العلاقات العمانية – المصرية .. راسخة رسوخ الجبال .. تغلفها وشائج العروبة والمحبة

بلادنا الأحد ٢٦/يونيو/٢٠٢٢ ١٦:٥٣ م
العلاقات العمانية – المصرية .. راسخة رسوخ الجبال .. تغلفها وشائج العروبة والمحبة

مسقط - خالد عرابي

تعد العلاقات (العمانية – المصرية) نموذجا راسخا ليس للعلاقات العربية والإقليمية النموذجية فحسب، بل نموذجا متميزا ورائعا للعلاقات الدولية السامية، الرفيعة، والفريدة، وذلك لما تحظى به من مقومات تاريخية وأبعاد سياسية ودبلوماسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وفي كافة مناحي الحياة.

وتتميز تلك العلاقات بأنها في قوتها راسخة رسوخ الجبال، لأنها علاقات تربط بين حضارتين عظيمتين، هما العمانية و المصرية، وهي علاقات مغلفة بوشائج الأخوة العربية والصداقة والمحبة، وتتمتع ببعد حضاري ضارب في جذور التاريخ، إذ تمتد العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى أكثر من 4000 سنة، وهناك الكثير من الشواهد التاريخية التي تدلل على بعد وعمق هذه العلاقات، فقد زارت الملكة المصرية حتشبسوت ظفار في رحلة تاريخية شهيرة، كما ويعود التبادل التجاري بين البلدين إلى حقبة ما قبل التاريخ أي بين قدماء المصريين وأهل عُمان، وتشير المعلومات التاريخية المؤكدة إلى أنه كان يتم تصدير اللبان العُماني الشهير من ظفار إلى مصر، وقد وجد اللبان العماني في المعابد المصرية القديمة، إذ كان المصريين القدماء يستخدمونه في البخور وتطييب تلك المعابد، واستمرت تلك العلاقات بهذه القوة وهذا الزخم على مر الحقب التاريخية وصولا إلى العصر الحديث، مرورا بعهد الرؤساء المصريين: جمال عبدالناصر، أنور السادات، وحسني مبارك، وفي عهد المغفور له بإذن الله تعالى السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه-، وما زالت هذه العلاقات بهذا الهدي تقتدي، وعلى النهج تسير في ظل قيادة الزعيمين حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي - حفظهما الله ورعاهما- مما جعلها علاقات رصينة لا تتأثر بأي تحول سياسي إقليمي أو دولي.

ويقوم فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية غدا (الاثنين) بزيارة رسمية إلى سلطنة عمان تستغرق يومين، سيتم خلالها بحث عدد من المجالات ذات الاهتمام المشترك، لخدمة مصالح البلدين الشقيقين، إضافة إلى الموضوعات التي تهم الجانبين في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية.

وما زيارة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي هذه للسلطنة، والتي تعد الثانية منذ توليه مقاليد الحكم في جمهورية مصر العربية الشقيقة إلا استكمال لهذه المسيرة الخالدة والمظفرة بين البلدين الشقيقين. كما أنها زيارة تعكس مدى حرص القيادة السياسية المصرية واهتمام السياسة الخارجية المصرية بسلطنة عمان، والحرص على دعم السلطنة في جهودها ومواقفها على مدى العقود الماضية وحاضرا في القضايا والملفات المختلفة.

ويمكن أن نصف العلاقات العمانية – المصرية في العهد الحالي بأنها علاقات سياسية وطيدة وقوية؛ يسودها التعاون والتشاور والتنسيق المستمر بين البلدين في مختلف القضايا محل الاهتمام المشترك، وخاصة الثنائية، والإقليمية والدولية." وتقدر مصر قيادة وحكومة وشعبا الدور الذي تلعبه عمان على كافة المستويات وخاصة في حل النزاعات والصراعات الدولية، كما تقدر سلطنة عمان قيادة وحكومة وشعبا وعلى كافة المستويات الدور الذي تلعبه مصر في حل الصراعات والنزاعات من أجل شعوب المنطقة، كما يتم التنسيق بين البلدين في كافة القضايا السياسية المطروحة في المحافل الإقليمية والدولية."

