المتفلسفون البسطاء

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٨/أغسطس/٢٠٢٢ ٠٩:٠٠ ص
المتفلسفون البسطاء

بقلم : محمد بن علي البلوشي

ذهبت إلى أحد مراكز التسوق لشراء بعض الأغراض الضرورية والأساسية للمنزل..في الغالب أحدد المشتريات وأسعارها دون التجول على الرفوف لملء سلة التسوق بالضروري وغير الضروري..الكماليات ليس لها الأولوية ولا ألتفت لها..لأنها تبدد المال كشراء غرض معين بينما يوجد ذلك الغرض في المنزل ويمكن استخدامه لشهور عدة أكثر كصحون الأكل..الوقت يقول لنا هذه الأيام احتفظ بأموالك فالعالم يحترق بالتضخم والغلاء ينتشر كالحرائق في الغابات..وكما يقول المثل العربي ادخر قرشك الأبيض ليومك الأسود..واللهم لا تعيد الأيام السوداء علينا وإن عادت فخفف من وطأتها.

أغلب المتسوقين في المركز من المقيمين بحيث لا تجد موطئ قدم لعربة التسوق وذلك طبيعي فالأجور في القطاع الخاص نزلت للموظفين وأغلبهم من المقيمين أو ممن يمتلكون أعمالًا حرة وأصحاب أنشطة تجارية فردية.. كما أنفق الموظفون الحكوميون العمانيون رواتبهم في الأيام التالية من نزولها ويتضح ذلك في العربات الممتلئة بالبضائع وأغراض المنزل بحيث تفوق مساحة عربة التسوق..وكالعادة فإن الطلب على المطاعم والمقاهي لا يتوقف سواء عند نزول الرواتب أو في الأوقات الأخرى..تشتري الناس من المطاعم لتغيير الطعام أو التكاسل عن الطبخ في المنزل أو للترفيه..تصطف طوابير السيارات أمام المطاعم عرضًا وطولًا لتلقي طلباتهم..وقد يستغرق الوقت ربع ساعة حتى يحين موعد تسلم طلبك وهو ذات الأمر على محلات المقاهي والأكلات السريعة والعصائر.

محلات كي الملابس تمتلئ بملابس العمانيين من الدشاديش إلى الإزار ومراتب الأسرة وغيرها وهي التي يمكن غسيلها في المنزل حيث يوجد لدى الأغلبية عاملات منازل يقمن بعملية الغسيل والكي اليومي أو الأسبوعي..لكن القدرة على دفع المبالغ لمحل كي الملابس سيخفف من الضغط على عاملة المنزل. هل يمكن أن تبور محلات العطور..لنأخذ جولة في الأسواق المحيطة بنا لنرى إن كانت محلات العطور قد أغلقت..من النادر إغلاقها وهو ما يشير إلى حركة بيع مستمرة وتستطيع أن تسدد الإيجارات وفواتير الكهرباء وكذلك أن تجدد الرسوم المستحقة على العمال للجهات الحكومية من البلدية إلى العمل إلى الشرطة واخره..ودفع أجورهم وتحويل اموال للخارج..معظم هذه المحلات الزبائن العمانيين ذكورًا وإناثًا هم عمودها الفقري.

رفع الطيران العماني عدد رحلاته إلى طرابزون التركية لتلبية العدد المتصاعد من الراغبين للسفر هم وعائلاتهم إلى هذه المدينة الجميلة. معظم شاغري المقاعد إلى المدينة هم العائلات العمانية التي فضلت السفر إلى الخارج وهم من الميسورين ومن الطبقة المتوسطة لكنهم ادخروا جزءًا من إيراداتهم المالية وخططوا للسفر بصورة جيدة..وأعرف الكثيرين ممن ذهبوا إلى مدينة صلالة وقضوا أيامًا رائعة في الخريف وأغلبية الزوار هم من العمانيين ثم الخليجيين..كل هذه القصص التي طرحتها لكم ترتبط بالقدرة على الإنفاق وشراء الترفيه والخدمات وتقديم الضروريات والأولويات على الأشياء غير الضرورية. الحركة أمام المطاعم والمقاهي ومحلات كي الملابس والعطور والترفيه -السفر الداخلي والخارجي-تقدم إجابات على أحاديث سطحية ساذجة. باسم القوة أو القدرة الشرائية. هذه مواعظ لاتستحق الالتفات لها بالرغم من ان العامة تتدغدغ مشاعرهم حينما يأتي ذكر المال وزيادة الرواتب.

كل تلك الأمثلة التي طرحتها تظهر قدرة الناس على الإنفاق والترفيه وهي امثلة بسيطة فقط فهناك عشرات الأمثلة يمكن أن أسوقها إليكم. ثم يأتي بعض البلهاء ممن يبثون المواعظ على البسطاء ويحفظون الكلمات ليتحدثوا عن الاقتصاد..لم يبق أحد إلا وحفظ القدرة أو القوة الشرائية ليتحول إلى محلل اقتصادي. حسنًا ماهو الحل؟..أن تتبرع الدولة برفع الرواتب..أكثر المخططين الاقتصاديين والعقلاء في الحكومات لا يفكرون بالطريقة التي يريدها الناس وهي زيادة المعاشات أو الرواتب فتلك أشبه بعملية انتحارية للاقتصاد..مطالبة الدولة برفع رواتب موظفيها سينجم عنه عملية تضخم أكبر حيث ترتفع الأسعار وترتفع أسعار الخدمات. هذا كمن تقول له الحكومة تفضل إلى الحديقة ثم في نهاية الحديقة حفرة شبه كبيرة لم يرها فسقط فيها أو كمن يلف رقبته حول حبل المشنقة وهو الغلاء وارتفاع التضخم.

بينما لا تزال الشركات متعثرة نوعًا ما وتعاني من تداعيات الجائحة ولاتستطيع أن تدفع الرواتب لعمالها وموظفيها ولنقل على الأقل المواطنين ناهيك عن زيادتها سوف يتحملون تداعيات قصة رفع الرواتب الحكومية..هذا امر لايحل برفع الرواتب بل بالإجراءات لمحاصرة الحرائق الاقتصادية..كحماية الطبقات المتضررة وتوفير الحماية الاجتماعية لها ومحاربة الجشع ورفع الأسعار غير المبرر..وكذلك تعزيز دور القطاع الخاص وتنشيطه فهو المحرك للاقتصاد والتشغيل والذي سيزيل العبء الأكبر عن الحكومة في أزمة التشغيل..بدلًا من أن تلتفت الحكومة إلى مطالب زيادة الرواتب عليها ان تلتفت إلى القطاع الخاص بقوة إن كانت تبحث عن بناء اقتصاد قوي يستوعب ويضم الخريجين والخريجات سنويًا وإلا فإنها ستغرق في مطالب الرواتب والتوظيف الوهمي.. وكأنك يا بو زيد ما غزيت.