القلق الشعبي الخليجي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٤/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٠١ ص
القلق الشعبي الخليجي

فريد أحمد حسن

الأحداث التي تأبى أن تتوقف في سوريا والعراق واليمن وبلاد عربية أخرى قريبة وبعيدة تجعل دول مجلس التعاون تشعر بقلق غير عادي ، فما يجري في تلك الدول يشكل تهديدا لها ولاستقرارها ويؤثر سلبا على مستقبل شعوبها . ما يجري في تلك البلدان حرب بمعنى الكلمة ، والحروب لا ينتج عنها إلا الأذى والجماعات المتطرفة التي تعيش على الابتزاز ويمكن أن تهدد دول التعاون بنقل ما يجري هناك إلى العواصم الخليجية لو أنها لم تستجب لطلباتها .
عدم الاستقرار في تلك الدول قد يؤدي قريبا أو بعيدا إلى عدم استقرار دول التعاون . هذا بالتحديد هو ما يخشاه قادة التعاون ويدفعهم لصرف جزء كبير من وقتهم وطاقة بلدانهم في إيجاد مخارج مناسبة تؤدي إلى وقف الحروب في تلك البلدان وتعيدها إلى حالة الاستقرار . ولكي يتحقق هذا الأمر تدعم دول التعاون بالمال والخبرات الدبلوماسية والعسكرية من تعتقد أنه يمكن أن يأخذ تلك البلدان إلى حيث الاستقرار . من هنا فإن السؤال الذي يبرز بقوة هو هل تستطيع دول مجلس التعاون التي لا تنظر إلى تطورات الأحداث في تلك البلدان وأطرافها من منظار واحد أن تدفع نحو تشكيل حكومات توصل إلى حالة الاستقرار المطلوبة هناك وتبعد الشر عن دول المجلس وشعوبها ؟
هذا سؤال مهم ينبغي أن تحصل شعوب التعاون على إجابة واضحة عنه ، حيث اختلاف نظرة حكومات دول التعاون إلى ما يجري في تلك البلدان واختلافها في تحديد الفئة التي يمكن أن تحقق لها هدفها المتمثل في الاستقرار يجعل هذه الشعوب تشعر بالقلق لأن المنطق في هذه الحالة يقول إن هذا الاختلاف سيؤدي بالضرورة إلى إطالة أمد الحروب في تلك البلدان ومن ثم زيادة حجم التهديدات وعدم الوصول إلى حالة الاستقرار المنشودة هناك ومن ثم هنا .
ما يزيد الأمر تعقيدا هو أن النزاع في تلك البلدان لم يعد بين طرفين يمكن أن ينتصر أحدهما على الآخر فتنتهي الحرب ، ففي سوريا مثلا ازداد عدد الأطراف ذات العلاقة كلما أوغلت المشكلة في الزمن ، بدأت بين المعارضة والنظام ثم تحولت المعارضةإلى معارضات يقاتل بعضها بعضا ثم صارت الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإيران وغيرها من الدول جزءا من الحرب وأطرافا رئيسة فيها ، أي أن المسألة تعقدت وصار صعبا توافق كل هذه الأطراف على ما يعينها على الخروج من هذه الأزمة . والأمر نفسه حدث ويحدث في العراق واليمن، الأمرالذي يصعب معه التكهن بإمكانية التوصل إلى حل يؤدي إلى استقرار هذه البلدان ومن ثم استقرار المنطقة ودول التعاون بشكل خاص .
في وضع كهذا لا يجد المتفائلون بطبيعتهم ما يعينهم على مواصلة التفاؤل ، فالأحداث وتطوراتها التي لا تتوقف وتزداد عنفا يوما بعد يوم تدفعهم إلى الإنضمام إلى قائمة المتشائمين خصوصا وهم يرون أن تلك التطورات لم تؤد إلى توافق دول التعاون على رأي واحد ملزم لجميع دوله ، فهذه الدول لا تزال تنظر إلى ما يجري هناك من زوايا مختلفة ، وهو خطأ لن يتبين أثره إلا في المقبل من السنين .
استقرار سوريا والعراق واليمن ولبنان وحتى ليبيا من مصلحة دول المنطقة كلها ومصلحة دول مجلس التعاون بشكل خاص ، وبقاء الحال على ما هو عليه في تلك البلدان واستمرار الحروب فيها وعدم الاستقرارلا يمكن أن يصب في صالح المنطقة وستكون دول مجلس التعاون الأكثر تضررا منه ، من هنا فإن السؤال نفسه يعود من جديد ولكن بشكل أقوى ؛ كيف لدول المجلس أن تحمي نفسها بعد أن صارت بشكل أو بآخر جزءا من الأحداث في تلك البلدان وصار البعض يعتبرها من أسباب عدم التوصل إلى حالة الاستقرار المنشودة ؟
المتضررون من الحرب في سوريا والعراق واليمن يعتقدون أن مجلس التعاون أو بعض دوله أحد أسبابها وإحدى الجهات التي تغذيها ، وهذا أمر من شأنهأن يقلق شعوب التعاون والحكومات ، والمؤسف أنهم سيستمرون في هذا الاعتقاد حتى بعد أن تتوقف الحرب في تلك البلدان ويعلمون أن دول التعاون مجتمعة أو فرادى كانت السبب وراء ذلك التوقف ، والأكيد أن جهات معينة ودولا ستستغل هذا الموضوع لشحن الناس هناك ضد دول التعاون ، وهذا قد يؤدي بعد ذلك إلى إشعالحروب جديدة ولكن على أرض دول مجلس التعاون الخليجي .
بناء على ما سبق يمكن القول إن دول مجلس التعاون– في حالة عدم التوصل إلى حلول سريعة ونهائية لما يجري في تلك البلدان وخصوصا سوريا والعراق واليمن - قد تعيش أياما صعبة يزيدها صعوبة انخفاض سعر برميل النفط ، الأمر الذي يجعل المرء يشك في ما إذا كان كل هذا وذاك مخطط له ويتم تنفيذه بدقة متناهية .
بالتأكيد من حق كل دولة خليجية أن تدافع عن مصالحها ومن حقها أن تنظر إلى ما يجري في تلك البلدان من زاوية تعتقد أنها هي الصحيحة وهي التي تخدم تلك المصالح، لكن من حق شعوب التعاون أيضا أن تشعر بأنها لن تكون مهددة لو طالت الحرب هناك وأن حالة الاستقرار التي تعيشها اليوم لن تتأثر ، أو بالأحرى لن تتأثر بشكل كبير يجعلها تقلق على مستقبل الأبناء ، فكلما زاد أمد الحرب هناك كلما ازدادت الفرصة أمام المتطرفين ليجدوا لهم ميدانا جديدا يمارسون فيه تطرفهم ويعبرون فيه عن عقدهم .

• كاتب بحريني