عمانية تعلم البريطانيين «الإنجليزية» في المدارس الإنجليزية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٨/أغسطس/٢٠٢٢ ٠٨:٥٧ ص
عمانية تعلم البريطانيين «الإنجليزية» في المدارس الإنجليزية

بقلم: علي المطاعني

هل تتصور أن معلمة عُمانية تدرس اللغة الإنجليزية للبريطانيين في مقاطعة أسكتلندا، وهي اللغة الأولى الأوسع انتشارا في العالم، والتي على أساسها يطلق على المملكة المتحدة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لاتساع نفوذها في قارات العالم؛ بل هي مؤسسة منظومة دول الكومنولث مترامية الأطراف.

فإذا كنا نصدق بأن معلما يدرس مواد العلوم كالفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضيات أو اللغة العربية وغيرها من العلوم في بريطانيا كغيرها من دول العالم فذلك أمر يعتمد على عبقرية واجتهاد ذلك الشخص في هذه العلوم، وهو أمر يمكن قبوله والتسليم به فلكل مجتهد نصيب؛ غير أن المذهل هنا هو أن القليل يصدق بأحدوثة أن شخصا غير بريطاني يدرس الإنجليزية لبريطانيين في إحدى مدن مقاطعة أسكتلندا وفي إحدى مدارسها في الريف الأسكتلندي.

هذا الأمر غير المسبوق والذي لا يصدق من الوهلة الأولى هو تماما ما حققته الطالبة العُمانية المجتهدة سالمة المطاعنية بعد أن حصلت على شهادة في الأدب الإنجليزي واللغة الإنجليزية من جامعة ليدز بالمملكة المتحدة، ومن بعدها شهادة التأهيل التربوي من جامعة ستراكلايد في جلاسكو.

الأمر الذي يبعث على الفخر والاعتزاز بما يحققه أبناؤنا في سبر أغوار اللغة الإنجليزية بل وتدريسها لأبنائهم..

لنا أن نتصور بأن هناك معلما إنجليزيا جاء لدولة عربية ليعلم طلابها اللغة العربية، بالطبع في هذه النقطة ستلتقي جميع جيوش الدهشة لتلقي التحية لهذا العبقري؛ وهذا ما حدث بالضبط للعُمانية سالمة حين حطمت كل أوثان المستحيل وبضربة معول واحدة.

سالمة تلقت عرضا ووقعت اتفاقا مع مدرسة إنجليزية في أسكتلندا بعد أن اجتازت مؤهل التأهيل التربوي في بريطانيا، فهي لم تستسلم لليأس أو القنوط القادر على تكبيل أي إرادة هشة، غير أنها وكإحدى الطالبات المبتعثات للتدريس بجامعة عُمان بعد تخرجها بشهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي واللغة الإنجليزية؛ تخلت الإدارة التسييرية للجامعة عن المبتعثين بعد أن تلاشت فكرة قيام جامعة عُمان على ما يبدو في خضم الأزمة الاقتصادية والصحية.

إلا أنها ارتأت مع عائلتها بأن ذلك المطب الهوائي ليس نهاية المطاف في حياتها العلمية والعملية، وأنها قادرة على إثبات العكس، فلم تنتظر أن يأتي الغيث من جامعة عُمان، ولم تركن للإحباط المفضي للجلوس حبيسة بين جدران المنزل في انتظار سراب الوظيفة، بل حزمت حقائبها وتوجهت صوب الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، لتحدث بها ذلك الأمر الجلل بعدئذ.

في بلادها عُمان رفضت المدارس سالمة وفضلت عليها الأجانب الذين ينطقون الإنجليزية بلكنات لا علاقة لها بهذه اللغة، فتخرج الكلمات مهشمة ومحطمة الأضلاع، وبذلك يتعلمها طلابنا؛ والخسائر بعد ذلك فادحة بالطبع.

سالمة عندما كانت في السلطنة كانت في الأصل معلمة لهذه اللغة. والحق يقال أنها كانت باحثة ومجتهدة في معاجمها ولم تستعص عليها كلمة في قواميس أكسفورد ولا كمبردج إلا وأشبعتها دراسة ومعرفة بكل دلالاتها ومعانيها ومترادفاتها، وفي نهاية المطاف أرخت لها هذه اللغة أعنة المستحيل وباتت طوع يدها وبنانها.

إثر ذلك وبعد عدة مقابلات واختبارات الوظيفة فتحت مدارس أسكتلندا لها كل الأبواب.

هذا النجاح الهائل لسالمة يعتبر نجاحا لوطنها ولاسم بلادها (عُمان) وسيضاف هذا الإنجاز لقائمة طلابنا النوابغ والمبدعين الذين سجلوا أسماءهم في سجل العظماء في ما خلف البحار.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن سالمة وبعد أن تخرجت في التأهيل التربوي آلت على نفسها أن تدرس خارج البلاد لتعود وتفيد بعلمها الوطن وطلاب الوطن، إلا أنها وللأسف الشديد اصطدمت بحائط الصد الذي نعرفه ويعرفنا والذي ما فتئ يقف في وجه الطموحات المشروعة لنوابغنا، وإلا كيف ترفض مدارسنا ثنائية اللغة تعيين خريجة تأهيل تربوي بعد التخرج بامتياز في البكالوريوس؛ في حين تستجلب جهارا نهارا مدرسين أجانب لا يعرفون التفريق بين الـ C والـ K أحيانا..!!

بالطبع التحديات التي تقف أمام المثابرين والنوابغ من أبنائنا والكادحين في التحصيل العلمي تسجل كل يوم مآسي جديدة للأسف وأمام مرآى الجميع، وبدون أن تحرك جهة ما طاقاتها وخيلها ورجلها لإيقاف هذا الهدر القاسي لمواردنا البشرية التي لا تقدر بثمن.

نأمل أن يتم الأهتمام بمثل هذه الطاقات المبدعة التي تبرز خارج بلادها والتي تتم محاربتها في وطنها بتقديم الأجانب عليها، فهذه القضية لا ينبغي أن تمر مرور الكرام في إطار الحقيقة القائلة بأننا نبحث عن الكفاءات، وكفاءاتنا في إنجلترا تبدع هناك، ويصفق لها الإنجليز حبا وإعزازا.