صناعة السفن التقليدية في عمان عمرها آلاف السنين ورغم التحديات تحتفظ بمكانتها

بلادنا الأربعاء ١٣/يوليو/٢٠٢٢ ١١:٠٤ ص
صناعة السفن التقليدية في عمان عمرها آلاف السنين ورغم التحديات تحتفظ بمكانتها

مسقط - خالد عرابي

تعد صناعة السفن الخشبية التقليدية من أقدم الصناعات في سلطنة عمان، و يرجع ذلك إلى موقع السلطنة الساحلي الفريد حيث تحيطها المياه بها من كل جانب، فهي تطل على بحر عمان من الشمال، وبحر العرب جنوبا؛ وتمتلك السلطنة أطول السواحل البحرية بطول يمتد إلى أكثر من 3000 كيلو متر. كما عرف العمانيون بتاريخهم البحري العريق واسفارهم حيث وصلوا إلى جنوب القارة الإفريقية، وإلى شمال شرق آسيا في الهند والصين. ولذا ظلت تلك الصناعة تحفظ مكانتها على مر العصور وحتى الآن، و إن كانت مؤخرا تعاني نوعا ما أو تتراجع خاصة أما زحف القوارب الحديثة والتي تعرف بقوارب الفايبر .. «الشبيبة» حاورت علي بن جمعة بن حسون العريمي، صاحب «مصنع السفن التقليدية» بولاية صور، ليحدثنا عن هذه الصناعة وما هو وضعها الآن وإلى أي حد وصلت.

يقول علي العريمي: يعتبر هذا المصنع أٌقدم مصانع لصناعة السفن التقليدية في عمان وهو ورث لنا أب عن جد ويمتد إلى أكثر من خمسة أجيال، فحينما سألت الوالد عن عمر هذا المصنع قال لي أخبره جدي أنه يعود إلى عام 1730 م، وأنه يوجد حفر على بعض الأماكن بالمصنع وعلى بعض السفن التقليدية التي كتب أنها صنعت به وأنها تؤرخ لذلك.

وأضاف العريمي الذي يعمل معه في هذا المصنع 15 شخصا منهم ابنائه قائلا: أنشي هذا المصنع على يد الأجداد وكان معتمدًا على الصناعة التقليدية، أعني اليدوية الخالصة حيث كانت السفن القديمة لا يستخدم فيها المسامير وإنما تربط عن طريق الحبال التي تصنع من ألياف النخيل، وبعدها تطور الأمر قليلًا فأدخل عليها استخدام المسامير، ولكن لم يكن هناك أدوات تستخدم سواء لقطع الأخشاب أو لعمل الثقوب التي توضع بها المسامير، وغيرها وإنما كانت عملية صناعة تلك السفن جميعها تتم يدويا بنسبة 100 بالمائة، ولذا فقد عرفت عمان وتحديدا ولاية صور فقط بصناعة تلك السفن التقليدية وما زالت تتفرد بها حتى الآن حيث لا يوجد بلد خليجي ولا ولاية أو مدينة عمانية تصنع تلك السفن التقليدية الآن سوى ولاية صور.

تطوير المهنة

وأوضح العريمي قائلًا: مع مرور الزمن تطور الأمر قليلا فتم تطوير المهنة حيث تم استخدام بعض الأدوات في تلك الصناعة مثل المنشار الكهربائي أو ألة إحداث الثقوب التي توضع بها المسامير وغيرها، وهو ما سهل وسرع من عملية الإنتاج كثيرًا، فمثلًا في الماضي كان قطع قطعة واحدة من الأخشاب يستغرق أسبوعًا كاملًا، ولكن حاليًا يستغرق دقائق أو بحد أقصى ساعة مثلًا، ولكن ظلت بقية معظم أجزاء الصناعة تحافظ على الصناعة اليدوية التقليدية مما جعلها تحافظ على طابعها ورونقها وتفردها وخصوصيتها، ولذا فصناعة سفينة واحدة متوسطة الحجم تستغرق ما بين عام إلى عام ونصف تقريبا.

