بقلم: علي المطاعني
في الوقت الذي جاءت فيه الأوامر السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - للمجلس الأعلى للقضاء وبالتنسيق مع وزارة المالية بتسديد ديون 1.169 من رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بحوالي مليوني ريال ، وإلغاء أوامر الحبس ورفع كافة الحجوزات عليهم، إلا أن مثل هذه اللفتة لا يجب أن تستغل من البعض بشكل مغاير لأهدافها وللآليات التي اتبعت للحصول عليها من خلال محاولة الإلتفاف عليها بدواعي الخسائرفي مجالات التجارة تارة وإثارة موضوعات عامة تعالج كغيرها من القضايا الإقتصادية في العالم تارة اخرى، وتاجيج الرأي العام بدون رؤية واضحة وهدف محدد يمكن الوقوف عليه أو معالجته بموضوعية وحكمة.
فلا يمكن أن نسقط أي قضايا أو مشكلات ناتجة عن تصرفات وممارسات شخصية أو فردية في عالم المال والأعمال ونبلورها بأنها قضايا عامة يتم التعاطي معها عبر التجمهر والإعتصامات، فهذه الأمور ليس لها مكان في العالم أصلا، لابتزاز الحكومة بحل مشكلاتنا الشخصية الناتجة عن ممارسات خاطئة.
فعندما يخسر تاجر وهذا أمر طبيعي في هذا الضرب من الأعمال يطلب من الدولة أو الحكومة أن تحل مشكلاته الخاصة، فهذا ليس منطقا يمكن الإعتداد به مهما بلغت المطالبات والخسائر، ففي عالم التجارة هناك إحتمال الربح كأمر طبيعي ومستهدف منذ البدء، وهناك إحتمال الخسارة وهذا إحتمال قائم كذلك يضعه التاجر في حساباته عند الإنطلاق في مشروعه، والقاعدة الذهبية في هذا الحقل والمعروفة للجميع تنص على إنه (إذا لم يخسر التاجر فلن يربح)، على ذلك يتطلب أن نفرق بين القضايا العامة والخاصة، وطرق المعالجة يجب أن تسلك القنوات المعروفة أو المحاكم إذا إرتأت الدولة أن هناك قضية عامة تتطلب التدخل فسوف تتدخل لحماية شرائح رواد الأعمال مثلما تدخل جلالته حفظه الله ووجه بإسقاط الديون وتحمل الحكومة قيمتها وإلغاء أحكام السجن.
بلاشك أن الخطط والبرامج الهادفة لتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البلاد ماضية في طريقها الصحيح وفقا لمحاور عدة لا يجب أن نعدل مسارها لنوجهها رغما عنها لمعالجة أخطاءنا الشخصية مثل التسبب في الخسائر أو إستلام القروض من البنوك بدون دراسات كافية في كيفية وسلامة إنفاقها وفي كيفية سدادها أو أي تخبط إداري غير مدروس بدقة إلى غير ذلك من إجراءات خاطئة ينتج عنها كأمر طبيعي تدهور الشركة وتحمل صاحبها تبعات ذلك كأمر منطقي أيضا.
فهذه المسلمات يجب أن نعيها تماما وقبل إرتياد بحار التجارة بأمواجها المتلاطمة والقادرة على إبتلاع أضخم السفن إن لم يحسن قبطانها القيادة أو لم يدرس بدقة تقلبات الجو وقوة الرياح وإرتفاع الأمواج، وبالتالي لايمكن للدول والحكومات أن تتدخل في هذا الأمر وهي بمثابة قرارات شخصية تجارية يتخذها رب العمل وبإرادته الحرة وبغير تأثير من أي طرف آخر.
فاليوم وفي كل دول العالم في أوروبا وأميركا وأسيا وكل قارات العالم نسمع عن شركات جديدة وفي كل مجالات التجارة خصوصا الإلكترونيات والكهربائيات وتكنولوجيا المعلومات وبما تشمله من هواتف ذكية وغير ذكية وحواسيب وأجهزة دقيقة، وفي ذات الوقت نسمع عن إنهيار شركات أخرى وخروجها من السوق بنحو نهائي لفشل إدراتها في إتخاذ القرارات الصحيحة وفي الوقت الصحيح، فعالم التجارة لارحمة فيه، فموت الفجأة فيه شائع ويعد أمر طبيعيا.
ان محاولات كسب تعاطف المجتمع لخسارة شركة ما، ثم يخرج ربانها وقائد سفينتها بعد فشلة في القيادة وسط الأمواج وبعد أصطدام سفينته بجبل ثلجي كما حدث مع التيتانيك الشهيرة ليسجل مقطعا صوتيا أو فيديو ينعى فيه للناس عبر صوت متهدج ودموع ثقال غرق سفينته بغتة وبما فيها من أحمال وأثقال هي كل حاله ورأس ماله، ويطلب من الجميع الإصطفاف حوله ودعمه ومشاطرته الأتراح والأحزان.
ما يحدث يعد سلوكا مرفوضا جملة وتفصيلا، ولا ينبغي أن يخرج للعامة بهدف إثارة الرأي العام، فإذا كان هناك شخص ما خسر أمواله أو غرقت سفينته التجارية التي كان يقودها بنفسه فهناك قوانين خاصة بإشهار الإفلاس يمكن الركون والعودة إليها والتمترس عندها.
فلا يعقل أن تقوم الحكومة بمعالجة مشكلة كل تاجر خسر أو أغلق مؤسسته لتغدو الحكومة ملزمة بإنتشال سفينته الغارقة وإعادته لتجارته مبتسما ضاحكا، فهناك آلاف من التجار يغادرون الساحة مخلفين وراءهم خسائر وملاحقين في قضايا بالمحاكم لم يهرعوا للوسائط لعرض مشكلاتهم وتوسلاتهم الخاصة، بل على العكس كانوا رجالا وشجعانا بحق فقد واجهوا الواقع بكل تحدياته وتجلياته المريرة وتحملوا ضريبة أخطاءهم بكل شجاعة وعزيمة وإصرار ليعودوا بعد ذلك للساحة من جديد وهم أكثر قوة وشكيمة بعد أن إستفادوا من تلك الأخطاء وبالتأكيد لن تتكرر تلك العثرات بعد أن عهدوا مرارتها وقسوتها.
بالطبع التحديات كثيرة وبعضها نتيجة لتداعيات الأزمات الاقتصادية والصحية، وهذه طبيعية الكل اكتوى بها وبذلت الحكومة جهودا جبارة لتلافيها والتخفيف من وطئتها على القطاع الخاص ورواد الأعمال لكن ليس بالضرورة أن تحل مشكلة كل تاجر ورائد عمل.
نأمل أن نكون أكثر واقعية في التعاطي مع الواقع ولا نصدر مشكلاتنا للآخرين ونتحمل اخطاءنا مهما كانت ك "رجال" وبإعتبار أن المواجهة والصلابة والقوة والشكيمة هي العوامل الأحق بالإتباع والإحترام لبناء الذات والوطن.