بقلم: علي بن راشد المطاعني
التجديدات والتغيرات في الدول والحكومات كغيرها من سنن الحياة أمر يتطلب من حين لآخر، تستمد منه ديمومتها، واستدامتها. والتغير للأفضل هو الهدف الأسمى من أي إجراء أو تعديل وزاري أو إعادة تشكيل الحكومات وفق مقتضيات الأمور ومراعاة المصلحة العامة في الأساس.
والتغيرات تأتي بعد تقييمات ومراجعات شاملة للأوضاع والتطورات، وتحتاجها الحكومات لتسيير أعمالها أو بلورة توجهات جديدة تتواكب مع المستجدات الحياتية في المجتمعات وما يشهده العالم من حولنا.
الأمر الذي يتطلب أن نتفهم بأن التعديلات والتغيرات وأي إجراء أمر طبيعي أن يحدث، ويجب أن يكون كلما اقتضت الضرورة والمصلحة.
وليس في ذلك أي قصور في شأن من شؤون الدولة أو أجهزتها؛ لأن الأمور في أي دولة أو حكومة ليست مرتبطة بشخص المسؤول أو الوزير أو الوكيل؛ وإنما العمل كمنطومة هو ما يحدد التغير؛ بل إن المسؤول أيا كانت قدراته وإمكانياته العلمية والعملية لا يمكن أن يحدث شيئا إذا ما لم تتوفر له المقومات والإمكانيات التي تعينه على أداء مسؤولياته ودوره؛ ولعل من أهمها تناغم كل العاملين وانسجامهم، وتفانيهم في العمل تحت مظلة أي جهة ورئاسة أي مسؤول؛ وهو ما يسمى بفريق العمل.
فالإمكانيات المادية إذا ما لم تتوفر لأي حكومة أو جهة أو مسؤول لا يمكنه أن يعمل كل ما يخطط له أو يهدف إليه، فضلا عن أن أداء المنظومة الحكومية سواء التنفيذية أو التشريعية أو القضائية والمجتمع بأكمله في كل دولة إذا لم تعمل بنسق واحد فلن تستطيع أي جهة بمفردها أو حكومة أو مسؤول أن يحدث تغيرا جذريا يتطلع إليه الجميع.
ولعل التغيرات التي صدرت الأسبوع الفائت في سلطنة عمان لا تخرج عن هذا السياق؛ فالتطوير والتقييم والمتابعة والتجربة للأطر والهيئات والمؤسسات وكيفية تعاطيها مع متطلبات العمل يحتكم للواقع ومتغيراته، فإعادة تشكيل مجلس الوزراء وصدور المراسيم الخاصة بالمنظومة القضائية، وتطوير عمل المحافظات وغيرها يأتي وفق منظومة التطوير والتحديث في أجهزة الدولة لتتواكب مع المعطيات الراهنة والمستقبلية، وتعيد تصحيح بعض التوجهات التي جاءت غير متلائمة مع معطيات الواقع ومتطلباته، فالتغيير أيا كان لا يجب أن يحكم عليه إلا من بعد تجربته وتقييمه ومدى نجاحه وسلاسة تنفيذه، وهو ما هدفت إليه التشريعات التي صدرت لمراجعة مدى توافق ما صدر في السنوات الماضية.
ولا ريب أن عملية التطوير سوف تستمر ما دامت هناك حاجة لها لإعطاء المزيد من التطوير والتحديث في مؤسسات الدولة.
إن الدول والحكومات تمر بمراحل طويلة لكي تستقر على أنظمة ومؤسسات تفي بمتطلباتها، ومع ذلك تراجع بين فترة وأخرى ما يستجد من أوضاع يتطلب مواءمتها مع المتغيرات؛ فالنهضة المتجددة ما زالت في المهد وفي طريق طويل وشاق في المرحلة الانتقالية بالمجتمع من حالة إلى أخرى أكثر ديناميكية وسرعة، ويتطلب أن تشهد تغيرا جذريا في تفكير المجتمع، باعتباره المستهدف من أي تغير.
فالتغير الذي نشهده متدرج، ويأخذ بعوامل كثيرة أهمها التوازن في إدارة التغير، وتمازج المؤهلات والخبرات والتكنوقراط والدماء الجديدة لبلورة انتقال سلس في إدارة العمل في مؤسسات الدولة.
بالطبع من الأهمية بمكان أن نستفيد من الأخطاء والتجارب السابقة في إدارة العمل في مفاصل الدولة، وأن تكون هناك حوكمة ومسؤولية في العمل، وتقييم مستمر.
وكذلك لابد أن نشكر كل من أسهم في العمل بمؤسسات الدولة وفق ما أتيح له من إمكانيات، فالجميع ينشد المصلحة العامة، ولم يتوان في ذلك؛ لكن كما أسلفنا ليس كل الأمور مواتية له في الكثير من الأحيان. ونتمنى ممن نال الثقة السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- أن يكمل المسيرة.
نأمل أن تكون التغيرات جزءا من التحول في النهضة المتجددة، تأخذ بكل التطورات والمتغيرات، وتعمل بمنهجية أكثر إحكاما ومراعاة لاعتبارات كثيرة في الاختيارات ممثلة للمجتمع بكل فئاته وشرائحه بعدالة ومنطق، وأن تضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار.