بقلم : محمد بن علي البلوشي
في الماضي كان استخدام المعول والفأس هو مهارة بحد ذاته في كثير من الأعمال الشاقة منها واليسيرة كالزراعة والاحتطاب وقطع الاخشاب وغير ذلك من الأعمال..يتطلب حملها واستخدامها يدًا قوية وعضلات وقوة جسمانية ، ومن هذه المهارات البدنية تكسب هذه الفئة قوت يومها. تغير الزمن وتغير السوق والعمل ..وتنبئنا الأخبار والتوقعات أن الروبوتات ستقضي على عمل الإنسان كما قضت الثورة التكنولوجية الحالية على كثير من المهن والوظائف. وننتظر ماذا يخبئ لنا المستقبل. ولكن رغم ذلك فإن الأسواق المحلية تحتاج أعمالاً وتخصصات لا غنى عنها في حياتنا اليومية..على سبيل المثال في عمان..تعيش الحارات والقرى والمدن على خدمات يقدمها جيش من العمال المقيمين يسيرون حياتنا اليومية ولاغنى لنا عنهم..وهو سوق مفتوح ومنظم لمن أراد أن يقتحمه وسيكون سهلًا للعماني ذلك..فأكثر المهن التي تدر مالًا ينفر منها العدد الأكبر من خريجي تخصصات يكثر الطلب عليها لكنهم للأسف لايكترثون بها ولا يريدونها لأنها تتطلب المثابرة والصبر والإرادة .هنا كيف تبحث عن الذهب وأنت تعرف مكانه لكنك تفر منه؟!..آلاف البشر يعملون يوميًا لدينا دون أن يسأل أحدهم هل يربحون؟ أم يخسرون؟ وكم يجنون من العمل؟ مع كل المصاريف اليومية لهم والسنوية..ماذا لو فكر الكثير من الشباب بطرق هذا السوق واكتشاف غياهبه والبدء بالخطوة الأولى من نقطة الصفر صعودًا إلى سلم المال والأعمال..لكن المغامرة والجهد والعمل يحتاج إلى إرادة وليس النوم حتى الظهر واللعب على وسائل التواصل والسهر ليلًا بانتظار العمل. يوجد بالبلاد عدد من الكليات المهنية التي كانت سابقًا تعرف بمعاهد التدريب المهني..كان النظام التعليمي له مساران أو مساقان، الذين يجتازون الإعداداية تقريبًا بمعدل لا يؤهل للثانوية يذهبون في مسار معاهد التدريب المهني، لا أعرف كم عدد من تخرجوا من هذه المعاهد حتى اليوم وأين ذهبوا.. بعضهم ذهب إلى الوزارات التي كانت تستحوذ على الأعمال قبل خصخصتها وبعض الشركات الحكومية والمؤسسات العسكرية التي كانت ترغب في تخصصاتهم وتحديدًا الثمانينيات وأوائل التسعينيات وربما بعدد أقل الآن..اليوم تقدم الشركات هذه الخدمات.. دخلت هذه المعاهد في برنامج تأهيلي لرفع مستواها إلى كليات بعد أن كان الاسم ربما يعكس صورة سيئة عمن يلتحق بها وهي أحد الأمراض الاجتماعية التي نعاني منها ومع ذلك أقول إننا في الطريق الصحيح وينبغي ومع التوجيهات السامية لتقييم التعليم الفني والتقني أن يكون مسار مخرجات النظام التعليمي سواء من الثانوي إلى الإعدادي أحد مساراته هو الكليات المهنية.. قامت الحكومة آنذاك بتخصيص دورات شبه طارئة بما يسمى نظام التدريب الوطني لضخ العمانيين في القطاع الخاص ومع ذلك كان اجتهادًا مقبولًا بينما ظلت معاهد التدريب المهني في الخفاء لا نعلم عنها شيئًا..لماذا أذكركم بذلك: بدأت كليات التدريب المهني هذه الفترة تجني ثمارها المعتادة فالأسبوع الفائت خرجت الكليات المهنية مجتمعة نحو 700 طالب وطالبة في تخصصات لها قيمتها السوقية ولها مستقبلها..