أستئصال الملاريا من كوكب الأرض

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٣/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٥٧ ص
أستئصال الملاريا من كوكب الأرض

باتريك فالنس وتيم ويلز

في السنوات الأخيرة، تم إحراز تقدم هائل في المعركة ضد الملاريا. وفقا لمنظمة الصحة العالمية، انخفض عدد الوفيات الناجمة عن هذا المرض بنسبة مذهلة بلغت 60٪ منذ عام 2000 - نتيجة لتحسين الحصول على اختبارات التشخيص والعلاج.
وللتأكد من ذلك، لا يزال هناك عمل كثير يتعين القيام به، لكن الاتجاه في حالات الإصابة والوفيات الجديدة يؤكد قوة التعاون بين الحكومات (في البلدان المصابة والغير المصابة بداء الملاريا على حد سواء)، وبين المؤسسات التجارية والغير ربحية، و بين العلوم الأكاديمية والطب. وبدون هذه الشراكات، سيكون التقدم في مكافحة هذا المرض القاتل أمرا مستحيلا. وجنبا إلى جنب مع العمل المنسق، سيمهد الانفتاح والتعاون بين الباحثين الطريق لمزيد من التقدم ولتطوير جيل جديد من الأدوية واللقاحات.
هناك اعتراف متزايد في الأوساط العلمية أنه لا توجد منظمة واحدة أو مجموعة لديها الدراية أو الموارد اللازمة لمعالجة الملاريا وحدها. كما هو الحال مع العديد من الأمراض الأخرى التي يعاني منها العالم النامي، فالعلم معقد بشكل كبير، والفرص التجارية جد محدودة. عكس وباء الملاريا الذي يتطلب منا تجميع الموارد والاستفادة من الخبرات المتنوعة ومن خبرة العلماء من مختلف الخلفيات والتخصصات.
ولحسن الحظ، فقد أدرك العلماء هذه المسألة، والنتيجة هي ظهور وانتشار نهج جديد وخلاق للبحث والتجديد. فقد قلب ما يسمى "بالابتكار المفتوح" النموذج التقليدي للبحث والتطوير رأسا على عقب كما أزال الحواجز أمام التعاون. وبناء على الاعتراف بأن الاتحاد قوة، فالابتكار المفتوح وسيلة جماعية للعمل، والمشاركة فيه تعني كل شيء.
وقد تم هذا الانفتاح بشكل جيد على مستويات غير مسبوقة من تبادل البيانات. ففي عام 2010، أصدرت شركة جلاكسو سميث كلاين، ومعهد الجينوم من مؤسسة أبحاث نوفارتيس، ومستشفى أبحاث سانت جود للأطفال في ممفيس، تينيسي، في المجال العام تفاصيل لأكثر من 20.000 مجمع نشيط ضد طفيليات الملاريا - 13.500 منها جاءت من مكتبة مجمع ملكية جلاكسو سميث كلاين. وكانت هذه خطوة تاريخية، تهدف إلى حشد المجتمع الدولي للبحوث.
وعمل مشروع الأدوية لمكافحة الملاريا (MMV)، وهي منظمة غير ربحية، على تطوير الأمور بصفة ملحوظة. فمن خلال "صندوق الملاريا المفتوح"، وفر مشروع الأدوية لمكافحة الملاريا الولوج الفعلي إلى مجموعة متنوعة من 400 مجمع متاح تجاريا. ويمكن للعلماء الحصول عليه مجانا في جميع أنحاء العالم، طالما أنهم سيقومون بتوفير نتائج أبحاثهم للعموم. حتى الآن، تم تقاسم رزمة الملاريا مع أكثر من 250 مجموعة أبحاث في 30 بلدا في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى الشروع في عدة برامج اكتشاف أدوية جديدة عبر مجموعة من الأمراض المهملة.
