بقلم: محمد محمود عثمان
إشكاليات الاستثمار كثيرة ومتعددة وتزداد تعقيدا مع الازمات السياسية والاقتصادية المتجددة ، والغريب أننا نتكلم كثيرا عن التسهيلات المقدمة لجذب المستثمرين، ولكن الواقع الميداني على عكس ذلك تماما وكأننا نعمل على طرد المستثمرين ، لأن التطبيق الفعلى يعكس معاناة المستثمرين في بدء مشروعاتهم أو الاستمرار فيها ، التي ينتج عنها هروب الاستثمارات وخروجها من السوق، بعد أن تتعثر الشركات أو تعجز عن الوفاء بالتزماتها الإنتاجية والتزماتها للعاملين وللبنوك وسداد القروض.
لذلك يتعرض الكثير من المستثمرين للإفلاس أو للسجن ، وهذه انطباعات غير جيدة عن المناخ والبيئة الاستثمارية المواتية ، ورسائل سلبية لكل دول العالم تنتقل بسرعة للآخرين ،ومن الصعب نسيانها أو تغييرها من الوجدان بسهولة أو على المدى القريب ، في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية ، ما يصعُب معه دخول استثمارات او مستثمرين جُدد.
والمستثمرون هم أول من يشعر بذلك مع استمرار المعناة من الروتين والقوانين والتشريعات المحبطة غير المستقرة ، لأن التغيرات المفاجئة التي تطرا على قوانين الاستثمار من العوامل القوية التي تفقد الثقة في هذه التعاملات المتقلبة أوغيرالمتوقعة ، بل وتنفر المستثمرين من التعامل مع هذه المنظومة التي تعرقل انسياب العمل وتعوق تدفق الاستثمار، وتضع الاقتصاد في تصنيفات التنافسية العالمية في مرتبة متأخرة ، التي تؤثر على محاولات السعي إلى جلب الاستثمارات الأجنيبة ، وتؤثر سلبا على الحصول على القروض من المؤسسات المالية العالمية ، وهذا الذي نعاني منه خاصة في الدول النامية التي تخفق في التطبيق السوي للوائح والقوانين القائمة ،لأنه حتى ولو كانت القوانين سوية فإن التطبيق السيء يجعلها أكثر سوءا ، لذلك نشهد أن الدول الأكثر جاذبية للاستثمارات هى الأقدر على ترويض القوانين الجامدة لتسهيل وتسريع تعاملات المستثمرين ، بل وتؤكد على حمايتهم أيضا من تأثيرات القوانين السلبية على حريتهم الشخصية ، والواقع أن الدول التي تعرضت لجائحة كورونا وتوابعها على الاقتصاديات وعلى الاستثمارات بشكل خاص ، لم يخرج منها المستثمرون سالمين بعد أن كبلتهم الديون والقروض ، بسبب الأنظمة الاقتصادية التي لم تضع آليات لمواجهة ذلك بالتشريعات الجديدة التي تحفظ حقوق الجميع ولا تتسبب في الإضرار بخطط الاستثمارات الضرورية التي تعمل على توطين الصناعات والمحافظة على المشروعات الاستثمارية القائمة.
إن العالم الآن مُقبل على عواصف وأعاصير اقتصادية لا نعلم من أين ستبدأ ولا متى ستنتهي ، ولا ندري آثارها وعواقبها أو حجم الدمار الذي قد يحدث ، ولذلك هناك حاجة ماسة إلى تشكيل لجنة من البنوك المركزية والتجارية ووزارات التجارة والصناعة وغرف التجارة والصناعة وهيئات الاستثمارالمسؤولة لتقييم المشروعات الاستثمارية المتوقفة أو المتعثرة أو التي تعلن عن تصفيتها قبل الإفلاس أو تفكرأو تخطط في الهروب إلى ملاذات استثمارية أكثر أمانا،وهذا يفرض علينا وجود دوائر قضائية عمالية وتجارية متخصصة إلى جانب مراكز التحكيم التجاري ، لإعادة جدولة الديون والقروض للشركات التي أثرت فيها المتغيرات الاقتصادية وجائحة كورونا ، وكذلك للفصل السريع في المنازعات التجارية والاقتصادية في مجال الاستثمارات والأعمال التجارية والاقتصادية بشكل عام ، مع التوسع في شركات التأمين وإعادة التأمين ، لتأمين الحماية ضد المخاطر ، ووضع الحلول التي تساعد على استمرارها من خلال ضوابط قانونية و فنية ومالية جديدة ، لأن مجرد تهديد المستثمرين أو خشيتهم للتعرض للسجن سدادا للقروض البنكية يعطي انطباعات دولية سيئة عن المناخ الاستثماري في أي دولة ،مهما بذلت من جهود لجذب الاستثمارات الأجنبية ، فضلا عن اضطراب الأسواق وعدم الاستقرار المفضي إلى الخسائر، ومن الضروري أيضا مراجعة آليات التوظيف في المشاريع الاستثمارية وفقا لطبيعة المشروعات ومتطلباتها من الكفاءات من الأيد العاملة المحلية أو الأجنبية طبقا لتقديرات المستثمرين، لصنع سوق عمل مرن وقادر على التكيف مع التطورات والمستجدات العالمية ،لأن من أكبر المشاكل والتحديات التي تواجه المستثمرين حتى بعد انقشاع جائحة كورونا من معظم دول العالم أن تداعياتها لازالت جاثمة على الأرض ، بل تواصلت مع الآثارالاقتصادية الكارثية لحرب روسيا على أكورانيا ، وأثرها على الاستثمارات بكل أنواعها لتمثل عقبات جديدة في طريق الاستثمارات والتنمية الاقتصادية ، وتجعلنا لا نتفاءل كثيرا بالتعافي السريع ، نظرا للسير في اتجاه الركود الاقتصادي ، بعد أن تصاعدت مشاكل سلاسل الإمدادات والتوريد لموارد الغاز والطاقة وللسلع والمواد الخام وقطع الغيار والمواد الغذائية ، ما يدعونا إلى اليقظة والحذرفي التعامل مع إشكاليات الاستثمارومشاكل المستثمرين ، لأن تفاقم هذه الأمور يضعنا أمام أوضاع اقتصادية صعبة ستعاني منها الدول الغنية وتتأثرمنها بشدة الدول الفقيرة التي إذا خسرت الاستثمارات القائمة ، لن تستطع تعويضها بسهولة أو في وقت سريع فسوف تنهاراقتصادياتها سريعا، مما يحتم علينا الحفاظ على موقعنا ووضعنا الاقتصادي في العالم والسعى لتحقيق الأفضلية التي تساهم في جذب الاستثمارات العالمية.