بقلم محمد محفوظ العارضي
قطعت دول مجلس التعاون الخليجي شوطاً كبيراً في مسيرتها نحو التنويع الاقتصادي وفي جهودها المستمرة لخفض اعتمادها على النفط. وعقب الاستجابة السريعة والفعالة لوباء كوفيد-19 والتي أدّت إلى تبني منهجية أكثر اعتماداً على التكنولوجيا في مختلف القطاعات، أتوقع أن تتنامى أهمية القطاع التكنولوجي ليصبح قوة محفزة وهامة خلال الأعوام القادمة.
لقد كانت حكومات المنطقة سباقة في رقمنة أنظمتها وخدماتها والاضطلاع بمعايير عالمية في مجال المدن الذكية. كما تعكف شركات القطاع الخاص على تحسين عملياتها وعروضها باستخدام التقنيات الحديثة. لا شك أننا نشهد فترة زاخرة بالإنجازات الواعدة، لكن من المفيد أيضاً أن نستمر في إنتاج المزيد من الأفكار التي تساعدنا على توسعة آفاق المنطقة في جميع المجالات.
يشكل الشباب العنصر الأهم والأكثر الحيوية في مجتمعاتنا، حيث استطاعوا التأقلم بسرعة مع التغيرات التقنية المتواصلة. ويجدر بنا في هذا السياق أن نشيد كذلك بالمرأة العربية، إذ تمثل النساء في منطقتنا نسبة أعلى من إجمالي الخريجين في برامج علوم الحاسوب مقارنة ببقية دول العالم التي تشهد سيطرة واضحة للذكور في هذه التخصصات.
إن السؤال المطروح حالياً هو: كيف نستطيع أن نمكّن شبابنا من الارتقاء بالقطاع التقني وأن نساعدهم على تحقيق طموحاتهم وإمكاناتهم لكي يساهموا في أهدافنا الاقتصادية على المدى البعيد؟
بعد فترة طويلة نسبياً من المخاوف وانعدام اليقين بالظروف المحيطة، من الطبيعي أن يشعر المهنيون، وخاصة أولئك الذين ما زالوا في بداية مسيرتهم المهنية، بالتردد إزاء الفرص التي لطالما عملوا من أجلها. ويمكن لكل من الحكومات وشركات القطاع الخاص أن توفر الدعم لخريجي علوم الحاسوب ورواد الأعمال الطموحين في القطاع التكنولوجي.
يتعين على الحكومات أولاً أن تسهّل إجراءات الحصول على الترخيص التكنولوجي وأن تعمل على تهيئة بنية تحتية داعمة وسهلة النفاذ ومصممة خصيصاً لتلبية احتياجات رواد الأعمال والمبتكرين. ومن شأن القروض الخاصة والميسرة أن تشجع مزيداً من قادة الأعمال الجدد على إطلاق مشاريعهم، بينما يمكن للمؤسسات المالية أن تنشئ شبكات تساعد رواد الأعمال الشباب على التواصل والتعاون لتحقيق أقصى استفادة. ولا شك أن مثل هذه الشبكات تتيح للمهنيين والمبتكرين الشباب إمكانية مشاركة أفكارهم مع المستثمرين، والاضطلاع بالخطط والأفكار المنوعة، والتواصل مع الأفراد ذوي الاهتمامات المشتركة، والنفاذ إلى فرص الأعمال والتوظيف.
من ناحية أخرى، يمكن للشركات التقنية المحلية ومتعددة الجنسيات في المنطقة أن تكون سباقة في التواصل مع الشباب وتوجيههم، وفي المقابل ستحصد تلك الشركات فوائد جمّة من أفكارهم وستحقق فهماً أفضل للتكوين الديموغرافي لقاعدة عملائها من الشباب. وعلى صعيد دعم الشباب، تؤدي حكومات المنطقة دوراً هاماً في تعزيز فرص التعاون ومساعدة رواد الأعمال على استكشاف الفرص العالمية التي تساهم في توسعة أعمالهم. وبإمكان الحكومات كذلك تحفيز الشركات على استخدام تقنيات مطورة محلياً عوضاً عن استخدام المنتجات العالمية، وذلك بهدف دعم اقتصاداتها وتعزيز عملية الابتكار في دول المنطقة.
وفي ظل تزايد عدد الشركات التي تستقطب موظفين يعملون عن بُعد أو التي تتبني نماذج هجينة تجمع بين العمل عن بُعد وفي المكاتب، أصبح لدى الشركات التقنية قاعدة أكبر من المواهب الإقليمية التي يمكن الاختيار منها لشغل الفرص الوظيفية. وقد تكون الوظائف المرنة التي يمكن إنجازها عن بُعد أكثر ملاءمة للنساء اللواتي يشكلن نسبة عالية من أعداد الخريجين في علوم الحاسوب، الأمر الذي يساعدهن على تحقيق توازن أكبر بين الحياة الشخصية والمهنية.
يتعين على الحكومات وشركات الأسهم الخاصة في المنطقة الاستثمار في القطاعات التكنولوجية على المدى البعيد وإشراك اللاعبين في القطاعات الاقتصادية الأخرى لمواكبة مسيرة الرقمنة والسعي نحو تحقيق معايير عالمية في تطوير أحدث التقنيات واستخدامها.
وفي حين شهدت دول مجلس التعاون الخليجي سلسلة من الجهود في القطاع التكنولوجي، يمكنها كذلك أن تستفيد من استضافة عدد من مراكز الابتكار التي تساعد على تحفيز المشاركة وإشراك المهنيين الشباب في ورش العمل وبرامج التوجيه وشبكات العلاقات وحاضنات الأعمال. ويمكن لتلك المراكز بدورها أن تحشد الموارد والمعلومات وتوفرها بشكل جاهز لكل من يطمح إلى إطلاق مشروع معين في القطاع التقني أو بدء مسيرته المهنية في هذا المضمار.
لقد أصبحت الأجيال الحالية ماهرة في استخدام التكنولوجيا منذ نعومة أظفارها، لذا يجب أن نشجع أطفال المدارس على تعلم البرمجة والتعرف على العالم الرقمي بشكل عام. وتعد ورش العمل المقامة في المدارس، والمسابقات والمخيمات المتمحورة حول تعليم علوم الحاسوب، أدوات مفيدة تساعد على تشجيع المسارات المهنية المتخصصة في المستقبل.
إن المستقبل رقمي بامتياز، وإن عالمنا يتحرك بسرعة هائلة. ويتعين على دول منطقتنا أن تسخّر نقاط قوتها لخلق الفرص التي تحفز النمو في القطاع التقني، الأمر الذي ينعش اقتصاداتها ويعزز ثقافة الابتكار والتعلم فيها.