بقلم : محمد محمود عثمان
تلعب السفارات دوراً مهماً وأساسياً في تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية وتعمل على زيادة حجم المشاريع الاستثمارية وحجم التبادل التجاري كما أن للسفارات دوراً مهماً في خدمة مواطني الدولة التابعة لها، ومساعدتهم في تسهيل أعمالهم والدفاع عن حقوقهم، إلى جانب تيسير إجراءات الإقامة والسفر لرعاياها، بالإضافة إلى دور القنصليات في حل كافة النزاعات القانونية وضمان المحاكمة العادلة للمخالفين من مواطنيها، وهذا هو التوصيف العام لأهم المسؤوليات التقليدية للسفارات والقنصليات في الخارج، وهى معلومة بالضرورة، إلا أن المتغيرات الجيوساسية والاقتصادية في السنوات الأخيرة، تفرض واقعا جديدا، وهو جعل الدبلوماسية الاقتصادية من الأركان الأساسية لعمل السفارات، واعتبارها مركزا دائما لجذب الاستثمارات والترويج للصادرات، بما لديها من أعضاء في السلك الدبلوماسي والقنصلي والتمثيل التجاري إذا وجد، والا تعتبر وزارات الخاريجة ذلك عملا إضافيا على السفارات، وأن يكون ذلك من عناصر تقييم كفاية الأداء، حيث تتحمل ميزانيات الدول نفقات باهظة من أجور ومرتبات وإيجارات ومميزات وبدلات لتيسير أداء عملها بالخارج، ومن ثم لا تغلق السفارات الأبواب على نفسها أوتنعزل عن الآخرين، لأنه من الضروري تكثيف الجهود في الدول المضيفة لتحفيز وتعزيز العلاقات السياحية والاقتصادية، وفتح المزيد من الأسواق أمام المنتجات الوطنية لمضاعفة الصادرات، والبحث عن فرص العمل، وعلى السفارات أن تقدم كشف حساب سنوى بهذه الإنجازات يدرج في التقارير السنوية لوزارات الخارجية لمناقشتها في البرلمان ومن هنا نسأل هل تطورأداء السفارات وفقا للاحتياجات الآنية؟ ومتى نطور التشريعات حتى تتواكب مع المستجدات ولا تعوق حركة السفارات أو تغل يدها عن تقديم المساعدات والتسهيلات لرعاياها؟ وقد رأيت نموذجا جيدا بالسفارة العمانية بالقاهرة التي بذلت جهدا كبيرا خلال الفترة الفائتة في تنظيم لقاءات رجال الأعمال العمانيين مع المسؤولين المصريين والبحث عن الاستثمارات وتوقيع مذكرات التفاهم والاتفاقيات مع الثنائية بعض الدول وهي من النماذج الجيدة في الأداء السياسي والقنصلي بإدارة السفير عبد الله الرحبي من خلال خبراته السابقة بالعمل في الصحافة والإعلام وأيضا هناك بعض السفارات تعي دورها تماما من خلال القدرات والإمكانيات التي تميزشخصية كل سفيرعن غيره ومدى مشاركته لرعايا دولته في أنشطتهم وتواجده في قلب الأحداث باعتباره المسؤول الأول وممثل دولته في البلد المضيف، وقد شاهدت ذلك في السفارة المصرية بمسقط أثناء أزمة كورونا من عام 2019وفي عامي 2020 و2021وما قدمته - للعالقين والقادمين للسياحة من المصريين والمصريات - والمشاكل المرتبطة بهن والإساءة إلى سمعة مصر - أثناء غلق المطارات، بتدخلات مباشرة من السفيرالسابق - النشيط - محمد غنيم وبمشاركة فاعلة من نادي الجالية المصرية بمسقط أما في مجال الخدمات القنصلية فحدث ولا حرج عن ارتفاع رسوم الخدمات والمبالغة فيها بلا مبرر- وإن كانت ليست مسؤولية السفارات أو وزارة الخارجية بمفردها - خاصة عندما نجد مشاكل بالجملة لمواطنين مصريين لازالوا يعانون من تداعيات أزمة كرورنا التى تم ترحيلها لتضاف إلى أزمات أوكرانيا، بعد فصلهم من العمل، وبعضهم يحتاج فقط إلى تمديد صلاحية جواز السفر للحصول على تأشيرة الإقامة، ولكن طرحت السفارة شعار»تدفع أو ترجع «وقد أزعجنى هذا الطرح الذي يفرض على المواطن أمرين كلاهما مرالأول: إذا أراد تمديد جواز سفره المنتهي أن يسدد أولا رسوم إصدار جواز السفر الجديد المبالغ فيها والتي قد لا يملكها - والتي تستغرق إجراءاته أكثرمن ثلاثة أشهر في حين لم يستغرق ذلك عشرة أيام في السفارات الأخرى - والثاني: أن يعود إلى مصرنهائيا، وهو أمر سلبي للغاية، حيث يفقد وظيفته والدخل من العملة الصعبة الذي تحتاجها مصر وتُعول عليها اقتصاديا، خاصة أنه ليس كل العاملين بالخارج لديهم إمكانيات مادية بعد تسريح الكثير منهم، وإلغاء الوظائف وتوطين الكثير من المهن، وقد ساعدت بعضهم في تسديد رسوم جواز السفر وتذكرة الطيران لمعرفتي بظروفهم المادية ولا سيما أن الدولة تهتم بزيادة تحويلات المصريين بالخارج التي تعد عنصرا هاما ومؤثرا في إيرادات ميزانية الدولة، لذلك من الضروري القضاء على التناقضات بين توجهات الدولة والتعليمات الوزارية التي تلتزم بها السفارات المصرية، وأن تكون القوانين للتسهيل وليس للتعسير، حتى لا تصبح السفارات وسيلة لجباية الأموال، بعد مضاعفة الرسوم القنصلية، بدون مراعاة للظروف الاقتصادية العالمية، ، وقد حاولت شخصيا اقناع بعض المسؤولين بالسفارة بالمرونة وبمراعاة هذه الظروف الصعبة للتغلب على المشكلة، ولكن خلال مناقشتهم تلقيت ردا مستفيضا ومهذبا أيضا بأن هذه تعليمات وزارتي المالية والداخلية- التي يجب نشرها - والتي تحدد الرسوم وتمنع تمديد جوازات السفر المنتهية، وأن مخالفتها يعرضهم للمساءلة - وإن كنت على يقين بوجود استثناءات وقلت على مضض إذا كان ذلك قانونا فلا بأس، مع أن هذا يتناقض مع ضرورة التسهيلات التي يجب أن تقدمها الحكومة لمساعدة أبنائها في الخارج لزيادة إيراداتها في الداخل، لأنه استثمار للموارد البشرية المصرية، وهو أمر غريب حقا يستوجب التنسيق السريع بين وزارات الهجرة والخارجية والداخلية والمالية للتغلب على هذه الاشكاليات وتسود فلسفة التسهيلات لا الجبايات، لتحقيق مصلحة الوطن والمواطن وحتى لا نكون بذلك مثل الدبة التي تقتل صاحبها أو من يذبح الدجاجة التي تبيض له ذهبا.