بقلم : سالم العبدلي
الشراكة بين الدول تقوم على أسس ومباديء ثابتة وعلى مصالح مشتركة بين الطرفين بحيث يستفيد كل طرف من المزايا النسبية التي تتوفر لدى الطرف الاخر وهذا ينعكس في النهاية على التبادل والميزان التجاري لكلا الجانبين ، وكثير من دول العالم استطاعت أن تستفيد من إقامة شراكات اقتصادية مع دول أخرى وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مثل اتفاقيات عدم الازدواج الضريبي والاعفاء الجمركي وإقامة مناطق حرة بين الطرفين أو ما يسمى ب FTA ، وأحيانا تكون هذه الشراكات بين دولة ودولة أخرى أو بين مجموعات اقتصادية.
سلطنة عمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية ترتبط بعلاقات تاريخية متميزة، بحكم التقارب الجغرافي والمصالح المشتركة، مما يفتح آفاقًا واسعةً لتنامي التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، وحسب الأرقام الرسمية فأن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل في العام الفائت إلى بليون و336 مليون دولار وهو قليل جدا مقارنة بحجم التبادل التجاري بين إيران وبعض دول المنطقة، وأن كانت قد شهدت الفترة HGTHZJM فتح مزيد من الخطوط التجارية المباشرة بين موانئ البلدين، لتصل الحركة التجارية بينهما بمعدل 5 إلى 7 رحلات يومية، إلا أن هذه المؤشرات لا ترقى إلى الطموح ولا تتناسب مع ما نشهده من تقارب وتوافق في وجهات النظر بين البلدين في العديد من القضايا.
وأثناء زيارة فخامة الرئيس الإيراني للسلطنة الاسبوع الفائت ومعه وفد من كبار المسئولين في مختلف القطاعات الاقتصادية والاسثمارية والمالية تم توقيع عدد ثمان مذكرات تفاهم وأربعة برامج تعاون في مجالات النفط والغاز والدراسات الدبلوماسية والتدريب والنقل والإذاعة والتلفزيون ، وتعد هذه الاتفاقيات ومذكرات التفاهم خطوة جيدة ينبغي أن يتبعها خطوات أكبر ومراحل متقدمة من التعاون الاقتصادي والاستثماري ‘ فمذكرات التفاهم عادة غير ملزمة وهي مرحلة متأخرة جدا وفاتحة لمراحل أكثر تقدم خاصة عندما نتحدث عن التعاون الاقتصادي والاستثماري . وخلال السنوات الفائتة تم الإعلان عن إقامة عدد من المشاريع الاستثمارية نذكر منها المستشفى الإيراني في بركاء ومجمع صناعي في الدقم وتطوير ميناء السويق من قبل مستثمرين ايرانيين لخدمة المصالح المشتركة وغيرها من البرامج الاستثمارية ، وفي عام 2014 ابرم البلدان اتفاق مبدئي لإنشاء خط غاز تحت البحر تضخ بموجبه ايران 30 مليون متر مكعب يوميا من الغاز إلى السلطنة اعتبارا من عام 2008 على أن يتم زيادة الصادرات من الغاز إلى 70 مليون متر مكعب يوميا في عام 2012 م ، هذا المشروع أيضا لم يرى النور ربما لاسباب جيوسياسية متعلقة بإنسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الذي وقعته مع الأطراف الأخرى مع الجانب الإيراني والذي كان للسلطنة دور واضح في المفاوضات بشأنه وبالتالي ظلت القيود الاقتصادية والحظر مستمر على الاقتصاد الإيراني.
مثل هذا المشروع يحتاج إلى بلايين الدولارات والى شركات متخصصة لتنفيذه وبالتالي مادامت القيود الاقتصادية المفروضة على إيران لم تنتهي فمن الصعب أن ينفذ ونأمل خلال الفترة المقبلة حصول انفراجه في الملف النووي بالاتفاق بين جميع الأطراف وعندها يمكن أن تبداء خطوات تنفيذ هذا المشروع والذي سيخدم المصالح المشتركة للطرفين وقد تم إعادة فتح هذا الملف مرة أخرى أثناء الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني للسلطنة معنى ذلك بأن الإرادة والرغبة لتنفيذه لازالت موجودة.
هناك مجالات كثيرة يمكن أن تساهم في زيادة التبادل التجاري ورفع حجم الاستثمارات المشتركة بين البلدين، وكان رجال الأعمال العمانيين قد اقترحوا تأسيس شركة استثمارية مشتركة وتبادل الخبرات وتعزيز الاستثمارات في قطاعات مختلفة كالنانو تكنولوجي والسياحة والصناعة والتعليم والصحة والزراعة والغذاء وغيرها ونعتقد بأن إنشاء مثل هذه الشركة برأسمال مشترك سوف يكون لها مردود وعائد جيد كما أن فتح مكتب تجاري لإيران في السلطنة ليكون حلقة وصل بين المستثمرين الإيرانيين ونظرائهم من السلطنة وتوفير بيئة أعمال واعدة بين البلدين. سوف يساهم في تنشيط التعاون الاقتصادي بين البلدين. ويمكن للمستثمرين الإيرانيين الاستثمار مباشرة في عدد من المشاريع والفرص المتاحة خاصة وأن السلطنة تتمتع ببيئة استثمار جاذبة تعززها التشريعات والحوافز والتسهيلات المتاحة للاستثمار الأجنبي ومنها التملك الكامل للمشاريع بنسبة 100%، إضافة إلى عدم وجود قيود على تحويل العملات، وعدم وجود ضريبة دخل للأفراد، بالاضافة غى وجود مناطق صناعية وحرة، وتوجد في القطاع الصناعي والغذائي واللوجستي العديد من الفرص الاستثمارية الجاهزة طرحتها الحكومة أمام المستثمرين ، ونأمل قريبا أن نرى خطوات عملية جادة نحو غقامة شراكة اقتصادية تعكس حجم ما وصلت إليه العلاقات الدبلوماسية والسياسية من قوة ومتانة وثبات.