وأشار العريمي إلى أن تصميم وإنشاء السفن التقليدية كان يقوم على يد شخص هو الذي يصمم ويشرف على عملية بناء السفينة التقليدية كاملة ويعرف باللهجة المحلية باسم «المول» أي الأستاذ وهي يوازي في العصر الحديث المهندس، وذلك لأن صناعة تلك السفن لا تقوم على تصميم مسبق وإنما تعتمد على الحدث أو الحس والموهبة في بناءها، وهو ما عرف به أهل عمان لأنهم أهل بحر وكثير منهم ورث هذه المهنة أبا عن جد ولأجيال عدة.

كما أشار إلى أن تلك النوعية من السفن التي يقومون بصناعتها كانت في الماضي سفن شراعية، إذ تعتمد بالأساس على الشراع، ولكن مع العصر الحديث طورت و أضيف لها محركات ، وأن هذه السفن أشكال وأحجام وأنواع مختلفة، سواء بحسب الحجم أو حتى الاستعمال فأنواعها من حيث الحجم كثيرة ومنها: « الغنجة ، البغلة ، السمبوك، الجلبوت، البدن، والبوم « وأكبرها هي سفينة «الغنجة» وأصغرها حجما سفينة «البدن» الصغيرة لأن سفينة البدن منها كبيرة وصغيرة الحجم، والصغيرة منها تفضل للصيد لصغر حجمها، كما يوجد أنواع صغيرة أخرى مثل: «الشوعي والهوري» . وتعتبر سفينة الغنجة هي أكبر السفن التقليدية حجما، وهناك سفينة ما زالت قيد الإنشاء من هذا النوع «الغنجة» نقوم بصناعتها لشركة خاصة عمانية منذ أكثر من عام ولم ننته من صناعتها بعد، وتحتاج إلى نحو عام آخر، وهي تعد أكبر السفن الخشبية التقليدية التي صنعت في سلطنة عمان.

طلبات خاصة من السفن

وقال العريمي بإن الطلب على تلك النوعية من السفن ما زال مستمرا وذلك لخصوصيتها وتفردها، ولذا فنحن كمصنع نقوم بصناعة طلبات خاصة جدا من تلك السفن، حيث قمنا مؤخرًا بصناعة أربع سفن تقليدية خشبية من نوع «السمبوك» لإحدى الهيئات القطرية لكي تستخدم في كأس العالم كسفن سياحية ترسو على بعض الشواطيء بالدولة وخاصة كجزء من استعدادات كأس العالم، وقد تلقينا طلب إنشاءها منذ العام 2016 وظللنا نعمل عليها على مدى أربع سنوات وسلمت تباعًا حتى تم تسليم أخر سفينة منها في عام 2020 م.

وأكد العريمى أنه يعمل حاليا على إنشاء سفينتين لشركة خاصة عمانية، إحداهما سفينة خشبية تقليدية كبيرة الحجم من نوع «الغنجة» وستكون بمثابة سفينة سياحية ترسو على بعض الشواطيء العمانية، والثانية عملاقة وهي من نوع «الغنجة» أيضًا ولكنها ستكون أكبر سفينة خشبية تقليدية بنيت في سلطنة عمان، حيث ستكون بطول 50 مترًا، وبعرض 10 أمتار، وارتفاع 8 أمتار. وستكون مكونة من ثلاثة طوابق، كما أنها ستجمع بين السفن الشراعية وسفن المحركات وسترسو على بعض الشواطيء العمانية أيضًا.