وقد زار فخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي السلطنة في عهد المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- في 4 فبراير 2018 في زيارة دولة استمرت ثلاثة أيام، وحظيت باستقبال وترحيب خاص على كافة المستويات الرسمية والشعبية، وقد ثمن السلطان قابوس "رحمة الله عليه" أثناء استقباله للرئيس السيسي في حينها دور مصر والمكانة التي تحظى بها، معتبرا إياها دعامة رئيسية لأمن واستقرار المنطقة. وأكد السلطان الراحل، حرص بلاده على تعزيز العلاقات الثنائية مع مصر على جميع المستويات، وقد أتفق الجانبين في حينها على أهمية العمل على تطوير التعاون بين البلدين، خاصة على الصعيد الاقتصادي والاستثماري وتعزيز التبادل التجاري بما يرقى إلى مستوى العلاقات المتميزة بين البلدين الشقيقين.

هذا وتطرقت المباحثات في حينها إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وأهمية تضافر جهود المجتمع الدولي من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للأزمات التي تشهدها بعض دول المنطقة وخاصة اليمن وسوريا ولبنان والعراق.

العلاقات الاقتصادية بين البلدين

تعتز الدولة المصرية قيادة وحكومة وشعبا بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين الشقيقين، وتسعى دائما إلى الارتقاء بها والنهوض بها قدما إلى أعلى وأرفع المستويات، إذ ترى القيادتين في البلدين الشقيقين، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، و فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي - حفظهما الله ورعاهما- أن حجم التعاون لاسيما الاقتصادي والاستثماري بين البلدين ما زال لا يرقى إلى حجم العلاقات المتميزة والروابط المتينة بين البلدين، ولذا يوجهان دائما إلى الاهتمام والنهوض بها على كافة المستويات.

وتشيد الدولة المصرية بسياسة الدبلوماسية الاقتصادية العمانية التي وجه بها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- و تبنتها حكومة السلطنة الرشيدة في ظل "رؤية عمان 2040" والتي أنعكس أثرها الإيجابي خلال الفترة الماضية على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتتطلع الحكومة المصرية إلى الارتقاء أكثر بمستويات التعاون الاقتصادي والاستثماري والتبادل التجاري بين البلدين، وتسعى إلى ترقية العلاقات بين البلدين إلى حد العلاقات الاستراتيجية القائمة على أساس اقتصادي تسعى من خلاله إلى زيادة التعاون الاقتصادي والاستثمارات، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين.

تسعى الحكومة المصرية دائما إلى تسهيل المعوقات أو العقبات التي تواجه المستثمرين العمانيين في بعض القطاعات المختلفة مثل الطاقة والنفط، والطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر وخاصة في ظل أزمة الطاقة العالمية وخاصة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية. و تدعو مصر رجال الأعمال المصريين إلى زيادة استثماراتهم في السلطنة أيضا حتى يكون التعاون بين البلدين على مستوى متكامل من التعاون وخلق شراكات اقتصادية تعود بالنفع على البلدين و الشعبين الشقيقين.

كما تسعى مصر إلى استقطاب الاستثمارات العمانية إلى مصر في العديد من المجالات الاقتصادية المختلفة، ولاسيما في المناطق الاقتصادية الحرة مثل منطقة قناة السويس، مما سيرفع من حجم التعاون الاقتصادي بين البلدين. كما تحرص مصر على تعزيز أواصر التعاون الاقتصادي بين سلطنة عمان ومصر خاصة في ظل توافق الرؤى وعلاقات الأخوة التي تربط القيادة السياسية وحكومتي البلدين، وأهمية ترجمة هذه العلاقات الوطيدة إلى مشروعات كبرى تعود بالنفع على الاقتصادين المصري والعماني وتلبي طموحات الشعبين الشقيقين وتخلق مزيدا من فرص العمل.

وتشهد العلاقات ‏الاقتصادية العُمانية – المصرية زخما كبيرا خاصة في ظل إيمان القيادة السياسية في البلدين بأهمية تنمية وتوسيع حجم العلاقات المشتركة بين البلدين خلال المرحلة المقبلة. فالعلاقات الاقتصادية العُمانية – المصرية، علاقات وثيقة واستراتيجية، تقوم على تعزيز التعاون التجاري والصناعي والاستثماري المشترك بين البلدين، وتستهدف تعزيز معدلات النمو الاقتصادي لعُمان ومصر ."