سواء كان مع المواطنين والمقيمين مباشرة من خلال تقديم الخدمات اليومية «أعمال كهربائية وإصلاح سيارات وتوصيلها وتمديدات كهربائية..صيانة شبكة المياه المنزلية وإصلاحها..أو من خلال الشركات في القطاع الخاص أو بإنشاء شركات صغيرة لتأسيس الأعمال..هؤلاء الخريجون يملكون مهارات أفضل من مهارات الخريجين الجامعيين على سبيل المثال في العلوم النظرية والأدبية التي لايحتاج لها سوق العمل وهم بالآلاف ينتظرون دورهم. ولم يكلفوا أنفسهم الالتحاق بدورات عمل لاكتساب مهارات جديدة تساعدهم على الكسب والاستفادة من هذا السوق..فلا خجل في العمل لكسب المال. وبنظرة خاطفة وعابرة على التخصصات التي يملكها هؤلاء الخريجين الكليات المهنية سنجد تخصصات صيانة الأجهزة الإلكترونية، والكهرباء الصناعية، وكهرباء المباني، والميكاترونكس، والرسم المعماري، والبيع التخصصي والتسويق، والتصميم والديكور، وسلامة وجودة الأغذية البحرية، وتربية الأحياء البحرية، بالإضافة إلى الإنتاج النباتي، وملاحة سفن الصيد وكهرباء السيارات وميكانيكا السيارات واتذكر النجارة والحدادة كذلك. ومع أن البعض سيعتبر أن الحدادة والنجارة لا تؤكل عيشًا فإن ذلك حكم خاطئ فالواقع يتحدث عن حجم الطلب على النجارة والحدادة في السوق وكيف أنها تدر أموالًا على أصحابها ويمكن لهؤلاء الخريجين تأسيس شركات صغيرة لهم والإتيان بعمال فالتسهيلات لهم متوافرة لكن ذلك يتطلب الانضباط والاجتهاد في العمل حتى تصبح شركته الصغيرة قائمة وتستند على قواعد مؤسسية..هذه التخصصات يتطلبها السوق ناهيك عن فني الكهرباء والتوصيلات الكهربائية وغيرها. إننا أمة تستند في تاريخها على الكفاح والعمل..هاجر آباؤنا للعمل يوم كانت الأبواب مسدودة ولا يملكون أي مهارات سوى أياديهم واذرعهم بدون تعليم..اليوم يتوفر الجيل الحالي على التعليم وليس مطلوبًا منه الهجرة الى الخارج فالفرص متاحة والأبواب تفتح والدعم يتوفر وهناك قنوات توفره لمن يمتلك الإرادة الحقيقية ليبدأ العمل..تخصصات هؤلاء الخريجين منجم ذهب لهم وقيمتهم السوقية أفضل من قيمة وظائف لايملك أصحابها المهارات الفنية والتقنية.فأقول لهم استغلوها واستثمروها..ستجدون المال بين أياديكم..تحكي التجارب عن قصص لعمانيين أقاموا عائلاتهم على محلات ودكاكين ومزارع وبنوا بيوتًا بها دون أن يعملوا في الحكومة أو حتى القطاع الخاص..هؤلاء كانوا يقدرون قيمة العمل ولتشجيع الجيل الحالي أقول لهم تاريخنا كان عملًا ولا يذكر أننا نتأفف من العمل ونوعه أيًا كان بل يقدسه ويقدمه ولا خجل منه وهو العمل الذي تكسب فيه المال الحلال دون أن تتسول..لا تنتظروا الوظيفة لتصرف لكم راتبًا آخر الشهر..بل ابنوا مؤسساتكم واستغلوا مهاراتكم الفنية والتقنية وسيأتيكم المال والخير من كل حدب وصوب..لا تتسولوا العمل فالفرص أمامكم..فقط اطرقوا أبواب المنجم واستعدوا للبدايات الصغيرة التي تصنع نهايات عظيمة.