بقلم : محمد الرواس
«مما لا شك فيه إن الفرد يتأثر بالسلوكيات التي تنشا حوله من أسرة وأصدقاء وزملاء وأصحاب خاصة المقربين منه ؛ لذلك وجب ان تكون الأسرة هي اللبنة الاجتماعية الأولى التي تقوم بتسوية اخلاق الفرد حيث تنتج السلوكيات الصالحة متى ما صلحت الأسرة ؛ فمن الأسرة يتم اقتباس السلوكيات والعادات والتقاليد ويتعلم الفرد تجاربه الأولى في الحياة«.
وضع المولى عزوجل للأخلاق المكانة السامية عندما تشرفت بان قلدها للمصطفى عليه الصلاة والسلام كأرفع وسام شرف انيط بإنسان في الكون «وانّك لعلى خُلقٍ عظيم «(الآية الكريمة) شهادة ربانية ما بعدها شهادة.
لماذا يحتاج المجتمع للأخلاق ؟ ان المجتمع والفرد يحتاج للأخلاق الفاضلة مثل حاجته للماء والهواء من أجل أن ينشأ مجتمع فاضل وفاعل ؛ هذا بجانب كون المجتمع المتسم بالأخلاق الفاضلة يزداد تماسكاً خاصة عندما تُزرع بين افراده الأخوة الصادقة وينتشر الإيثار بين افراده.
إن الاخلاق تضبط سلوك الفرد وتهذبها وتدل صاحبها على ممارسة معايير حسن الخُلق ؛ وتشجعه على التعاون والعمل الجماعي فتصبح الثقة بين افراد المجتمع صفة عظمي فينتفي عن المجتمع صفات الخيانة والغدر حيث ان الاخلاق تعمل على الانضباط والتوازن في الحياة وتقود أصحابها الي العمل بأهداف سامية تدفع بالمجتمع الي سيادة القانون والأمن والعدل والأعراف الحسنة.
ماهي المهام التي تنهض بها الأخلاق ؟ يأتي هذا السؤال مباشرة ليكمل ما سبق فالمشكاة واحدة والاجابة بأن لها وظيفتان ؛ الأولى تطويرية تهدف الي جلب المنفعة المشتركة للمجتمع ؛ والوظيفة الثانية معاصرة وتهدف الي إضفاء طابع السلوك الحسن اليومي والمباشر والمستمر بالمجتمع والقصد هو نشر الشعور بالرضى من أجل ان يأخذ الجميع حقوقهم بكل انصاف وعدالة فمتى ما طبُق القانون واخذ مجراه من خلال تنفيذ العقوبات الرادعة لكل جرم بالمجتمع تترسخ العدالة ويصبح الجميع متساوون تحت مظلة القانون بحماية الاخلاق والأمن والعدل «وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (الحديث الشريف).
أن دور الأخلاق في بناء مجتمع متماسك أمر بغاية الأهمية حيث ان الاخلاق هي الأساس المنظم للحياة والتعاملات وعلى راسها الصدق والأمانة ؛ لذلك تساهم الأخلاق بشكل مباشر وغير مباشر في بناء مجتمع يسعى لتطوير نفسه في مجالات الحياة المختلفة من تنمية وبناء سلوكي فالأخلاق هي المهذب الأول للأفكار والسلوكيات المجتمعية حيث تزرع الألفة وتقوي الروابط بين افراده وتعمل على تجنب الاضرار بالفرد والمجتمع لأنها تحافظ عليه متماسكاً.
أما اذا غابت الاخلاق الفاضلة عن المجتمع فأن الآثار السلبية من السلوكيات المشينة والافعال الجرمية تنبت بالمجتمع ويسود المجتمع عدم الرضى في علاقة الافراد بعضهم ببعض وتنعدم الثقة مما يولد مشاعر يشوبها الشكوك بين الناس فتنتشر فوضي ينعدم فيها الالتزام خاصة بالقوانيين وتصبح المصالح الشخصية وحب الذات هما المسيطران ويصبح المجتمع في خطر حقيقي ؛ فالجريمة تأتي نتيجة سقوط الأخلاق وانتشار الظواهر السلبية ، فالجريمة هي نتاج الصراعات الشخصية بين الفرد والاخريين تنشا وتتكاثر في ظل غياب التماسك سواء الأسري او المجتمعي ؛ والجريمة التي هي من نتاج تردي الاخلاق ظاهرة اجتماعية قبل ان تكون حالة قانونية لذا ستبقى موجودة ما دامت الحياة ودام الانسان على ظهر الأرض ؛ وجميعنا يعلم ان الاجرام في حق الآخرين نتيجة لحالة الصراع بين الافراد وبعظهم البعض وهو تهديد لأمن واستقرار المجتمعات.
ختاماً صنف علماء الاجتماع الجريمة سواء كانت أخلاقية او جسدية على انها من تداعيات سقوط الاخلاق بالمجتمع وهي سلوك مخالف للقيم السماوية والأعراف المجتمعية ، واخرون صنفوها على انها نتيجة الضغوط الحياتية تحت تأثير النفس الأمارة بالسوء ؛ ووسوسة الشيطان لذا سُنت القوانين عبر العصور والأزمنة مدعومة بمنظومات اخلاقية لتفادي انتشار الجريمة وتفشيها ووقوعها ؛ من أجل ان تبقى الاخلاق راسخة بالمجتمعات لحمياتها من كل الشرور.