انتهاك للقانون أم إرساء لدعائم دولته؟ التسـريبـات

الحدث الثلاثاء ٠٣/مايو/٢٠١٦ ٢٣:١٨ م

عواصم –

بين انتهاك القانون وبين حقوق الشعوب في معرفة ما يدور خلف الجدران السميكة لغرف المباحثات المغلقة... تقف التسريبات عند نقطة ما مثيرة جدلاً قانونياً وسياسياً حول مشروعيتها، وفي هذا السياق أثار موقع ويكيليكس بنشره ربع مليون وثيقة دبلوماسية أمريكية استياءً في العالم بما في ذلك واشنطن التي قررت التصرف بحزم لمعرفة من سربوا الوثائق لويكيليكس واعتبر الناطق باسم الرئاسة الأمريكية روبرت جيبس نشر ويكيليكس لوثائق دبلوماسية أمريكية انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وتهديداً خطيراً لمن يقودون ويساعدون السياسة الخارجية لبلاده، وقال إن من ينشرون المعلومات «مجرمون».

أما رئيس الدبلوماسية الأمريكية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون رأت في نشر الوثائق «هجوماً على الأسرة الدولية»، جاء ذلك عقب اجتماعها في واشنطن مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوجلو الذي وصفه دبلوماسيون أمريكيون - وفقاً للوثائق - بأنه رجل «بالغ الخطورة».

أما رئيس الوزراء التركي فقد أشار في مؤتمر صحفي مع هيلاري كلينتون إلى عدم تأثير هذه التـــــسريبات على العلاقة بين واشــــــنطن وأنقرة التي اعتبرها «شراكة إستراتيجية».

آخر التسريبات

وكانت آخر التسريبات تفيد بضغط مارسته حكومة الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي خلال مفاوضات حول اتفاقية تجارة مشتركة من أجل تخفيف إجراءات حماية البيئة والمستهلك، حسبما أفادت وسائل إعلام ألمانية استناداً إلى وثائق مسربة.

وتخطط جماعة السلام الأخضر «جرينبيس»، التي قدمت الوثائق إلى صحيفة دويتشه تسايتونج وقناتي (ان دي ار) و(في دي ار) التلفزيونيتين، لنشر وثائق اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي البالغ عدد صفحاتها 240 صفحة على نطاق أوسع.
وقالت الصحيفة إن واشنطن هددت بعرقلة جهود لتخفيف القيود المفروضة على صادرات السيارات الأوروبية إذا لم توافق أوروبا على السماح ببيع المزيد من المنتجات الزراعية الأمريكية. ويمكن أن تكون هذه الخطوة موجهة إلى إجراءات حماية المستهلك في الاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى منع المنتجات المحورة وراثياً واللحوم المعالجة بالهرمونات.
وقالت «جرينبيس» أيضاً إن الاتفاق يحد من قدرة المنظمين على اتخاذ تدابير وقائية، وأشارت إلى أن شركات كبرى تدخلت بشكل كبير في صياغة الاتفاق، منوهة إلى أنها توصلت إلى ذلك بعد مراجعة الوثائق.
وقال مفاوضون من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يوم الجمعة الفائت بعد محادثات في نيويورك إنهم يأملون في التوصل إلى اتفاقية «الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي» بين الجانبين خلال العام الجاري رغم الصعوبات القائمة مثل المعارضة الشعبية للاتفاقية والانتخابات الأمريكية والاستفتاء البريطاني على البقاء في الاتحاد الأوروبي.

«وثائق بنما»؟

هي إحدى كبرى عمليات تسريب الوثائق للصحافة في التاريخ؛ إذ سلَّم مصدرٌ مجهولٌ 11.5 مليون ملف سري من سجلات شركة «موساك فونسيكا» ومقرها بنما (التي قدَّمت خدمات لـ72 من قادة دول العالم الحاليين والسابقين (بعضهم قامت ضده ثورات واحتجاجات) تهدف في النهاية إلى إخفاء أموالهم عن أعين الضرائب والرقابة، وإلى عدم إثارة الكثير من الأسئلة عن مصادرها، وشرعية الحصول عليها.

