التشريعات العمالية..والاحتياجات المتجددة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٤/يوليو/٢٠٢٢ ٠٩:٠١ ص
التشريعات العمالية..والاحتياجات المتجددة

بقلم : محمد محمود عثمان 

لابد أن تواكب التشريعات لأسواق العمل التي تسعى للخروج من المحن والأزمات التي لحقت باقتصاديات العالم في السنوا ت الأخيرة، لأن المشاكل تبدأ عندما يقرر المستثمرون الهروب لعدم منطقية ضوابط الأداء المتعلقة بتنظيم عمل الأيد العاملة التي تتناسب مع احتياجات المستثمرين وشركات القطاع الخاص، التي عجزت عن الوفاء بالتزامتها وتعاقداتها أو المحافظةعلى أصولها الراسمالية، بل وصل الأمر بفقدها لعناصرالخبرة والمدربة من العاملين لديها من الأيد العاملة الوطنية والأجنبية، التي لا يمكن تعويضها بسهولة، أو بدون أن تتحمل نفقات وخسائر باهظة في سبيل تدريب وإعداد كوادرها في مدى قريب، وأسواق العمل تتطور كما تتطور احتياجاتها وتشريعاتها المنظمة، وإذا تخلفت التشريعات عن مواكبة المتطلبات تكثر العثرات وتتفاقم المشكلات وتتطورإلى الأسوأ، وهذا يتطلب سرعة تحديث القوانين واللوائح استجابة لمتطلبات التغيير على المستويين المحلي والدولي وما يفرضه ذلك من تحديث الآليات حتى يمكن أن تتغلب على المشاكل التطبيقية والميدانية التي تعاني منها الشركات على أرض الواقع، ثم العمل على استقرار التشريعات والقوانين حتى تتخلص أسواق العمل من العشوائية التي ساعدت عليها سنوات كورونا والقرارات المتخبطة التي انبثقت منها، وكان لها تأثيراتها الضارة والكارثية على أسواق العمل، بعد أن سمحت السلطات في بعض الدول بتسريح الأيد العاملة، وتخفيض الأجور وفقا لتقديرات كل شركة وبدون المحافظة على حقوق العمال، مما زاد من معاناة الأسواق ومعاناة الأيد العاملة الوطنية والأجنبية، من كل الجنسيات في ظل عدم قدرة غرف التجارة والصناعة التي تمثل القطاع الخاص، على إدارة الأزمة، نظرا لدورها المفقود تجاه القرارات الحكومية التي تؤثر على أسواق العمل على الرغم من مسؤوليتها عن ذلك، بل وقد يصل الأمر للإشادة بها في بعض الأوقات، حيث لم يتزامن مع أزمة كورونا أي تطوير أو تعديل للتشريعات، التي تلتزم بها السلطات القضائية بعيدا عن القوانين العادية المطبقة في غير الظروف الاستثنائية أوالقاهرة التي فرضت واقعا مؤلما على الأسواق، وكان من الضروري أن تراعي التشريعات ذلك حتى تحقق الحماية المؤقته أولا: للمستثمرين الجادين المتعثرين بسبب الأزمة وثانيا: للأيد العاملة المسرحة وأسرهم، حيث كانت لكل مشكلاته المرتبطة بالديون والقروض والشيكات المرتجعة، لعدم القدرة على السداد مع تخفيض الأجور، أو عدم القدرةعلى الحصول على شامل مستحقاتهم من جهات العمل، وفقا لتقديرات كل شركة وبدون الحفاظ على حقوق العمال، ومما زاد من معاناة الأسواق ومعاناة الأيد العاملة الوطنية والأجنبية، هو زيادة تعرض البعض لأحكام بالسجن ومنهم من يعول أُسرا وأطفالا تحتاح إلى الرعاية، ولا شك أن ذلك يهدد سلامة الأمن الاجتماعي للمجتمع وكذلك فإن مجرد الحديث ولو فقط عن احتمال تعرض المستثمرين للسجن لعدم الوفاء بالقروض المستحقة عليهم، ورفض البنوك الجدولة المناسبة للديون، فإن ذلك يعطي انطباعات سيئة ورسائل سلبية عن المناخ الاستثماري للمستثمر الأجنبى الذي يخشى من فقد ثروته واستثماراته مع التعرض للسجن، وهذا أسوأ ترويج للاستثمارات الخارجية والأكثر خطورة هو إغفال الاصلاحات الاقتصادية الجوهرية التي من خلالها يتم إيجاد فرص العمل الجديدة التي تمثل قيمة مضافة للباحثين عن العمل وأفواج الخرجين الجدد سنويا من الكليات والمعاهد والتعليم العام، وانشغال السلطات بمحاولة الحلول الجزئية لمشكلة الباحثين عن عمل من خلال عمليات الإحلال في عدد من الوظائف التي لم يتم زيادتها منذ سنوات طويلة، من خلال تحديد نسب معينة لتوطين الوظائف وفرض نوعيات من الأيد العاملة غير المؤهلة فنيا على المستثمرين المحليين والأجانب، ومعظهم يفتقد الخبرات والمؤهلات المطلوبة للعمل، وقد لا تحتاجها الشركات والمؤسسات واصبحت تمثل نوعا من البطالة المُقنعة التي تفرض على شركات القطاع الخاص وظائف لايحتاج إليها، بل وتمثل في النهاية أعباء إضافية على العمل والإنتاج، وتجعل من سوق العمل بيئة طاردة للاستثمارات التي تولي أهمية خاصة للكفاءة المهنية والمهارات المتخصصة التي تحقق قيمة مضافة للإنتاج والإنتاجية، وكذلك مفاجئة الأسواق بالإعلان كل فترة عن قوائم من الممنوعات والمحظورات من الوظائف والمهن التي استقرت عليها -وبها- الشركات ويعتمد عليها القطاع الخاص بشكل كبير منذ سنوات وأن غيابها بسبب الحظر او المنع سوف تكون له تأثيرات سلبية كبيرة على مؤسسات القطاع الخاص وعلى الاقتصاد والدخل القومي بشكل عام، ولكن إذا سلمنا بأن بعض القرارات يأتي من قبيل النوايا الحسنة، أوفي الرغبة من الحد من عدد الباحثين عن عمل، إلا أن الضررمن ذلك أكثر من النفع على المدى البعيد، لتبدو الإشكالية الأكثر تعقيدا، للحاجة إلى فهم المعادلة التي تُقرمن الذي يحدد احتياجات القطاع الخاص من الأيد العاملة هل الشركات أو الحكومات؟ ومن ثم أن بعض القرارات تحتاج إلى دراسة ومراجعة لتصحيح الأوضاع، نتيجة للتأثيرات السلبية على سوق العمل الذي يصاب بالترهل بعد فترة، وبعد أن يعجز عن المشاركة الفعلية في عمليات التنمية الضرورية، التي تتطلب في المقام الأول تمكين العامل الوطني من تنمية قدراته ومهاراته بالصورة الصحيحة التي تمكنه من المنافسة القوية مع الأيد العاملة الأجنبية، والتي بدونها لا يمكن أن يتطور أو يستقر سوق العمل أو أن يلبي احتياجاته المتجددة، وفي المقام الثاني إعطاء القطاع الخاص الفرصة ليتمكن من القيام بدوره في خلق فرص العمل الجديدة والمتجددة التي يحتاجها.