بقلم : محمد محمود عثمان
العلاقات المصرية - العمانية، علاقات متجذرة عبر التاريخ، بعد أن بدأت منذ عهد الملكة حتشبسوت والرحلات المتكررة إلى منطقة ظفار مصدر إنتاج اللبان في هذا العصر التي تمثل رصيدا تاريخيا لم يمح من الذاكرة نظرا للعمق الحضاري المشترك والمدون في الآثار القديمة كشاهد على حي أهمية تلك العلاقات، وقد سجلت النصوص الفرعونية إحدى عشرة رحلة بين مصر وظفار أولها في 2590 ق.م في زمن خوفو الأكبر وآخرها في 1160 ق.م زمن رمسيس الثالث، كما ظهرت صور لأشخاص من ظفار بين آثار مصر تعود إلى 3400 ق.م، وتدل الآثار على أن بلاد إرم وبونت التي وردت في نقوش الدير البحري للملكة حتشبسوت في 1400 ق.م هي لمنطقة ظفارجنوب عمان التي تسمى محافظة ظفار الآن، حيث البخور واللبان الذي أحتاجت المعابد المصرية لكميات كبيرة منهما، وتؤكد صور الجبال وأشجار اللبان على جدران المعابد المصرية القديمة ذلك.
والآن تتوصل الحضارتين المصرية مع العمانية مجددا مع زيارات الرئيس عبدالفتاح السيسي للسلطنة التي بدأت في عام 2018، لتعزيز التعاون المثمر من خلال التوجهات والتفاهمات القائمة على المصالح المشتركة للبلدين السياسية والاقتصادية، التي تحقق أيضا التوازن على الساحتين العربية والإقيمية، التي تعج بالمشاكل الآنية التي تهدد الأمن والسلام والاستقرار وذلك باعتبار ان مصر من الركائز الاساسية لأمن المنطقة، وعُمان طرف الميزان الثاني في منطقة الخليج التي تعاني -المنطقة-من الاحتقان خاصة ما يتعلق بالوضع في اليمن، ومشاكل الاتفاق حول البرنامج النووى الإيراني، وعلاقات إيران مه جيرانها من الدول العربية والعلاقات المتارجحة مع دول المنطقة.
لذلك تأتي زيارة الرئيس السيسي للسلطنة ولقاء القمة الذي يجمعه بالسلطان هيثم بن طارق لاستشراف معالم الطريق الصحيح الذي يحمى المنطقة من التداعيات السلبية والأطماع التي تفكر فيها الدول الكبرى ويضعها على الطريق الصحيح خاصة مع حاجة المنطقة إلى التشاور والتنسيق والتعاون لمواجهة التحديات القائمة والمستقبلية في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية والتوترات السياسية الدولية، والحاجة إلى التنسيق المستمرقبل زيارة الرئيس الإمريكي للمنطقة في منتصف شهر يوليو المقبل.. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال توافق الرؤى السياسية للقائدين حول القضايا المحورية التي يتأثر بها الجميع بعد تصاعد الأزمة الاقصادية العالمية بعد حرب روسيا على أوكرانيا وارتفاع معدلات التضخم عالميا، ومشاكل سلاسل إمدادات السلع.. لذلك فإن القمة الثنائية بين الرئيس عبدالفتاح السيسي وأخيه السلطان هيثم بن طارق تدعم وتوطد العلاقات الراسخة بين البلدين، التي لم تتأثر بالمتغيرات والاحتقانات التي تطرأ على العلاقات العالمية والإقليمية، وتعد القمة المصرية العمانية رمانة الميزان، التي تضمن الأمن والاستقرار للمنطقة التي تشهد العديد من التحولات.. كما أن هذه الزيارة الأولى للرئيس السيسي بعد تولى السلطان هيثم مقاليد الحكم في سلطنة عمان، تمثل دربا جديدا لتحقيق مصالح البلدين، وسوف تؤسس لعلاقات ثنائية متميزة في شتى المجالات وخاصة في القطاعات الاستثمارية والاقتصادية وزيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة، التي تعبر عن عمق العلاقات وتميزها، وتسهم في الاستفادة القصوى من الموقع المتميز لسلطنة عمان على المحيط الهندي، والمقومات والفرص الاستثمارية الواعدة في عدة قطاعت تحقق التنوع في الموارد والدخل، وكذلك الاستفادة الموقع اللوجستي المتميز لمصر في إفريقيا كبوابة الدخول إلى الأسواق الإفريقية باعتبارها عضو بارز في مجموعة الكومسيا الاقتصادية وتمتلك نوافذا حيوية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط في اتجاه القارة الأوروبية، وخاصة أن مصر وسلطنة عمان تربطهما، العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والفنية واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات، وإنشاء مجلس أعمال مصري عماني، وبرنامج عمل للتعاون السياحى، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، إلى جانب العديد من مذكرات التفاهم في المجال الزراعى والبيئي، وبين سوق مسقط للأوراق المالية وبورصتي القاهرة والإسكندرية، مما يؤكد على الصلات الوثيقة بين البلدين، وأن اللقاءات بين المسؤولين في السلطنة ومصر تستثمر هذه العلاقات المتميزة في المزيد من الاستثمارات والتبادل التجاري لتعظيم التجارة البينية، وكذلك الاستفادة من السوق المصري الذي يعتبر إحدى المحطّات الهامة التي يمكن من خلالها إعادة التصدير للبلدان المجاورة، بالإضافة إلى تميزه بالقدرة الاستهلاكية والكثافة السكانية وإمكانياتها الشرائية.