ويصل حجم التبادل التجاري بين سلطنة عمان و مصر إلى حوالي 500 مليون دولار أمريكي، وتبلغ الاستثمارات العمانية بالسوق المصرية 77.5 مليون دولار موزعة على 92 شركة في مجالات الصناعة والسياحة والإنشاءات والزراعة، في حين تبلغ الاستثمارات المصرية بالسوق العماني 680 مليون دولار موزعة على 142 شركة متخصصة في مجالات البنية التحتية ومشروعات الطرق والاستثمار العقاري، وتتنوع الشركات العمانية بين شركات متخصصة في أسماك السردين والتونة والرخام والأخشاب والموبيليا وخراطيم البلاستيك والمراتب والأدوية ومنتجات الألبان وصناعة الكابلات والأسلاك الكهربائية والبسكويت وشركات المكرونة وشركات المنظفات والعصائر ومعجون الطماطم وغيرها.

" وتتمثل الصادرات المصرية إلى سلطنة عمان في منتجات الألبان، المنتجات الزراعية، آلات ومعدات الكهربائية، اللدائن الاصطناعية ، منتجات الخزف، المستحضرات الدوائية، الزيوت العطرية المنتجات الكيماوية، والنحاس ومصنوعاته . فيما تتمثل الواردات المصرية من سلطنة عمان في: الحديد والصلب ومنتجاته، الأسماك والقشريات، الآلات والأجهزة والمعدات والمنتجات الكيماوية العضوية، البترول و المنتجات البترولية والوقود المعدني، والزيوت المعدنية."

المواقف العمانية الداعمة

كانت وما زالت وستزال المواقف العمانية داعمة للقضايا والأدوار العربية عموما وعلى طول الخط، ولن تنسى مصر الدور والموقف العماني معها ومساندتها أثناء حرب أكتوبر المجيدة في عام 1973، حيث أطلق المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- مبادرة تاريخية، وذلك حينما أصدر في حينها مرسوما سلطانيا يقضي بتبرع الموظفين والمواطنيين العمانيين بربع رواتبهم لدعم مصر، كما أرسل بعثتين طبيتين عمانيتين إلى مصر. كما لا تنسى مصر الدور العماني وموقف السلطان قابوس "رحمة الله عليه" معها عقب توقيع مصر إتفاقية كامب ديفيد، إن كان السلطان قابوس بن سعيد هو الزعيم العربي الوحيد الذي لم يقطع علاقتاه بمصر إطلاقا.

كما أن الموقف والدور العماني تجاه الشقيقة مصر لم يتغير ولم يتزحزح وظلت سلطنة عمان مساندة وداعمة لمصر في ظل أحداث الربيع العربي، كما كانت السلطنة داعمة ومؤيدة لمصر أيضا في موقفها من جماعة الأخوان المسلمين المحظورة وما قامت به من أدوار تخريبية ضد البلاد.

هذا وتشيد مصر بالدور العماني المؤيد والمساند لها في قضية سد النهضة، وظهر ذلك جليا في الزيارات السابقة ومنها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري معالي سامح شكري في 22 و23 يناير 2022 بهذا الشأن وقد وجدت مصر دعما كبيرا من السلطنة في هذا الملف.

تأييد مصري للدور العماني

حظيت تلك العلاقات بتطابق في الرؤى في كثير من القضايا والملفات المحلية والإقليمية والدولية، وتؤيد جمهورية مصر العربية الدور العماني في الوساطة والدبلوماسية العمانية المتزنة والتي تعتمد على عدم التدخل في شؤون الغير، وهو ما يتوافق تماما مع الرؤية المصرية.

تأييد الدولة والحكومة المصرية سلطنة عمان في مواقفها النبيلة والمشرفة في كثير من القضايا الدولية والملفات الإقليمية لاسيما وأن السلطنة تعرف بمواقفها الوسطية والحيادية النبيلة ومنها: الدور العماني تجاه ما يحدث في اليمن والسعي إلى إخماد الفتنة ووقف وطأة الحرب الدائرة هناك لا لشيء سوى للمساعدة في نشر السلم والسلام، والأمن والاستقرار في الدول العربية الشقيقة.