بالإضافة إلى تسهيل تبادل الأدوات والأفكار، تخلق البحوث المفتوحة إطارات للعلماء من مؤسسات وخلفيات مختلفة للعمل معا (سواء عن قرب أو عن بعد)، وذلك للاستفادة من نقاط القوة لدى الآخر وتبادل الدراية.
ومن أهم نماذج هذا النوع من التعاون "المختبر المفتوح" الأول في العالم للبحث في أمراض العالم النامي، والذي أنشئ في عام 2010 في موقع أبحاث شركة جلاكسو سميث كلاين في تريس كانتوس، أسبانيا. ويعمل هذا المختبر في إطار الدعم والمشورة لمجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك شركة جلاكسو سميث كلاين، ويلكوم ترست، والاتحاد الأوروبي، ومشروع الأدوية لمكافحة الملاريا، فضلا عن غيرها من شراكات تطوير المنتجات والمراكز الأكاديمية المختلفة. فهي تمكن الباحثين من أبرز المؤسسات في جميع أنحاء العالم من العمل جنبا إلى جنب مع علماء صناعة العقاقير في بيئة ديناميكية وتعاونية، وذلك بهدف تحويل الأفكار البحثية الأولى إلى برامج اكتشاف الأدوية.
وقد أنجزت هذه المبادرة 60 مشروعا منذ تأسيسها، واكتسبت اعترافا كبيرا باعتبارها حاضنة للأفكار الجديدة ونموذجا قيما للبحث والتطوير في علاج التحديات الصحية الرئيسية الأخرى. كما حققت مبادرات البحث والتطوير التعاونية الأخرى نجاحا كبيرا. وهناك ثلاثة علاجات جديدة محتملة للملاريا تم تطويرها من قبل شركة جلاكسو سميث كلاين (اثنان منها بشراكة مع مشروع الأدوية لمكافحة الملاريا) تتقدم نحو التجارب السريرية.
وهناك دواء جديد محتمل آخر يجري تطويره وتنميته لمكافحة الملاريا النشيطة، من خلال التعاون بين شركة جلاكسو سميث كلاين ومشروع أدوية الملاريا، وقد وصل للمراحل النهائية من التجارب السريرية. وفي حال نجاحه، سوف يكون أول علاج معتمد لأكثر من 60 عاما للقضاء على الملاريا.
وعلاوة على ذلك، في العام الفائت ، أعطى المنظمون الضوء الأخضر للقاح الملاريا الذي أطلقته شركة جلاكسو سميث كلاين. ويعد الأول عالميا، وهو تتويج لثلاثة عقود من البحث ومن مستويات غير مسبوقة من التعاون بين شركة جلاكسو سميث كلاين، مبادرة لقاح الملاريا PATH، ومراكز البحوث الأفريقية البارزة.
لكن إذا كانت هذه النتائج المٌحرَزة مؤخرا مشجعة للغاية، يجب علينا ألا نتهاون في جهودنا لهزيمة داء الملاريا. فكل إحصائية إيجابية تصطدم بالواقع الصارخ الذي يبين أنه لا يزال هناك نحو 200 مليون حالة من الملاريا كل عام، تؤدي إلى مقتل ما يقرب من 500.000 شخص، والغالبية العظمى منهم من الأطفال دون سن الخامسة.
لكن بفضل تأسيس مجتمع بحوث تعاوني قوي والتدفق المتزايد للمعرفة، نحن الآن في وضع أفضل من أي وقت مضى لتكثيف جهودنا، وتشجيع الآخرين على إتباع نفس المسار. ورغم أن هذا المجال يتسم بمكاسب تجارية محدودة، لكن القدرة على تحسين الصحة واقتصادات بلدان بأكملها هائلة، لذا يجب أن يستمر العلماء في كسر الجدران والتعاون من أجل الصالح العالمي.

رئيس البحوث والتطوير في شركة جلاكسو سميث كلاين.
وتيم ويلز هو المسؤول العلمي في مشروع الأدوية لمكافحة الملاريا.