وأكد على أن المصنع معروف بتاريخه وأنه كان يصنع سفن خاصة لملوك دول، وقد سبق أن طلب منا المغفور له بإذن الله تعالى السلطان الراحل قابوس بن سعيد في عام 2003 إنشاء سفينة خاصة وكانت من نوع «السمبوك» واستغرق إنشاؤها عامين، وانتهينا منها وتم تسليمها في عام 2005، وعلمنا في حينها أنها كانت هدية خاصة قدمها السلطان قابوس لملك الأردن الملك عبدالله الثاني.

وعن تكلفة تلك السفن وكم تتراوح قال العريمي بالطبع تعتمد تكلفة كل سفينة على نوعها وحجمها ونوعية الأخشاب التي تصنع منها، وكذلك يعتمد الأمر الآن على التصميم والديكور والأثاث الداخلي للسفينة، فالسفينة من نوع البوم الصغير تكلف ما بين 50 إلى 60 ألف ريال عماني، بينما السفينة من نوع الغنجة وهي الأكبر حجما فيتراوح سعرها ما بين 450 إلى 500 ألف ريال عماني.

خشب الساج

وأشار العريمي، إلى أن السفن الخشبية التقليدية تعتمد على نوع أساسي من الأخشاب وهو الساج ويعرف أيضًا باسم Teak وهو الذي يستخدم في صناعة البدن الأساسي للسفينة، لأنه نوع قوي جدا ويتحمل جميع عوامل التعرية من الملوحة والرطوبة وارتفاع درجات الحرارة والشمس وغيرها، وكنا نحضره خصيصا في الماضي من الهند، بينما نحصل عليه حاليًا من ماليزيا وبورما، أما الألواح أو القطع الداخلية والتي يصنع منها الهيكل الداخلي للسفينة وتعد بمثابة ضلوع السفينة وتسمى باللهجة العامية «الشلمان» فهي تصنع من خشب «السدر» و«القرط» وهي أنواع متاحة في عمان، كما أن هناك أنواع أخشاب أخرى تستخدم في صناعة «صور» أي عمود السفينة وتكون من نوع يسمى «جروكو» وهو اسم إفريقي لأنه يحضر من دول إفريقية مثل الكونغو أو الكاميرون، كما أننا نحضر المسامير من باكستان .

كما أشار إلى أنه تم تطوير هذا المصنع مرة أخرى منذ عشر سنوات حيث أدخلت عليه معدات حديثة تساعد على اختصار الوقت والجهد في عملية التقطيع وفتح الثقوب التي ستوضع بها المسامير، وعملية الصنفرة، وهذا ساعد أيضا في التجهيزات الداخلية للسفن بحيث أصبحت أكثر فخامة، خاصة في الأثاث الذي يدخل عليها أو في إدخال وتصميم غرف للنوم حديثة أو مطابخ و دورات مياه وغيرها، ومع كل هذا فما زال هناك حرص تام على أن يكون صنع تلك السفن بالطريقة التقليدية «اليدوية» لأن ذلك هو سر تفردها.

وأضاف قائلًا: على الرغم من أن تلك الصناعة ما زالت تحافظ على مكانتها وهناك إقبال عليها، إلا أنه يعد قليل مقارنة بالماضي، ونرى أنها تواجه تراجع وتحديات كبيرة، وذلك بسبب ارتفاع أسعارها والذي يعود بطبيعته إلى ارتفاع أسعار الأخشاب وكذلك الأيدى العاملة والوقت الذي تستغرقه في الصنع، فصناعة سفينة واحدة يستغرق قرابة العامين ويعمل عليها ما بين 15 إلى 20 شخصًا، كما أن التحدي الآخر هو زحف قوارب الفايبر جلاس عليها حيث أصبحت أرخص بكثير من السفن الخشبية التقليدية، ولكن ما يجعل السفن التقليدية تحافظ على مكانتها هو تفردها وأنها تراثية ولذا ما زال لها زبائنها الذين يترددون علينا لشراءها سواء من داخل السلطنة أو من خارجها من دول الخليج من قطر، الإمارات، السعودية، البحرين، والكويت.