بقلم : محمد الرواس
«قال الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي بكر:أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج فقال الصديق: الصحبة يا رسول الله»
الصبر ثم الهجرة ثم الفتح ، لم يكن صبر النبي عليه الصلاة والسلام طيلة 13 عام على إيذاءكفار قريش في مكة وتجاوزه مراحل الايذاء و التخويف والاغراء بأن ينصبوه ملكاً عليهم أن هو تراجع عن دعوته وما تبع ذلك من حصار وتجويع للمسلمين ، وانتهاءً بمحاولة القتل الفاشلة للرسول قبل مغادرته مكة قبل الهجرة والتي قام بها كفار قريش للتخلص منه عليه الصلاة والسلام إلا مجرد المحطة الأولى في طريق مسيرة الدعوة الاسلامية لكي ترفع راية الحق وتتم أعادة تنظيم خارطة بناء السلوك الإنساني ووضع القيم والمبادي الربانية بالعالم أجمع.
كانت الهجرة النبوية الشريفة إيذان من المولى عز وجل بأن الوقت قد حان للتغيير والانتقال إلى مرحله النصر والتمكين ، والبناء المعنوي والمادي للإسلام وتأسيس الدولة الخالدة بالمدينة المنورة .
اما المرحلة الثالثة بعد الهجرة فهي فتح مكة وما تبعها من فتوحات خرجت من المدينة زمن الخلفاء الراشدين وماتبعها بعد ذلك من فتوحات إسلامية شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً زمن الدولة الاموية والعباسية وصولاً الي فتح القسطنطينية وكان الهدف واحد والغاية واحدة الا وهوإصلاح الحياة البشرية ونشر الرسالة المحمدية إلى العالم اجمع.
أحداث جسام صاحبة الهجرة المباركة بدءاً من مجي الرسول عليه الصلاة والسلام إلى بيت أبي بكر الصديق واخباره أن الله قد أذن له بالهجرة فوجده جاهزاً للرحلة المباركة ومعه ناقتين قد أعدهما ، فخرجا على بركة الله ومكثا بغار حراء ثلاثة ليال، ولقد قامت السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق حينها بمهمة الأمداد والتمويل ونقل الأخبار للرسول وصاحبه ، وكانت مهمة عامر بن فهير ان يتولى محو آثار الأقدام لكي لا يكتشف مكانهما، حتى الطيور والحشرات شاركت في التمويه لتيسير الهجرة المباركة وتمثل ذلك بالحمامة الذي وضعت بيضها عند باب الغار والعنكبوت التي نسجت خيوطها على فم الغار، وقبل ذلك كان قد تم اختيار عبدالله بن أريقط الخبير الماهر لمسالك الصحراء ليكون جاهزاً ليقوم بمهمة دليل الرحلة.
حشد كفار قريش كل امكانياتهم المادية والمعنوية لإيقاف وصول الرسول عليه الصلاة والسلام للمدينة المنورة فانتشروا يطلبونه في كل اتجاه ووضعوا جائزة كبرى لمن يدلي بمعلومات عنه ، وعندما تحرك الرسول وصاحبه من الغار تمكن سراقة بن مالك من الوصول اليهما في الطريق طمعاً بالجائزة ، وبعد ما رأى من الآيات من عدم تمكن فرسه من الوصول اليهما وعده الرسول عليه الصلاة والسلام بجائزة اكبر من جائزة قريش هما سواري وتاج كسرى ملك الفرس (تم تسليمهما له زمن الفاروق عمر بن الخطاب بعد فتح مدينة المدائن) ، استمرت الرحلة المباركة وما صاحبها من أهوال ومعاناه ومشاق، كل ذلك كان يجري بتقدير المولى عز وجل وعنايته ، حيث كان هناك اليقين الراسخ بقلب النبي عليه الصلاة والسلام بأن الله معه وبأن نصره قريب. في الطريق الي المدينة مر الرسول وصاحبة على خيمة لأعرابية وزوجها الذي كان قد خرج يرعى أغنامه بالصحراء تدعى «أم معبد» ولم يكن عندها إلا شاتها التي لا تدر حليباً فمسح الرسول عليه الصلاة والسلام بعد ان أذنت له أم معبد على ضرع الشاه فدرت لبناً سائغاً فشربوا منه جميعا الرسول وصاحبه وام معبد والدليل ابن فهير حتى ارتوا. ثمانية ايام قطعها الرسول وصاحبه حتى وصلوا الي قباء فأقام بها أربعة أيام ثم توجه بعد ذلك للمدينة المنورة ليقابله اهلها بالترحيب والتهليل ، وتبدأ من يومها النقلة النفسية والاجتماعية والدعوية نحو التطبيق الفعلي لشريعة الله في الأرض فلقد انتهت رحلة الهجرة بالوصول إلى دار الأمان والاستقرار ، الذي انتشرت منها فضائل الاسلام وتعاليمه وقيم الرحمة والتسامح والأخلاق السامية للعالم أجمع.