بقلم: علي المطاعني
ينتقد الكثيرين وزارة التراث والسياحة، بشأن عدم وجود مشروعات بنى أساسية وخدمات سياحية وغيرها من اللوائم واتهامات بالتقصير في هذا الإطار. ولعل هؤلاء اللائمين لا يعرفون الكثير عن ماهية قطاع السياحة وصلاحياته ومسؤولياته والإمكانيات التي لديه، الأمر الذي وجب علينا أن نوضحه لتلك الشريحة، بالإضافة إلى عمل الوزارة كمنظومة حكومية وأولوياتها من تنفيذ مشاريع مهمة وأقل أهمية في قطاعات التنموية. حتى أنها تبحث عن مدى استفادة شرائح أوسع من الخدمات متى توفرت.
وعليه فلابد من الرجوع إلى نقطة البداية والتساؤل حول مسؤولية الاستثمار في القطاع السياحي هل هو ضمن مسؤوليات الحكومة أم القطاع الخاص؟ ومدى الجدوى منه في نظر المستثمرين وسط تنافس القطاعات الاقتصادية وغيرها من الأمور التي لا تزال تسبب التباس الكثيرين الذين يصدرون أحكاما مؤلمة بدون مقاربتها مع الواقع ومحاكاتها مع كثير من ما تحقق على أرض الواقع مما يضع القطاع السياحي برمته في دائرة الاتهام بدون ذنب!.
يجب أن نعلم جميعا أن السياحة ماهي غلا خدمات تنموية، اقتصادية متكاملة متى توافرت البنية الأساسية في تلك المواقع السياحية أو ماجاورها، حيث يجب موائمتها مع المقومات السياحية الطبيعية والحضارية، وهنا يجب أن نقف ونراجع أنفسنا، هل وزارة التراث والسياحة مسؤولة عن توافر البنية الأساسية في المواقع السياحية؟، مثالا هل الوزارة مسؤولة عن الطرق إذا لم تصل إلى المواقع السياحية، والكهرباء إذا لم تنير الأماكن الجذابة، وشبكة الهاتف إذا لم تصل ذبذباتها، وقيس على ذلك كل الخدمات.
وعلى الصعيد الأخر هل لدى الجهات الحكومية المنفذة والمسؤولة عن توفير تلك الخدمات، الأولويات في أن تصل تلك الخدمات لمكان سياحي أي كان موقعه ويزوره عدد من السياح لفترة من العام ام لمناطق مؤهلة بالسكان وبحاجة لخدمات أساسية على مدار العام، فهل هذه الجهة أو تلك الجهة اعتمدت لها موازنات من الحكومة، لكي تقوم بإنشاء مشروعات خدمية في أماكن سياحية، أم أنها تنتظر كغيرها من الجهات وعليها أن تقدم كل المسوغات والمبررات لإقناع الحكومة بمتطلباتها، وفي المقابل الحكومة لديها أولويات أكبر كالصحة والتعليم والإنفاق عليها أكثر من إيصال خدمة لمنطقة سياحية فكل هذه الدوائر المتكاملة واختصاتصها واولوياتها هي من تصنع السياحة من عدمه.
وفي نفس الوقت يجب أن نكون منصفين بشأن أن السياحة حاضرة في أجندة الحكومة لكن هناك أولويات أهم تحرص عليها الحكومة، فلا يمكن أن تتقدم أولويات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، لا أحد منا يرضى أن نطور بنية سياحية على حساب بنية التعليم كالمدارس والمستشفيات لإرضاء فئة من الناس لوقت محدود.
لذا يجب أن نضع كل شئ في محله، فوزارة التراث والسياحة ليست المسؤولة عن انشاء فنادق وشاليهات ومحلات تسوق وغيره، مما يتطلبه رواج للسياحة في سلطنة عمان وهي ليست معنية بتوفير خدمات ترفيه وتسلية لزائر السلطنة، بل هي مسؤولية القطاع الخاص، الذي لايهمه سوى الجدوى الاقتصادية من اقامة تلك المشاريع السياحية وتوافر ما يسيل لعاب شركات الاستثمار في القطاع السياحي. كما أن مجتمعنا مازال محافظا لا يتقبل السياحة على علاتها بل الكثير مازال غير مرحب بالسياحة من التيارات المتشددة في البلاد،
إن وزارة التراث والسياحة ما هي الا جهة تشريعية وتنظيمية وترويجية، وتعمل في هذا الإطار بكل إمكانياتها وقدراتها لكنها في إطار محدود وفق الإمكانيات المتوفرة لا يمكن أن تلزم شركة بالاستثمار في القطاع السياحي أو تلزم رجل أعمال بإنشاء فندق أو استراحة، ولا يمكن أن تنمي مكان سياحي بدون توفير إمكانيات، هذا ليس ضمن اختصاصها وقد أشرت في مقال سابق نشر في عام 2017 تحت عنوان (قطاع السياحة منظومة متكاملة)، الى أن النهوض بالسياحة في أي دولة ما هو الا عملية تكاملية بين العديد من الجهات المدنية والأمنية، ويتواصل مردودها الاقتصادي والاجتماعي كلما تكاتفت تلك الجهات ذات العلاقة في تفعيل هذا القطاع والعكس صحيح.
وهناك متغير آخر البعض لا يدركه، وهو أن الاستثمار في القطاع السياحي هو طويل المدى وكذلك الكلفة التشغيلية عالية خاصة للمشروعات الكبيرة فضلا عن حساسية قطاع السياحة وتأثره باي مستجدات وظروف وطورائ، فالاستثمار السياحي يحتاج وقت طويل لاسترجاع قيمة الاستثمار والعائد عليه ضعيف بالمقارنة مع غيره من الاستثمارات المجدية مثل العقارات وتجارة التجزئة، ولذلك فإن رجال الأعمال في البلاد لديهم خيارات أفضل للاستثمار، فضلا عن التكاليف التشغيلة الجارية عالية مثل الأجور والخدمات المصاحبة.
ومع ذلك فإن الجهود ماضية في البلاد وهناك تطورات وخدمات ايوائية بالوجهات السياحية وخيارات كثيرة ترفد المقومات السياحية، لكنها تمشي بالتدريج وفق التطورات الأخرى المتمثلة بالجدوى الاقتصادية للمشروعات السياحية وتدفق الزوار وقابلية المجتمع العماني وتفتحه على العالم وجاهزيته أكثر للانفتاح السياحي. ودعنا لا نقع في فخ المقارنات مع بعض الدول سواء المجاورة أو غيرها، فكل دولة لها ظروفها وهناك الكثير من الاعتبارات الأخرى. وقد كلفت حكومتنا الموقرة، مجموعة عمران بالاستمثار في القطاع السياحي في البلاد والدخول في شراكات مع شركات دولية ومستثمرين بهدف زيادة الخدمات السياحية الايوايية.
نأمل أن نتفهم الدواعي السياحية ومتطلباتها والعوامل التي تصنعها والمستجدات والمتغيرات ودعنا لا نكيل التهم واللوائم على جهات تعمل وفق منظومة حكومية متكاملة يجب أن تتحرك معا ومنظومة اقتصادية يجب أن تتهيأ لها كل عوامل الجدوى، فلا يمكن للحكومة تتمسك بجانب وتترك الأخر، علينا أن لا نتعجل ونطالب بتغيرات شاملة في السياحة فجميعها منظومة متكاملة، تحتاج العمل معا على صناعتها من الفرد إلى المجتمع إلى الشركات ووصولا إلى رجال الأعمال وانتهاء بنظرة الدولة.