كما تؤيد مصر السلطنة في موقفها المشرف أيضا في الملف النووي الإيراني ودور الوساطة ومحاولاتها الدائمة في تقريب وجهات النظر بين الجانبين الأمريكي والإيراني، حيث نجحت تلك الجهود العمانية و الدولية فعليا في الوصول إلى حلول سلمية تمثلت في الإتفاق النووي الأمريكي الإيراني الشهير، والذي تخلى عنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لتعود جهود الوساطة الدولية والعمانية مرة ثانية في مسعى للوصول إلى إتفاق سلام جديد.

وكما هو معروف فإن مصر وفي إطار اهتمامها بالقضايا الدولية لاسيما الملحة ومنها ما يتعلق بالمناخ، فإنها ستستضيف قمة تغيير المناخ " كوب 27" في نوفمبر المقبل بمدينة شرم الشيخ، والتي ستحظى بحضور لفيف كبير من قادة العالم والمنظمات الدولية والإقليمية، وفي إطار العلاقات الودية بين البلدين فقد وجهت مصر دعوتها للسلطنة لحضور هذه القمة وتتطلع إلى حضور وتمثيل أعلى المستويات من السلطنة في هذه القمة.

العلاقات الثقافية والفنية بين البلدين

بما أن العلاقات المصرية - العمانية، تتميز بأنها ليست بالعلاقات الحديثة، وأنها علاقات ضاربة في التاريخ، الأمر الذي أدى إلى تعاون كبير أيضا في الجوانب الثقافية والفنية وقد شهدت العقود الماضية تعاونا في الثقافة والفنون سواء في إقامة الندواث الثقافية والعلمية والحفلات الفنية ومعارض الفنون التشكيلية والتصوير الضوئي وغيرها.

الجالية المصرية في السلطنة

تشيد جمهورية مصر العربية دائما بالدور والموقف العماني المحترم والمشرف في التعامل مع أبناء الجالية المصرية المقيمين على أرض سلطنة عمان الشقيقة، إذ تحرص السلطنة قيادة وحكومة وشعبا على الاستعانة ببعض الخبرات المصرية المختلفة في عدد من القطاعات مثل التربية والتعليم، الصحة، والإعلام، والتعاون في العديد من المجالات المختلفة.

ومن القطاعات المهمة التي يعمل بها المصريون في السلطنة التربية والتعليم، حيث ينتشرون في ربوع السلطنة وفي مختلف المحافظات والولايات منذ عقود يدرسون معظم التخصصات في سبيل نشر العلم والمعرفة . كما تلعب المدرسة المصرية بفرعيها في العاصمة مسقط وفي صلالة دورا كبيرا في توفير تعليم راقي ومتميز سواء لأبناء الجالية المصرية أو غيرها من أبناء الجاليات الأخرى.

وتعد الجالية المصرية الأولى عربيا والرابعة دوليا للجاليات المقيمة على أرض السلطنة، وذلك بعد الجالية البنجالية، الهندية، والباكستانية، ويصل تعدادها إلى 65.448 نسمة، وتتميز بأنها جالية مميزة إذ يغلب على معظمها التعليم العالي والثقافة والعمل في قطاعات متميزة من حيث التعليم والمستوى الاجتماعي، فيعمل معظم المصريين في حقول مثل التربية والتعليم والإعلام والصحة والمحاسبة وغيرها، ويعمل المصريون بجانب أشقاءهم العمانيين في سبيل نهضة وتطور البلاد دون أن يشعروا بأدنى تفرقة، فالعدالة والمساواة والطيبة وحسن المعاملة كلها سماة تغلف التعامل العماني مع جميع الوافدين والمقيمين عموما. كما يتميز أبناء الجالية المصرية في السلطنة بمواقفهم الاخلاقية والنبيلة وحرصهم على الظهور بالمظهر اللائق المشاركة في كافة المناسبات التاريخية والاجتماعية والثقافية وغيرها في السلطنة وذلك من قبيل حسن التعامل و رد الجميل، وحرصا على العلاقات الطيبة بين البلدين والشعبين الشقيقين.