بقلم: مرتضى بن حسن بن علي
مع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها السادس، يتحدث المراقبون والصحف الغربية -“فورين بوليسي” مثلا- عن أنَّ غالبية الناخبين الأوروبيين يؤيدون الحل الدبلوماسي، كما ترتفع نسبة الأمريكيين المعارضين للحرب، ويقوم عدد متزايد منهم بتحميل الرئيس بايدن مسؤولية اندلاعها بسعيه لتوسيع حلف الناتو -كما أفادت مجلة “نيوزويك” الأمريكية- بأن التعب والقلق يتناميان لدى الشعوب الغربية، مع ارتداد آثار العقوبات المفروضة على روسيا عليهم، والتي أدت إلى التضخم المتصاعد، وأن حالة عدم الاستقرار السياسي في تصاعد؛ حيث استقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ثم أعقب ذلك استقالة رئيس وزراء إيطاليا بسبب سحب الوزراء المنتمين لأحزاب متعاطفة مع روسيا تأييدهم لرئيس الوزراء. وتخشى “كييف” أن يحدث ذلك لعدد آخر من البلدان الأخرى، والتي قد تضطر لوقف أو تخفيف المساعدات المالية والعسكرية المقدمة لأوكرانيا.
يعتقد بعض المراقبين أن يضطر المستشار الألماني إلى تقديم استقالته بسبب الضغوطات التي يتعرض لها داخل الحكومة الائتلافية، وبمجرد أن تبدأ أزمة حكومية في ألمانيا، ستبدأ معركة معقدة بين شمال أوروبا وجنوبها عن الجهة المسؤولة بتحديد السياسة المالية حسب بعض المراقبين، وقد تُرغم الضغوط على الحكومة اليونانية لتقديم استقالتها. تتعارض مصالح شمال وجنوب أوروبا؛ حيث تصر ألمانيا على ضرورة قيام البنك المركزي الاوروبي بوقف التيسير الكمي لليورو ورفع سعر فائدته؛ الأمر الذي قد يؤدي لتعرض إيطاليا واليونان إلى اضطرابات مالية قوية، ويصر الجنوب على الاستمرار في طباعة النقود على الرغم من أنَّ العملية ستؤدي لمزيد من التضخم، وسوف يكون صعبا إيجاد حل لهذا التناقض، وحدة الإتحاد الأوروبي سوف تواجه خطر الانهيار.
من جهتها، توقعت مجلة “الإيكونوميست” البريطانية أن تقطع الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية عن نظام زيلينسكي بسبب المشكلات الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، كما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”عن صعوبة قيام المسؤولين الأمريكيين بتبرير المساعدات الضخمة لأوكرانيا للمواطنين الأمريكيين الذين يواجهون صعوبات مالية، وإن الدعم المقدم حاليا هو من أجل إبطاء التقدم الروسي حتى وقت البدء بالمفاوضات، وأنه أمام المشكلات المتعاظمة في أوروبا، قد يضطر القادة الأوروبيون إلى الزحف إلى موسكو لإيجاد حل للحرب.
في ظل هذه الأزمات قد يضطر القادة الأوربيون بالذهاب إلى موسكو لكي لا تقطع روسيا الغاز في الشتاء، فصحيفة “فورين بوليسي”؛ ذكرت عن بدء أمريكا وحُلفائها إجراء مُحادثات سريّة بحثًا عن حَلٍّ دبلوماسيّ للحرب لتقليصِ الخسائر، في الوقت الذي يرفض بوتين أيّ حلٍّ وسط ويصرح بأن: حملة روسيا بدأت بالكاد ويوسع من أهدافه المعلنة سابقا، وتواصل القوات الروسية تقدما مستمرا ولإن كان بطيئا.
إضافة إلى ذلك، ذكرت بعض الصحف الأمريكية والغربية عدم وجود إجماع بين أعضاء الناتو حول كيفية التعامل مع موسكو، وأنَّ “الاتحاد الأوروبي واليابان جيدان في الكلام العلني، ولكن واقعا هما مقيدان باحتياجاتهما من الطاقة”، وأمام هذه الضغوطات والانقسامات، صرح رئيس الحكومة الهنغارية بأنَّ العقوبات الغربية على روسيا لم تنجح، مطالبا باتباع إستراتيجية جديدة تركز على إيجاد حل لوقف الحرب التي لا يمكن كسبها.
