بقلم : محمد بن محفوظ العارضي
عُقِد الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بين يومي 22 و26 مايو الفائت، بعد انقطاع دام عامين. وجمعت الفعالية المرتقبة التي كانت قد علقت بسبب القيود الناتجة عن الجائحة، قادة قطاع الأعمال من كل أنحاء العالم، وتشرفت بحضور الاجتماع بصفتي رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة انفستكورب، إلى جانب زملائي الرؤساء التنفيذيين ريشي كابور وحازم بن قاسم.
شملت أبرز أنشطتي خلال المنتدى هذا العام زيارة جناح مؤسسة الأمير محمد بن سلمان «مسك» المسمى بمجلس الشباب. وألهمتني رؤية رجال ونساء سعوديين متميزين يستعرضون مواهبهم دولياً ويشاركون في تحولات مرتبطة بالنمو والازدهار في وطنهم، إضافة إلى خوض مناقشات مع نظرائهم من كل أنحاء العالم.
منحني اجتماع دافوس فرصة الانضمام إلى معالي محمد الجدعان، وزير المالية السعودي، ومعالي سلمان بن خليفة آل خليفة، وزير المالية والاقتصاد الوطني البحريني، وآلان بجّاني، الرئيس التنفيذي لشركة ماجد الفطيم خلال جلسة نقاشية حول التوقعات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. شكلت مشاركة المنصة مع هؤلاء القادة الموقرين شرفاً عظيماً لي، فهم يقودون التغيير خلال الفترة الصعبة الراهنة. وتعاونا سوياً لتقديم وجهة نظر سديدة ودقيقة إلى العالم حول منطقتنا وما ينتظرنا في المستقبل.
وسررت بمشاركة رؤيتي المستندة إلى توقعات انفستكورب، بصفتها شركة خاصة لإدارة الأصول تعمل على نطاق عالمي، مع اتخاذ البحرين مقراً رئيسياً لها.
لقد شكلت معدلات التضخم العالمية هاجساً مشتركاً، وقد أشرت أنه لا يجب تجاهل تلك المشكلة، إلا أنه وفي ذات الوقت لم تتأثر دول مجلس التعاون الخليجي كثيراً، إذ يُتوقع وصول معدلات التضخم إلى 3 بالمئة عام 2022، مقارنة بـ 7 بالمئة في الولايات المتحدة، و5.3 بالمئة في ألمانيا و5.6 بالمئة في الهند.
دون شك، يزداد تعقيد الاقتصاد العالمي بسرعة ويتحرك بمعدل قياسي، لكن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وضع يمكّنها من تأدية دور متزايد الأهمية في تعافي العالم بعد الجائحة.
إن ارتفاع أسعار النفط يدفع المنطقة إلى الاطمئنان، إلا أن المؤشرات الواعدة بدرجة أهم تتمثل في الرؤى بعيدة المدى وبرامج الإصلاح الاقتصادي التي أطلقتها حكومات دول المجلس على مدى العقود القليلة الماضية. ولقد أدت تلك المبادرات إلى بروز مصالح متنوعة، وجعلت دول ومدن المنطقة مراكز أعمال عالمية، وفتحت قنوات نمو غير مسبوقة لشركات القطاع الخاص.
لا يمكننا التغاضي عن المخاطر، فالأمن الغذائي مثلاً يعد خطراً رئيسياً، إضافة إلى التغير المناخي، تماماً مثلما هو الحال في بقية دول العالم. لكن تتضافر جهود حكومات دول مجلس التعاون الخليجي مع القطاع الخاص، ولا تزال تمتلك الأفضلية على المستوى الكلي.
إن المنطقة تجتذب اهتمامــــــــاً متزايداً من المستثمرين الأجانب وتعمــــل باستمرار على صقل استخدامها للتكنولوجيا، وتهيئ نفسها للتطور كمركز ثقل جديد للتجارة والاستثمار والتكنولوجيا.
