بقلم : علي المطاعني
الجهود التي تبذلها وزارة العمل لإيجاد وظائف للمواطنين في كل القطاعات الحكومية والخاصة ، يجب أن لا تقابل بالرفض أو الاستهجان من قبل البعض ، خاصة إذا ألقينا نظرة موضوعية على الوضع الإجتماعي والإقتصادي لمئات آلاف من الأسر التي تبحث عن فرص عمل لأبناءها في وطنهم كغيرهم من شعوب الأرض قاطبة ، حيث أولوية العمل فيها لأبناء الوطن كأحد موجبات إستتباب الأمن الاجتماعي الذي يجب على الجميع تعزيزه كل من خلال موقعه وموضعه ، وبإعتباره صمام الأمان لمستقبل أفضل للجميع ، ولايجب علينا أن نكون أكثر أنانية في التعاطي مع هذا الجانب ايا كانت التحديات والتكلفة التي لايجب أن ننطر إليها كعائق أمام تحقيق الإستقرار في المجتمع وما يشكله من أهمية كبيرة.
البعض ربما لايدرك إنعكاسات هذه المعضلة على كافة الأصعدة والمستويات ، أو أنه ينظر إليها بعين واحدة لا تتجاوز تحقيق مصلحته الخاصة ، الأمر الذي يفترض معه أن نعي أوضاع المرحلة الراهنة من كافة الزوايا التي تحقق الأمن والاستقرار الاجتماعي وعدم الإلتفات إلى ما عداها من أصوات نشاز.
بلاشك أن التوطين في العديد من المهن والوظائف التي تتوفر لها كوادر وطنية يُعد أحد أهم الجوانب التي لاتقبل أي نقاش أو جدال مادامت هناك كوادر وطنية يمكن أن تشغل هذه أو تلك المهن والوظائف ، فالقاعدة التي يجب أن تغدو راسخة تنص على أولوية الموطن قبل غيره مهما بلغت التكلفة ، فلا يعقل أن يبقى أبناءنا بعيدا عن الكثير من الوظائف والمهن التي يشغلها غيرهم ، بل أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا هو إلى متى سنظل ندور في هذا الفلك الضيق ، وأبناءنا من مخرجات الجامعات والكليات ينتظرون قطار العمل والوظائف المشغولة بغيرهم ، وكيف نقنع أنفسنا وأولياء الأمور والمجتمع بعدم وجود فرص عمل ثم نجد آلاف الوظائف يشغلها سواهم ، فإين الاستواء هنا ، ثم هل ينبغي علينا الانتظار حتى ينفجر البالون في اوجوهنا جميعا ثم نركض بعدها بحثا عن حل وحلول بعد فشل المبررات غير الواقعية والقائلة بتوسع الأسواق وغيرها في منع دوي الانفجار من أن يصم الآذان. إن إحلال وزارة العمل لـ 200 مهنة ووظيفة في الشركات وخاصة في قطاع التجزئة والأعمال الإدارية و المحاسبية وغيرها ، لم يأت من فراغ ، وإنما جاء بعد دراسات ومناقشات وبيانات تعكس حجم الفرص الموجودة وكذلك أعداد الباحثين عن عمل في مستويات عدة من الخريجين والخريجات حملة الدبلوم والبكالوريس وغيرها من المؤهلات ، فالقرار الذي أصدره وزير العمل قد يوفرعشرات الألاف من فرص العمل لاتيعاب إعداد الباحثين والمسرحين من الشركات ، بالتالي سوف يسهم في تقليص حجم المشكلة.
فهذه المهن وتلك الوظائف ليست بالصعوبة فبقليل من التدريب يمكنه أن يجيدها تماما ، فالآخرين تعلموها وأجادوها في شركاتنا ومؤسساتنا فهذه الحقيقة يجب أن نقبلها ونوقن بها في سبيل تحقيق إستقرار المجتمع وبث دماء الطمأنينه في شرايينه .
الحكومة ومن جانبها وعبر سلسلة من التسهيلات خفضت الكثير من الماذونيات واضفت الكثير من المزايا بهدف تعزيز الإصلاحات الاقتصادية من جانب والتسهيل على أصحاب الأعمال من جانب آخر ، والحكومة تعلم بأن ذلك لن يكون على حساب أبناء الوطن الذين لهم الأولوية والأفضلية في خدمة وطنهم والنهوض به كأمر حتمي وطبيعي ومنطقي .
وفي المقابل نحض أبناءنا أن يثبتوا جدارتهم وجديتهم وقدراتهم في العمل والالتزام بأخلاقياته والحرص على مكتسبات أصحاب الأعمال فالسوق لايرحم ، فهذه الشركات وتلك المؤسسات ليست خيرية ، فعلينا أن ندرك ذلك جيدا بأن نجاح المؤسسة مرهون بقدرة الموظفين على أداء أعمالهم بكفاءة عالية واقتدار . أن هذه الجهود و تلك القرارات لا تتناقض مع خط الإصلاح الاقتصادي الذي تمضي فيه العديد من الجهات وبخطى حثيثة ، لكن هذه الإصلاحات لا يجب أن تكون على حساب المواطن او بمثابة شماعة لإبعاد المواطنين عن العمل بحجة الإصلاح الاتصادي أو ماشابه ، فالمضي قدما في الاصلاح لا يتناقض مع جهود الإحلال والتوطين ولن يؤثر على أي شركة جادة. ومع ذلك يجب علينا جميعا ان نتشارك التكلفة في إحلال المواطنين في القطاع الخاص سواء بإرتفاع التكلفة أو تأثر الخدمة إلى أن نتجاوز هذه المرحلة الانتقالية في الإحلال وننمي كفاءات وطنية قادرة على إدارة دفة الأمور وتتطور على يديها القدرات العُمانية في كل المجالات. بالطبع مثل هذه القرارات إذا لم يواكبها تفعيل قضائي وتشديد في التطبيق ورقابة صارمة لضبط التحايل لن يكتب لها النجاح كغيرها من القرارات التي صدر بعضها قبل عشرين عاما ولم تطبق لعدم توفر إرادة ضبط المخالفين.
نأمل أن تكلل جهود وزارة العمل بالنجاح في إيجاد المزيد من فرص العمل لابناءنا وأن نعمل جميعا على ذلك جهات حكومية وشركات وأفراد المجتمع وكل المعنيين بالأمر ، فهذه مسؤولية وطنية يجب أن نضطلع بها جميعا في سبيل إستتباب الأمن الاجتماعي ورأس رمحه توفير فرص العمل.