ضمت الوثائق مراسلات بريدية، وحسابات بنكية، وسجلات عملاء يرجع تاريخها إلى 40 عاماً، خاصة بعملاء الشركة الذين لم يقتصروا على «الطُغاة» المعروفين في العالم، ممن قامت ضدهم ثورات الربيع العربي أو عُرفوا بصلاتهم بقضايا فساد وتهريب أموال، بل ضمَّت القائمة 140 سياسياً، وأفراد عائلاتهم، وشركاءهم، ومسؤولين حكوميين في أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية.
عملية التسريب قادها المصدر المجهول إلى الصحيفة الألمانية «زود دويتشه تسايتونج منذ عامٍ تقريباً، فقرَّرت الصحيفة مشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية (ICIJ) وحوالي 400 صحفي عالمي من 107 مؤسسات صحفية في 78 دولةً لتحليل هذا الكم الهائل من البيانات (تذكَّر أنَّنا نتحدَّث عن أكثر من 11 مليون وثيقة) التي جاءت في 2.62 تيرابايت (ألف جيجابايت) من البيانات.

ريادة «ويكيليكس»

هي الوثائق السرية الأمريكية المسربة التي نشرها موقع ويكيليكيس (Wikileaks) في نوفمبر 2010. بيّنت الوثائق أموراً كثيرة في سياسة الشرق الأوسط والدبلوماسية الحكومية الخفية غير المعلنة للشعوب.

دخلت كلمة WikiLeaks قاموس اللغة الإنجليزية في 26 ديسمبر 2010 وتمّ الاعتراف بها ضمن قائمة الأسماء الصحيحة التي شاع استخدامها بدرجة كبيرة، مما أهّلها لتكون واحدة من المصطلحات الإعلامية رسمياً وانضمت إلى عدد من وسائل الإعلام الجديدة وشركات التكنولوجيا الكبرى التي دخلت أسماؤها وأعمالها اللغة منها: «جوجل» و«تويتر» والموقع الاجتماعي «فيس بوك»، بخاصة أنها حققت معايير الانتشار والعمق المطلوبة لتصبح كلمة في حد ذاتها.
أظهر بحث المركز العالمي لمراقبة اللغة، أن كلمة ويكيليكس ظهرت لأول مرة في وسائل الإعلام العالمية العام 2006، واستخدمت الكلمة حتى الآن أكثر من 300 مليون مرة، والمعيار الذي يضعه المركز يقضي باستخدام الكلمة على الأقل 25 ألف مرة في وسائل الإعلام التي تستخدم الإنجليزية. WikiLeak وهي كلمة مركبة من كلمة «ويكي» Wiki وتعني الباص المتنقل مثل المكوك من وإلى مكان معين، وكلمة Leaks «ليكس» وتعني بالإنجليزية «التسريبات». وويكيليكس نافذة إلكترونية لنشر وثائق سرية عن فساد الحكومات والشركات المتعددة الأطراف والأنظمة التي تمارسها على حساب الشعوب من أجل إطلاع الرأي العام.
انطلق الموقع بداية من خلال حوار بين مجموعة من الناشطين على الإنترنت من أنحاء متفرقة من العالم مدفوعين بحرصهم على احترام وحماية حقوق الإنسان ومعاناته، بدءاً من قلة توفر الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والقضايا الأساسية الأخرى.
ومن هذا المنطلق، رأى القائمون على الموقع أن أفضل طريقة لوقف هذه الانتهاكات هي كشفها وتسليط الضوء عليها على المستوى الشعبي، فقد قامت فكرة موقع ويكيليكس على مبدأ تحدي محاولات السلطات لكتمان المعلومات، وهي بهذا المفهوم تصبح جهازاً إعلامياً متخصصاً في التسريب. ويعمل الموقع على إتاحة المجال لمالكي المعلومات، وهم في الغالب موظفون حكوميون لهم أجندتهم السياسية أو الأخلاقية، لإيصال المعلومات للموقع دون كشف هويتهم. ويتولى الموقع بعد ذلك التحقق من المعلومات، ويقوم بنشر فحواها وإتاحة الوثائق نفسها على الموقع. وعملياً يؤرخ لتأسيس الموقع في سبتمبر 2006 حيث بدأ منذ ذلك الحين بالعمل على نشر المعلومات، وخوض الصراعات والمعارك القضائية والسياسية من أجل حماية المبادئ التي قام عليها، وأولها «مصداقية وشفافية المعلومات والوثائق التاريخية وحق الناس في إيجاد تاريخ جديد. وقد بنى قاعدة بيانات تتضمن أكثر من 1.2 مليون وثيقة، ينشرها بشتى اللغات ومنها اللغة العربية؛ لأنها غالباً ما تكون غير قانونية أو غير أخلاقية. وقد دفعت مثل هذه الأوضاع مجموعة من المتطوعين إلى البحث عن وسيلة للكشف عن هذه الممارسات وإطلاع الرأي العام عليها.
يعتبر جوليان أسانج أحد أهم مؤسسيها، وهو يرى أن الحديث عن الفساد الذي تمارسه الأنظمة بكافة أجهزتها السلطوية لا بدّ من كشفه، ويرى أن الصحافة والنشر الإلكتروني، اللذين غيّرا من الطرق التقليدية للصحافة مثل الفيزياء والرياضيات يجب أن يقوما على أسس ومعايير علمية، وأن يقترنا بالوثائق والبراهين، وربما جاء ذلك من خلال دراسته للرياضيات والفيزياء قبل ممارسته العمل الصحفي.

