بقلم : محمد بن محفوظ العارضي
عقب سلسلة من الأحداث العالمية التي أعادت تشكيل وجهة نظر الأفراد والمؤسسات والحكومات وغيرتها بشكل دائم من نواح كثيرة، من المهم أن نكيف أهدافنا الاقتصادية ونوائم نقاط قوتنا من أجل تحقيق أفضل النتائج.
وبينما بدأت دول مجلس التعاون الخليجي رحلتها نحو التعافي الاقتصادي، لا يزال على المنطقة أن تقطع أشواطاً من حيث السير على الطريق الصحيح نحو تحقيق أهدافها طويلة الأجل.
لقد نجحت منطقتنا في تنويع مصالحها الاقتصادية وأصبحت أقل اعتمادًا بكثير على صناعة النفط بعد أن احتلت قطاعات أخرى موقع الصدارة. وأرى أن السياحة من المجالات التي تمتاز بأضخم إمكاناتٍ للنمو، إذ تعتمد بشكل كبير على ما آمنت دائمًا بأنه أعظم أصولنا ونقاط قوتنا – ألا وهو شعبنا.
وبالنظر إلى التحديات الكبيرة التي واجهها قطاع السفر العالمي بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19، كنا نتوقع زيادة مفاجئة في السفر هذا العام بعد تطبيق برامج اللقاح وإجراءات السلامة المشددة في مختلف أنحاء العالم. وأظهر الربع الأول من عام 2022 نموًا بنسبة 182% في عدد القادمين مقارنة بالفترة ذاتها من العام الفائت، من 41 مليونًا إلى ما يقدر بنحو 117 مليونًا وفقًا لمنظمة السياحة العالمية. ولا شك أن هذه الأرقام سترتفع بمرور الوقت، لأن الناس في جميع أنحاء العالم يتوقون للسفر من أجل العمل والترفيه بعد فترة انقطاع طويلة.
ويعد التوقيت مثالياً الآن لدول مجلس التعاون الخليجي للتوسع في خططها طويلة الأجل لتنمية قطاعات السياحة، وأعتقد أن البدء على نطاق محلي مهم للغاية.
فبحسب منظمة السياحة العالمية، ينفق المسافرون من دول مجلس التعاون الخليجي 6.5 أضعاف ما ينفقه المسافرون من أنحاء أخرى من العالم. ولدى مشغلي السياحة في المنطقة فرصة ممتازة لتطوير عروضهم بحيث تناسب أذواق المسافرين الإقليميين وتزيد أرباحهم.
ربما تفيد البحوث في تحديد ما ينشده المسافرون الإقليميون أثناء زيارة البلدان بالخارج ومن الممكن تصميم حزم مخصصة وفقًا لتفضيلاتهم، إلى جانب مجموعة متنوعة من العروض المستهدفة.
علاوة على ذلك، يمكن للحكومات تحفيز الشركات العاملة في قطاع السياحة، ويمكن للمؤسسات المالية تقديم أسعار إقراض خاصة من شأنها تشجيع رواد الأعمال الطموحين على تأسيس شركاتهم أو تنمية أعمالهم التجارية القائمة بشتى الطرق لتلبية احتياجات السياح.
من جانب آخر، هناك متسع كبير للتعاون الإقليمي وتقديم تجارب تسمح للمسافرين بالحصول على ما يبحثون عنه. وعلى المستوى الدولي، هناك أيضًا فرصة لتسويق العروض الفردية لمختلف الدول في المنطقة، إذ يحرص المسافرون العالميون على معرفة مدى تنوع منطقة الخليج.
ومن الممكن أن يحرز التعاون عبر الحدود تقدماً كبيراً فيما يتعلق بتنمية السياحة الإقليمية، وأنا أحث أصحاب الأعمال على التواصل وتبادل الأفكار التي ستساعد في بلوغ الصناعة لأقصى إمكاناتها.
وبإمكان دول المنطقة مواءمة أهدافها وتوفير حوافز للمسافرين لزيارة أكثر من دولة دفعة واحدة. كما تستطيع المؤسسات المختلفة، التي تؤلف أطر عمل من المطارات إلى مشغلي النقل العام والترفيه الذين يعتمد عليهم السائحون، خلق تعاون وتقديم تجارب تسهّل على المسافرين الاستمتاع بالعروض المتنوعة التي توفرها منطقتنا بلا حدود.
وتتمثل إحدى الطرق الأكثر فاعلية لتوسيع قطاع السياحة في مساعدة الشركات التي لا تستهدف السياح بالضرورة على تخصيص عروضهم أو توسيعها من أجل النمو عموديًا. ويمكن لمشغلي السياحة وقادة السوق الحاليين إنشاء شبكات لاستقطاب الشركات الأخرى من أجل تعزيز التعاون داخل المنطقة، مما سيؤدي إلى نمو الإيرادات للجميع.
كما ينبغي لمواطني المنطقة الالتزام بالرؤى الوطنية التي تهدف إلى نمو القطاعات السياحية؛ إذ تشتهر الثقافة العربية عالميًا بكرم الضيافة - وهو جانب مهم يجذب المسافرين إلى المنطقة مرارًا وتكرارًا - ويجب أن نستمر في إظهار أفضل ما في تراثنا لضيوفنا من الدول المجاورة ومن جميع أنحاء العالم.
تخرج منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، والعالم بأسره، من مرحلة مطولة ومعقدة ولا تزال تواجه سلسلة من التحديات التي ينبغي تجاوزها.
ومع ذلك، لا يزال هناك أمل- فقد اعتمدنا على نقاط قوتنا في الماضي وحافظنا على وحدة منطقتنا في مواجهة التحديات، كما لدينا حكومات داعمة أظهرت قدرتها على اتخاذ تدابير سريعة وتحقيق استجابة ناجحة خلال الأزمات غير المسبوقة التي عصفت بالعالم، ومواطنين لا مثيل لالتزامهم ومواهبهم وتفانيهم تجاه المجتمع.
إنني على يقين بأن منطقتنا ستشهد تحسناً ملحوظاً على صعيد التعافي الاقتصادي، وأؤمن بأن قطاعاتنا السياحية ستؤدي دورًا رئيسيًا في مسيرتنا نحو مستقبل أفضل.