بقلم : محمد بن علي البلوشي
الوزارة من الوزر أي الثقل فيحمل الوزير العبء الأكبر في الوزارة..وليست كل شاردة وواردة هي من الأشياء التي ينبغي أن ينشغل بها الوزير فالتسلسل الوظيفي يحمل عن العبء الأكبر ومهمته صنع السياسات والخطط والاستراتيجيات لتحقيق أهداف تقررها الحكومة. عدا ذلك له الكثير من الأعمال التي منها تمثيل الإرادة السامية في التكليف والمهام والمسؤوليات وقضاء حوائج الناس وحل المشاكل التي قد تعترض سبيل العامة إن كانوا على حق والتي قد تواجه بالتعقيد في الإدارات الاخرى بالوزارة ..في كثير من الأحيان يتّبع الموظفون الكبار والصغار - حسب التسلسل الهرمي للوظيفة والمسؤولية - طرقًا لا تستقيم لحل المشكلات وبإمكانهم حلها إن كانت بسيطة وطارئة أو إنسانية وخدمية..لكن هذه الحالات تخضع للتقدير والاجتهاد من هؤلاء الموظفين..فيعتقدون أنهم على صواب ومايقدمونه من إجابات وتفسيرات للمراجعين تنبع من روح المسؤولية والامانة..لكن ليست كل الحالات تستحق معاملتها بقانون عام.. فكم من قضايا خسرتها الوزارات أمام المواطنين فأنصفهم القضاء بعد ان وجد -القضاء- أنهم على حق ويستحقون ذلك..وهي إشارة أن تفسيرات الوزارة -الوزارات- ليست دائمًا صائبة بل تلحق الضرر بأصحاب الحق والحاجة حسب نوع الخدمة المقدمة..في حين يدعي المسؤول أنه يعمل بالنظام، فلماذا يحدث ذلك؟
تطبيق الأنظمة والقوانين مطلب مهم وقوي وفي الوقت نفسه فإن قضاء حوائج الناس وتظلماتهم الصادقة التي تمنعها أحيانًا سلسلة معقدة من البيروقراطية الطويلة التي توضع أمامهم تؤدي بهم إلى الإحباط والتذمر وهم غير مقتنعين ولذلك يصبح طرق باب الوزير هو الملجأ الأخير الذي قد ينصفهم أو يظلمهم - باجتهاده أنه على صواب- يلجأون إليه لحلها أو إقناعهم بما يجري فإن يسّر أمورهم فقد رفع مظلمة وأعاد حقّا..وإن لم يستطع فلهم القضاء أو الرضى بجواب الوزير.
اليوم يتشدق كثير من المسؤولين وبخاصة وزراء الخدمات بالقانون وحسب النظام..وهو أمر حسن كما ذكرت..لكن تسليط القانون وتطبيقه بحذافيره دون النظر إلى جوانب أخرى من حاجات الناس به تعسف..وجد القانون والنظام لإرساء النظام وتنظيم حياة الناس وفي القانون مايشير إلى تقدير حالات طالبي الخدمة أو مقدمي التظلم والشكوى أملا منهم في رفع العسر إلى اليسر..إن تحويل القانون إلى سيف مسلط على رقاب الناس دون النظر إلى الحالات الكثيرة التي تطرق أبواب الوزراء ورفضها أو حتى رفض مقابلتها هو أمر غير مألوف في بلد تقوم دولته على العدل والرحمة والرأفة ..يحكي آخرون عن المسلك الجديد لبعض الوزراء حينما تتعقد الأمور في الدوائر الصغرى حيث بات الوصول للوزير أشبه بالحلم..يرفع الناس رسائلهم باسم التظلم أو الشكوى وغير ذلك حينما يرون أنفسهم على حق..وإن كان الوزير يمتلك استثناءات تحت معايير المساعدة من هم أحق بالمساعدة فلماذا لا يستخدم صلاحياته؟ وهو من أعطى الصلاحيات فمن حقه تفعيل هذه الاستثناءات إن كانت في محلها ولها تفسير مقنع.
ارحموا الناس وقابلوهم وافتحوا أبوابكم...دعوا الموظفين يتحلّون بسعة الصدر ويسّروا..والتيسير هنا ليس منح كل من لايستحق حاجته..فالعشرات قد يواجهون مشاكل.. يبحثون عن شمعة في نفق طويل من الإجراءات المعقدة..في الأسبوع الفائت رأينا كيف كشف تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية عن بطء خدمات في وزارة الاسكان يتطلب إنهاؤها شهورًا بينما يمكن إنجازها في أيام معدودات..فيخسر طالب الخدمة الوقت والوقود والإجازة والخروج والاستئذان من العمل لمعاملة لن تنتهي ناهيك عن مئات المعاملات التي تحتاج إلى من يفك قيدها بعد أن تخضع لتفسير أحادي من قبل الموظفين. وهناك الوزارات الأخرى التي كذلك يعاني فيها الناس. لماذا يرغب الناس بمقابلة الوزير؟ الإجابة ببساطة حينما تغلق أبواب الحل أو تعقد الإجراءات وحينما يرون أنهم على جانب من الحق حيث لا يستطيع الموظفون في الدوائر الأخرى إنصافهم.
ولو كنتم كذلك لما كان القضاء ينصف من رفع قضايا على الوزارات وكسبها مواطن بسيط والسبب هو تعنّت وسوء تفسير القانون والعمل عليه بحدة وصرامة. رفع أحدهم قضية على وزارة معينة بعد أن تملل من تفسيرات المسؤول وأن طلبه لا يستحق أن يقبل وعرض عليه عرضًا بديلًا فرفض. تمسك المسؤول برأيه واتجه المراجع إلى القضاء فصدر الحكم بصحة طلبه.. ذلك يعني ذلك أن المسؤول كان يماطل ويتحجج ويفسر على هواه. وهو ما يحدث في كثير من الأحيان أن يتحجج المسؤول بالقانون، لكن يمكن تكييف القانون إن كان للناس حجة مقنعة وحق. افتحوا أبوابكم وانظروا لتظلمات الناس وشكاواهم في السر والعلن..استقبلوا رسائلهم ولا تعاملوها كالحجر. أنتم من هذا المجتمع ولم تأتوا من الفضاء لتقابلوا الناس بوجه عبوس وكأنهم يطلبون منكم منة وإحسانًا..واجبكم أن لا ترضوا كل ذي طلب، بل أن تقدّروا كل ذي مطلب. انظروا لطلبات الناس بالرأفة عند المقدرة..قليلاً من الإنسانية.