وبوجود اتجاهات كلية في صالحنا، تتمتع المنطقة بأفضلية تنافسية مهمة على الساحة العالمية. إذ تستمر مثلاً البنية التحتية الافتراضية والمادية للاستثمار في النضوج، مما يمهد الطريق لاستثمارات وفرص نمو في المستقبل.
وفي حين تعتبر المخاوف المرتبطة بالتغير المناخي هاجساً لدينا، مثل أي مكان آخر في العالم، فقد شهدنا انطلاق عدد ضخم من المشاريع في المنطقة، مما يمهد لانتقال واسع النطاق إلى نحو الطاقة المستدامة على المدى البعيد. ويتيح موقع المنطقة الجغرافي الوصول إلى ثروة من الطاقة الشمسية، وبدأت الدول بجني فوائد ذلك المورد الثمين في ظل تنفيذ خطط لمزيد من التوسع في السنوات المقبلة.
إن الحكومات وشركات القطاع الخاص تدرك بأن عملها في دول جديدة نسبياً يحتّم التعاون لتحقيق رؤية متناسقة. ومع وجود العديد من المشاريع التي يتفاعل من خلالها القطاعين العام والخاص لتحقيق نتائج مشتركة، إلا أنه لايزال هناك مجال لمزيد من الانسجام بين الجانبين.
تتميز حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بقدرتها على التكيف السريع والتعاون إلى أقصى حد ممكن في عملياتها. ويعكس ذلك القيم التي نحملها منذ قرون، ويشكل تعبيراً حديثاً لمجتمع متماسك يعمل فيه المواطنون والجهات الرسمية يداً بيد لأجل الصالح العام، وتلك طريقة رائعة لترسيخ الشعور بالمسؤولية بين السكان على نطاق أوسع، خصوصاً المواطنين الأصغر سناً الذين يدفعون دولهم إلى الأمام.
غالباً ما يُنظر إلى أسواق رأس المال بأنها وقود نمو القطاع الخاص، وبرزت عدة مخاوف في المنتدى الاقتصادي العالمي حول الانهيار الأخير في «وول ستريت» وتداعياته على مناطق أخرى من العالم.
فيما يتعلق بأسواق الخليج، لا يمكننا إنكار تداعيات الأحداث العالمية، لكن يجب أن تمتلك المنطقة أجندة واضحة.
لقد شهدت المنطقة معدلات نمو مثيرة للإعجاب على مدى السنوات القليلة الماضية، خصوصاً منذ أن سمحت الحكومات بالملكية الكاملة للأجانب. جمعت أسواق رأس المال 40 مليار دولار عبر الاكتتابات العامة في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي منذ العام 2019، ويزداد باستمرار الطلب على الاكتتابات العامة.
توجد مساحة واسعة للنمو، وأعتقد بضرورة تكريس جهود المنطقة لتولي زمام المبادرة في مجال الأدوات المالية التي تعتمد على التكنولوجيا لنتمكن من قيادة تنظيم الأصول الافتراضية، مما سيولد المزيد من الاهتمام لدى المستثمرين الأجانب.
لقد أثمر الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عن سلسلة من المحادثات الشيقة، وشكل تذكيراً مهماً بالتعقيدات التي تصاحب العمل في بيئة تتزايد عولمتها. وتعد وجهات النظر المتنوعة مفيدة دوماً وقد تؤدي إلى ظهور عدد لا يحصى من الأفكار وسبل التعاون الجديدة.
ومع اجتياز دول العالم أجمع لمراحل مختلفة من التعافي بعد الجائحة، يُعتبر الانفتاح الفكري ضرورياً، ويجب تجنب المخاطر قدر الإمكان خلال العمل على تحقيق أهدافنا.
ومع أن الطريق لا تزال طويلة أمام منطقة مجلس التعاون الخليجي، ولكن ودون شك، فإننا نمتلك الأفضلية من حيث الاتجاهات الكلية. يجب الانتقال إلى المرحلة التالية بثقة وحذر، والتركيز على الهدف، والاستفادة بأقصى حد من أي فرص تسهم في تحقيق النمو الوطني والإقليمي.