أداة لكشف الحقيقة

أكد مؤسس موقع ويكليكس في جلسة برلمانية علنية في مبنى البرلمان الأوروبي في بروكسل في 21 يونيو 2010 بأن الهدف الحقيقي وراء نشر مؤسسته للوثائق السرية بالدرجة الأولى هو هدف إنساني يبيّن أن الشعوب الأوروبية كشعب غربي لهم مواقف ضدّ الحرب الأمريكية على أي بقعة من العالم، وهذا ما عكسه موقعهم من خلال عملهم في الإعلام والاستفادة القصوى من التكنولوجيا المتاحة حالياً، هذه التكنولوجيا التي يمكنها الآن فضح الممارسات العدوانية للأنظمة ضدّ الشعوب الآمنة تحت ذرائع يتم إيجادها وتوريدها إلى العالم بطرق مختلفة.

وأكد على أنهم في موقع ويكيليكس يحاولون تسليط الضوء على خفايا الحروب ويريدون التركيز على الحقيقة التي تضيع في أروقة السفارات والوعود الدبلوماسية، وأشار إلى حقيقة أن الدبلوماسية الغربية تتلبّس الآن أقنعة لدرجة أن الإعلام الغربي بدأ يفقد مصداقيته التي حاولت الشعوب الأوروبية عبر نضالها الطويل إنجازها، فالقائمون على الإعلام الحر في أوروبا بدؤوا يتخوفون الآن من تقييده بسن قوانين شتى؛ لأنهم بدؤوا يشعرون أكثر من أي وقت مضى أن الآلة السياسية طغت على حرية الإعلام عبر توجهه ليكون طواعية لأهدافها سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فالإعلام الأوروبي موجه للخارج أو بعبارة أدق موجه للعرب (الأوروبيين) وإعلام خارجي موجه للعرب في البلاد العربية، هذا بالضرورة أثرّ على طريقة تداول الحقائق وتشويه الحقيقية وما فعلناه في ويكيليكس هو وضع الحقيقة بيد الرأي العام العالمي.
وأضاف أنه بنشرنا لآلاف الوثائق السرية حول سنوات الحرب الدائرة في أفغانستان، سنسلط المزيد من الأضواء على العنف المفرط والمعاناة اليومية التي خلفتها الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عند جبال الهندوكوش. وأضاف أسانج أنه يمكن لتلك الوثائق المنشورة أن تحدث تغيراً جذرياً في مواقف الرأي العام في المجتمعات الغربية وأصحاب التأثير السياسي والدبلوماسي فيها من الحرب الأمريكية في أفغانستان. واعتبر أن حجم المعلومات الضخم الذي كشفت عنه الوثائق سيجعل كل ما قيل ونُشر حول حرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان بلا قيمة، ويهيل عليه ركام النسيان.