلاد العربية عموما متخلفة جداً عن بقية دول العالم المتقدمة في موضوع رياض الأطفال. سوف يكون مفيدًا جدا اعتبارها مرحلة تعليمية تربوية تعد الطفل للدخول إلى المدرسة الابتدائية، ومن المهم تعليم الأطفال من عمر مبكر، وإثارة حب الفضول لديهم لتوجيه الاسئلة المختلفة، والروضة سوف تنمي مهاراتهم وقدراتهم وإعتمادهم على النفس، وتعليمهم قيم الحوار الفعال، وبناء علاقات إنسانية، ومهارات التفكير الضرورية.
3-تدني نوعية التعليم.
تشير معظم الدراسات الميدانية والتوصيات الصادرة من الندوات والمؤتمرات، من ضمنها الندوات التي نظمتها وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي إلى تدني نوعية التعليم، وضعف كل من المُتعلِّم والمعلِم والمقررات والقدرات التي ينميها التعليم في عقل وشخصية التلميذ، فالتعليم لا يزال يهتم بالكم ويهمل النوع.
وفي استبيان عالمي جرى قبل فترة، شارك فيها نحو نصف مليون طالب حول العالم، أظهرت الأرقام إن مستوى شريحة الطلبة العرب بما في ذلك عمان تقع بين أدنى 10% في تحصيل الرياضيات والعلوم حول العالم، وتتفق نتائج الاستبيان مع التمرينات التي اشتركت فيها وزارة التربية والتعليم قبل مدة لمراقبة التحصيل العلمي في السلطنة، بالتعاون مع منظمة اليونيسف من خلال تقييم دراسة المواد والمعارف الرئيسية للصفوف 4,5، 6، وكذلك التقييم الذي أجرته جامعة Prinston المشهورة والتي أظهرت مؤشرات قوية على الضعف في مادتي الرياضيات والعلوم، وآلتي تعتبران الآساس لتطوير المعارف والقدرات، وهي العصب المهم في الدراسات العلمية والتقنية والمحاسبية والتجارية.
4-: نمطية التعليم:
إذا كان مستوى التعليم الابتدائي ضعيفا، فان التعليم الثانوي يشمله الضعف أيضا، إضافة إلى ذلك، فانه لا يخرج عن فرعي الأدبي والعلمي، فهذه التقسيمات الأكاديمية لم تعد مناسبة منذ الثمانينات، وأصبح مهما تنويع شعب التعليم الثانوي بحيث تستجيب للتطور الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي الحاصل في العالم، وتؤسس شعب وتقسيمات جديدة تستجيب لبنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية، وما يتطلبه ذلك من توفير أيدِ عاملة للتخصصات وتقسيمات العمل الجديدة، كما أصبح ضروريا تعليم مهارات القرن الواحد العشرين وهي: التفكير النقدي، الإبداع، التعاون والتواصل، التكيف والمرونة، والقدرة على التعامل مع التغير السريع، والقدرة على نقل الافكار، واستشراف المستقبل، والتفاعل مع التغييرات بشكل واعي، وتنمية أخلاقيات العمل، وغرس روح الفريق، والعمل لإيجاد الحوار البناء، والمناقشة الحرة المسؤولة بعيدة عن الاراء القطعية غير القادرة على التفاعل، والحوار داخل المدرسة أو خارج اسوارها، وغرس مفاهيم التعلم المستمر مدى الحياة، وتعويد الطلبة على طرق ومناهج التفكير العلمي في التعامل مع القضايا الفكرية، والحث على قيم التسامح وقبول الأخر، وتنمية الروح الوطنية، وغرس مفاهيم المواطنة الصحيحة، إضافة إلى قيم المحاسبة والشفافية، كما تتطلب العملية تنويعا واسعا في التعليم الثانوي عن طريق اتاحة الفرصة لدراسة مواد اختيارية تحسب لها درجات، والتعليم الحديث يسير باتجاه تعليم الطالب عدد متنوع من المهارات في المرحلة الثانوية، نظرا لما يتميز به طالب هذه المرحلة من خصائص معينة ترتبط بطبيعة المرحلة العمرية آلتي يمر بها.
5-:جمود المناهج:
المناهج الدراسية يغلب عليها صفة الجمود، وتركيزها على الكم أكثر من الكيف، والحفظ أكثر من الفهم، والتلقين أكثر من الاستيعاب، والماضي أكثر من الحاضر والمستقبل، وغلبة الجوانب النظرية دون الجوانب التطبيقية.
6-طرائق التدريس:
طرائق التدريس هي تقليدية تركز على الحفظ والتلقين والترديد، بعيداً كل البعد عن الالتفات لمستويات التفكير العليا من فهم ونقد وتحليل واستنباط، فهي تنحصر في الحفظ والتذكُّر، وإعادة ما يسمعونه دون أن يتعمقوا في مضمامينها، واستقبال المعلومات دون استيعابها، فيتحوَّلون بذلك إلى أواني فارغة يصب فيها المُعلِّم كلماته.