ويتفق المراقبون على أنَّ شهية الدب الروسي الجامحة لن تكتفي بما حققته؛ حيث سيعمل الروس على تحويل مناطق شرق وجنوب أوكرانيا التي سيطروا عليها لقاعدة لبسط سيطرتهم على مناطق إستراتيجية أخرى، خاصة في الشريط البحري الجنوبي على البحر الأسود وبحر آزوف؛ منها مدينتا ميكولايف وأوديسا، بما يمكنهم من التحكم في المرافئ الجنوبية التي هي عصب الاقتصاد الأوكراني.
سيطرة الروس على ميناء أوديسا، المهم سوف يجعل جمهورية مولدافيا على احتكاك مباشر مع القوات الروسية؛ وبالتالي مع إقليم ترانسنيستريا التي أعلنت استقلالها من جانب واحد في العام 1992، وتعتبره مولدافيا جزءا لا يتجزأ من أراضيها، وتوجد حامية روسية فيها؛ حيث إنَّ معظم السكان من أصول روسية، ويريدون الالتحاق بروسيا. هذا التطور إذا ما حصل سوف يجعل إقليم “ترانسنيستريا” مرتبطا بريا بروسيا.
معجزة ألمانيا الاقتصادية مُهدَّدة بسبب الحرب؛ فهناك عجز كبير مرتقب في أقوى اقتصاد في أوروبا، والذي قد يُقلب أمور أوروبا كلها رأسا على عقب. هناك قلق حقيقي إن ما تم بناؤه في ألمانيا خلال العقود الثلاثة الماضية بدأ ينهار في 6 أشهر؛ حيث سينخفض الإنتاج الصناعي، ويتراجع الدخل الحقيقي للسكان، وتدخل ألمانيا في أزمة بنيوية، فمن دون وجود بديل للغاز الروسي، فإن أوروبا تخشى أن تتوقف صناعاتها أو تتأثر بشكل كبير.
أوروبا بدأت تشعر بأن نفقات الحرب ونفقات مساعدتها لأكرونيا مكلفة جدا وأصبحت كارثة عليها.
ومن جهة أخرى، فإن فينزولا التي تعرضت لعقوبات ومحاولات أمريكية عديدة لتغيير النظام فيها ومقاطعة نفطها، ومحاولات لتغيير نظامها بالقوة، بدأت تستلم تلميحات أمريكية قوية بأنها سوف ترفع عنها المقاطعة، وتسمح بتصدير نفطها، بل مساعدتها لزيادة إنتاجها من أجل تعويض تداعيات الحظر على النفط الروسي، ففي السياسة ليس هناك أصدقاء ولا أعداء دائمون، فقط هناك مصالح دائمة.
الاتحاد الأوروبي اضطر للضغط على ليتوانيا لرفع الحظر المفروض على نقل البضائع الروسية إلى منطقة كالينينغراد الروسية، بعد التهديدات الروسية بأن ليتوانيا سوف تدفع الثمن غاليا إن لم ترفع الحظر. الولايات المتحدة تخشى أن تفقد زعامتها للنظام العالمي التي تتربع على عرشها، وتنتهي هيمنتها الحالية بعدما لم تفلح بإلحاق الهزيمة بروسيا من خلال العقوبات وانهيار الاعتقاد بأن روسيا ستسحب قواتها نتيجة الانهيار الاقتصادي.
رئيس وزراء البريطاني الأسبق توني بلير، أعلن في محاضرة له في لندن، أنَّ حرب أوكرانيا أظهرت أنَّ هيمنة الغرب تشهد نهايتها في ظل صعود الصين لتكون قوة عظمى بالشراكة مع روسيا، في أوضح نقاط التغير في المشهد العالمي، وأضاف بلير أنَّ العالم في مرحلة تحول في التاريخ يمكن مقارنتها بنهاية الحرب العالمية الثانية أو انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن هذه المرة وبوضوح الغرب ليس في الكفة الراجحة، وأضاف بلير: “نحن نشهد نهاية الهيمنة السياسية والاقتصادية الغربية”، وأن العالم سيصبح ثنائي القطب على الأقل أو متعدد الأقطاب.
