"الفواحش الإنتخابية" الجديدة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٣/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٥٧ ص
"الفواحش الإنتخابية" الجديدة

كريس باتن

في بريطانيا هذه الإيام لا يستطيع المرء تجنب أن يسمع ويرى أكثر وأكثر عن الحملة البائسة للبصق في وجه العالم وفي وجه الواقع والخروج من الإتحاد الأوروبي . إن زيارة الولايات المتحدة الأمريكية كما فعلت أنا مؤخرا تعطي المرء بعض الراحة ولكن الثمن هو التغطية الكبيرة للإنتخابات التمهيدية الرئاسية .
إن السباق الجمهوري هو سباق مقيت بشكل فاضح بإستثناء أداء جون كاسيتش حاكم ولاية أوهايو والذي لن يتمكن من الفوز فمشكلته بسيطة وهي إنه إنسان عادي . إن مشاهدة الحملات التحريضية والمليئة بالإهانات لخصومه –دونالد ترامب والسناتور تيد كروز- يجعل المرء يتحسر على الحزب القديم العظيم .
لقد كانت أول حملة إنتخابية شاركت فيها قبل حوالي خمسين عاما في نيويورك وهي المدينة التي تبادل فيها المرشحون الجمهوريون والديمقراطيون الضربات مؤخرا وخرج منها ترامب والمرشحة الديمقراطية الأوفر حظا هيلاري كلينتون منتصرين ففي منتصف الستينات كان زعيما الولاية والمدينة الحاكم نيلسون روكفيلر والعمدة جون ليندزي من الجمهوريين وكان عضوي مجلس الشيوخ عن المدينة كينيث كيتينج وجاكوب جافيتس من الجمهوريين كذلك . إن هولاء المعتدلين السياسيين والعديد من الجمهوريين الآخرين في الستينات كانوا يعكسون حزب إبراهام لنكولن من خلال إتجاهات يمكن تحديدها بسهولة.
لقد كان هولاء يؤمنون بالعمل الدولي كما آمنوا بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ( على سبيل المثال سجل الرئيس دوايت أيزينهاور في بناء نظام الطرق السريعة بين الولايات ) وفوق ذلك كله كان هولاء يؤمنون بالمشروع الإندماجي والذي ما يزال يمثل المهمة الحضارية للبلاد
( هذا ينعكس في عبارة "من العديد واحد " على الختم الإمريكي).
لا أحد يستطيع أن يتخيل أولئك الجمهوريين من الستينات يشاركون في حملات إنتخابية إلى جانب المرشحين الرئيسيين للحزب الجموري اليوم فكروز هو شخص عدواني من الناحية الإيدولوجية بينما ترامب هو شخص عدواني بدون أية أيدولوجية على الإطلاق.
من ناحية أخرى ، أنا أعتقد أن هولاء الجمهوريين السابقين لن يجدوا أية صعوبة في تأييد كاسيتش وهو حاكم محافظ ناجح والذي دافعه الإساسي هو ببساطة أنه لا يكره الناس سواء في حزبه أو في الحزب الديمقراطي وهذا يبدو أنه مصدر ضعفه كناخب فالزبد لا يخرج من فمه فهو يبدو شخصا عاقلا – يا لها من جريمه -.
يبدو أن تكون إنسانا عاديا ليس كافيا في الحزب الجمهوري اليوم فالحزب يدفع الثمن لإستسلامه وهو في حالة من الذعر على مر السنين للمتعصبين من حزب الشاي والمدعومين بشكل مخزي من خزائن الكنوز الكبيره لما نهبه المليارديرات . إن الإذعان لهذا التحامل المخيف والمدعوم ماليا قد ترك الأشخاص المنطقيين والقابلين للإنتخاب في الحزب الجمهوري في حالة من التدهور الإخلاقي والسياسي .
والآن يبدو أن هناك محاولات حثيثة في آخر لحظة من قبل مؤسسة الحزب لإقناع أنفسهم بإن كروز وهو شخص متطرف يتصف بالغطرسة والبلطجه ليس سيئا كما كانوا يصفونه دوما فهم يخشونه بشكل أقل كمرشح رئاسي للحزب مقارنة بخشيتهم من ترامب .
أما على الجانب الديمقراطي فإن المعركة بين عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندرز ووزيرة الخارجية السابقة والعضوه الحالية في مجلس الشيوخ الإمريكي هيلاري كلينتون ليست بقذارة الفريق الآخر على الإطلاق فتلك المعركة تناقش بعض القضايا الحقيقية المتعلقة بالمساواة الإجتماعية والعداء للعولمة وهي قضايا يجب التعامل معها ولكن بقية العالم يأملون بإن النتيجة هو عدم الإستسلام للحمائية وأن لا تدير أمريكا ظهرها للقيادة وهي الوحيدة التي يمكنها أن تتولاها من أجل التعامل مع مشاكل العالم .
إن مشاهدة ذلك عن قرب يمكن أن يؤدي لليأس ولكن يجب أن لا ننسى أنه خاصة في الولايات المتحدة الإمريكية فإن السياسة هي سياسة محلية علما إنه على مستوى الولاية والمدينة ما يزال هناك الكثير من المسؤولين المنتخبين العقلاء واللطفاء والإذكياء اللذين يحاولون توفير قيادة حكيمة والبعض سوف ينتقل للمستوى الوطني فعلى سبيل المثال في لوس انجلوس والتي أمضيت فيها عدة إيام هناك عمدة شاب ذكي ومتعلم يدعى إيريك جارسيتي وهو يجمع بين الحيوية والنشاط والوسامة والمنطق مما يعني إنه من شبه المؤكد أن يصعد نجمه في المستقبل ولا بد أن يكون هناك الكثيرين مثله أي أشخاص ملتزمون بالخدمة العامة وليس بالسلوك الذي يهدف لتضخيم الذات كما هو الحال مع بعض المهرجين الخطرين الذين نراهم اليوم .
لكن ما هو مطلوب في إمريكا كما هو مطلوب في بريطانيا هو أن ينهض الناس العاديون المعتدلون وأن يتكلموا وأن يحسب لهم حساب . قبل قرن تقريبا كتب دبليو بي ياتس في قصيدته الكيئبة والتي كانت دقيقة التنبؤ بالمستقبل " الأشياء تنهار، المركز لا يستطيع الصمود". إن سبب عدم تمكن المركز من الصمود هو ما يزال وثيق الصلة بالموضوع اليوم كما كان عليه الحال في تلك الإيام . لقد جادل ياتس " إن أفضل الناس يفتقدون للإراء بينما أسوأ الناس يتمتعون بالحماسة والشغف".
لقد حان الوقت في الديمقراطيات الغربية أن يظهر أفضل الناس المزيد من الحماسة والشغف فبدونهما هناك دوما خطر ولادة ما أطلق عليه ياتس " الوحش الهائج "وهو يتحرك بخطى ثقيلة نحو بيت لحم . يوجد حاليا العديد من " الوحوش الهائجة" في السياسة الإمريكية والبريطانية على حد سواء وفي كل مكان في العالم الديمقراطي تقريبا.

آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ ومفوض سابق للإتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وهو يعمل حاليا كرئيس لجامعة أكسفورد.