7-الإشراف التربوي:
مفهوم الإشراف التربوي لا يزال تقليديا يأخذ شكل التفتيش والمساءلة والمفاجأة، الأمر الذي يجعل المُعلِّمين في حالة من توتر مستمر من المشرفين الذين عوضاً من أن يكونوا مصدر مساعدة وعون للمُعلِّمين، أصبحوا مصدر قلق وخوف منهم، لعدم إدراك الكثير منهم لمسؤولياتهم وطبيعة رسالتهم وللأسس والأساليب الحديثة التي ينبغي أن يمارسوا مهنتهم على ضوئها.
8-:الإنفاق على التعليم:
من التحديات الكبيرة التي تعترض سبيل التعليم بمختلف أنماطه هي إيجاد مصادر تمويل المتناقصة، ففي فترة الثبعينات تكفلت الحكومة بالصرف على التعليم، أما اليوم وبفعل عوامل وظروف مُتعدِّدة فلم تعد الحكومة قادرة على ذلك بما فيه الكفاية، وهنا يظهر التحدي الكبير: من أين ستأتي الحكومة بالأموال اللازمة للوفاء بالإنفاق المتزايد على التعليم؟
9-خلل في العلاقة بين التعليم والتنمية:
ويتمثل هذا الخلل في غياب التنسيق والتكامل بين مُتطلَّبات التنمية المعاصرة، ونوعيَّة التعليم في المدرسة، ولعل هذا الخلل هو إحدى أسباب رفع مُعدَّلات البطالة وتدني الرواتب، فالخطط التعليميَّة لا تأخذ في الحسبان طبيعة التنمية وتطورات سوق العمل.
10- ضعف قدرات المعلِّم مقارنة مع قرينه في الدول المتقدمة، وما يسببه ذلك من إنخفاض أجور المعلمين.
من المشاكل الكبرى المسؤولة عن تدني التعليم هو عدم إعطاء الاهمية للمعلِم والمعلِمة عن طريق تمهين مهنة التعليم حتى تصبح مهنة رفيعة المستوى تماثل المهن الرفيعة الاخرى، ذلك يتطلب إختيار أحسن الطلبة الحائزين على أعلى الدرجات، ثم اجراء مقابلات شخصية مع كل طالب من قبل لجان متخصصة لاختبار قدراتهم الشخصية والنفسية، وعلى مدى إمتلاكهم لمهارات التواصل والتخاطب، والتعامل مع ا عزيز الصغير في المدرسة وغيرها من المتطلبات الأساسية، ووضع الحدود الزمنية الأدنى للدراسة الجامعية لمعلم المستقبل "4-6" سنوات حسب الفرع الذي سوف يختاره:" الروضة، الابتدائية، المتوسطة والإعدادية وتعريضهم في الجامعة إلى دروس في علمي النفس والاجتماع
11-العنف في المدارس:
يتردد كثيرًا موضوع استعمال العنف في المدارس على الأقل في جانبه اللفظي والمعنوي. إذا كان ذلك صحيحا، فمن المؤسف أن يجد الطالب العنف في المكان الذي يتعلم منه، ومن مدرسيه الذين من المفترض أن يكونوا قدواته ومثله الأعلى، وينتج عن ذلك شعور لدى الطلبه يؤدي إلى كره التعليم، وبناء شخصيات مشوهة، تصبح ناقمة على المجتمع الذي يعيش فيه.
12-غياب الإدارات الناجحة:
يفتقد التعليم إلى إدارات تنجح في توظيف المؤهلين والمتخصصين، وتوجيه الآخرين إلى تدريب العاملين على كيفية التخطيط والتنظيم والادارة والتعامل مع الطلبة وتسيير عملية التعليم بشكل ايجابي ناجح.
13-عدم وجود استراتيجية وخطط عمل لتنفيذ التوصيات:
من كل التوصيات آلتي تم اخذها لتحسين المستويات التعليمية للوصول إلى اهدافها، غابت الاستراتيجيات وخطط العمل لتنفيذها، الأمر الذي أدى إلى ضياع أهداف التعليم بين الطالب والمدير والمعلم، وضاعت معها نجاح العملية التعليمية، فغياب تنفيذ الاهداف أدت إلى غياب خطة محددة يتعارف عليها الجميع ويسعى إلى تحقيقها، بل سارت الأمور بعشوائية.
الخلاصة:هذه بعض من التحديات وتحتاج إلى التفات الحكومة اليها بشكل عاجل، ووضع برامج وسياسات جادة ورصينة لتطوير العملية التعليمية برمتها، وإلا فإن التحديات في قادم الأعوام سوف تصبح أعمق وأكثر تعقيدا.