وخلال اجتماع زعماء الدول الصناعية السبع بتاريخ 27 من يونيو الماضي في ألمانيا، فإنَّ التحديات التي واجهت الزعماء المجتمعين، لم تكن مثل تلك التي كانت أمامهم عندما التقوا في نفس الفترة من العام الماضي في بريطانيا؛ فالمشاكل الناتجة عن الحرب أثقلت كاهل أكثر الدول ازدهارا في العالم، وتداعيات الحرب تجاوزت كل تفاؤلهم، ولن يتمكنوا من البناء على أهداف السنة الماضية؛ فحجم الأزمات التي لاحت في الأفق، فاقت المشاكل السابقة؛ حيث يرتفع التضخم وترتفع أزمة الطاقة والغذاء، ووفقًا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة؛ فإن أوكرانيا هي المزود الاساسي للعالم في القمح والذرة وزيت عباد الشمس.
هناك تخوُّفات من حدوث احتجاجات اجتماعية في الولايات المتحدة والدول الغربية للضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات لروسيا لإنهاء الحرب التي تتطور بسرعة وتتوسع ويصاحبها تسخين نووي.
وقد سبق أن نصح هنري كيسينجر أوكرانيا أمام منتدى “دافوس” بالتنازل عن أراضٍ من أجل تحقيق السلام مع روسيا، محذرا من أنَّ الفشل في استئناف المفاوضات له عواقب وخيمة على أوروبا، كما عبّرت بريطانيا عن خشيتها من أن تضطر “كييف” إلى تقديم تنازلات كبيرة.
رئيس المعهد الأمريكي للأبحاث الاقتصادية، سبق له وصرح بأنَّ الولايات المتحدة ومن خلال العقوبات التي فرضتها على روسيا انتهى بها الأمر “بإطلاق رصاصة على قدميها. فموسكو وتحت ضغط العقوبات، سجلت زيادة في عائداتها من بيع النفط والغاز.
وتتحدث الصحف الغربية عن نجاحات تحققها الدبلوماسية الروسية في آسيا وإفريقيا، في الوقت الذي يشدد الغرب من ضغوطاته على روسيا، فاثناء وجود بوتين في طهران، وقعت شركة “غازبروم” الروسية مع الشركة الوطنية الإيرانية للنفط مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار، تخطط بموجبها “غازبروم” للاستثمار في حقول الغاز في كيش وشمال بارس وجنوب بارس، وقد قاتلت “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية بشدة من أجل الحقل الأخير، ولم تتمكن من إغراء الإيرانيين للحصول على جنوب بارس، إذا كان من المقدر للخطط الروسية أن ترى النور، فذلك يعني عن إنشاء أقوى احتكار للغاز في العالم تحت سقف روسي، وقال خبير بريطاني لصحيفة ” ديلي ميل” البريطانية:
إنَّ رحلة الرئيس الروسي بوتين إلى طهران تُنذر بما لا يسر الغرب، وإن خطط روسيا وإيران للارتقاء بعلاقاتهما الثنائية إلى مستوى جديد من الشراكة الإستراتيجية، كان بمثابة “تحذير” للقادة الغربيين. وإن التهديد الناشئ يمكن أن يصبح أكثر خطورة على الغرب من خطورة الكتلة السوفيتية السابقة”.
باختصار.. فإنَّ بعض الصحف الغربية تعتقد أنَّ العقوبات على روسيا أدت إلى نتائج عكسية.. الروبل آخذ في الارتفاع، وبوتين أقوى من أي وقت مضى -لقد جاءت العقوبات بنتائج عكسية. الحرب الاقتصادية على روسيا والمساعدات العسكرية لأوكرانيا أصبحت غير فعالة، وأسعار الطاقة العالمية ترتفع بشدة، والتضخم آخذ في الارتفاع، وسلاسل التوريد تواجه مخاطر التوقف، والملايين محرومون من الغاز والحبوب والأسمدة.
وفي ظل هذه الصراعات العالمية، نسأل الله أن يحفظ عمان قيادة وشعبا من كل مكروه.