واشنطن –
لاقت الاستخبارات الأمريكية «سي.آي.إيه» سخرية وانتقادات بسبب قرارها غير المعتاد بعرض ما قالت إنها «تغريدات حية» للعملية التي أسفرت عن مقتل زعيم تنظيم القاعة الراحل أسامة بن لادن العام 2011 «كما لو كانت تحدث اليوم».
وفي الثاني من مايو 2011، قتل بن لادن في مخبئه بمدينة أبوت أباد في باكستان بطلق ناري في رأسه على أيدي عناصر قوات البحرية الخاصة.
وأطلقت الاستخبارات الأمريكية أمس الأحد عددا من التغريدات على موقع تويتر، وباستخدام هاشتاج «#UBLRaid» قالت: «لإحياء الذكرى السنوية الخامسة لعملية مقتل بن لادن في أبوت أباد، سوف نعرض تغريدات للعملية على تويتر كما لو كانت تحدث اليوم».
واحتوت التغريدات على صور للمجمع الذي كان بن لادن مختبئا به، وصورة نشرها البيت الأبيض بعد إعلان مقتل بن لادن تظهر اللحظة التي علمت فيها حكومة الولايات المتحدة بالخبر.
وتظهر الصورة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو يجلس على يسار طاولة غرفة العمليات وهو يحدق في الشاشة التي توفر بثا مباشرا للغارة. وهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية وقتها، وهي تضع يدها على فمها فيما بدت علامات الصدمة على وجهها.
وأثارت التغريدات سخرية وانتقادات كان من بينها تعليق لأحد الصحفيين جاء فيه «ألم يكن من الأولى بالاستخبارات الأمريكية أن تطلق على تغريدات ذكرى عملية قتل بن لادن «ديد-تويت» وليس «لايف تويت»؟ (تغريدات ميتة وليس تغريدات حية».
الحقيقة والخيال
في العام الفائت 2015 أثار الصحفي الأمريكي سيمور هرش ضجة بنشره معلومات مستقاة من مسؤول استخباراتي أمريكي متقاعد تنسف الرواية الأمريكية حول مقتل أسامة بن لادن، فيما جددت واشنطن بالمقابل تمسكها بروايتها.
نفى الصحفي الأمريكي سيمور هرش في مقالة بعنوان «التاريخ البديل للحرب على الإرهاب» «نشرها موقع «London Review of Books» حصول عملية أمريكية خاصة في الأساس للقضاء على زعيم تنظيم القاعدة السابق.
وأكد هرش أن بن لادن كان محتجزا لدى الاستخبارات الباكستانية منذ العام 2006 وأنه قتل العام 2011 بعد أن كشف أحد مسؤولي الاستخبارات الباكستانية مكانه للأمريكيين مقابل الحصول على مكافأة قدرها 25 مليون دولار، مكذبا بذلك تصريحات الإدارة الأمريكية التي قالت فيها إن تحديد مكان اختباء بن لادن تم عن طريق اقتفاء أثر مبعوث خاص له.
وذكر الصحفي الأمريكي المتحصل على جائزة «بوليتزر» للصحافة، نقلا عن مسؤول كبير متقاعد في الاستخبارات الأمريكية أن رجال الاستخبارات الباكستانية الذين كانوا يحرسون مكان احتجاز بن لادن غادروا موقعهم قبل وصول القوات الأمريكية، نافيا بذلك تأكيد الولايات المتحدة أن عملية القضاء على بن لادن كانت أمريكية صرفة، ولم تجر بالتنسيق مع الاستخبارات الباكستانية، وأن زعيم تنظيم القاعدة قتل خلال تبادل لإطلاق النار مع القوات الأمريكية المهاجمة.
ودحض هرش أيضا الرواية الرسمية الأمريكية التي ذكرت أن جثمان بن لادن دفن في البحر، مشيرا إلى أن الجثمان تم إلقاؤه فوق جبال هندوكوش الواقعة في أفغانستان وشمال غرب باكستان، موضحا أن «أجزاء جثمان بن لادن، الذي قُتل برصاصة في الرأس، وضعت في كيس للجثث، وألقيت من مروحية فوق جبال هندوكوش».
من جهة أخرى، ذكرت قناة «NBC» التلفزيونية استنادا إلى مصدر استخباراتي أن مسؤولا في الاستخبارات الباكستانية أبلغ الاستخبارات المركزية الأمريكية عن مكان وجود بن لادن قبل عام من قيام قوات خاصة أمريكية بالقضاء عليه.
ونقلت القناة التلفزيونية الثلاثاء 12 مايو عن المصدر الاستخباراتي تأكيده أن «الحكومة الباكستانية كانت على علم طول الوقت بمكان اختباء بن لادن».
أفراد من الأمن الباكستاني قرب مجمع بن لادن السكني في أبوت آباد
ونفى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض بدوره رواية الصحفي سيمور هرش عن ظروف مقتل أسامة بن لادن في باكستان العام 2011، منتقدا ما جاء فيها بالقول: «هناك معلومات غير دقيقة وتأكيدات لا أساس لها في هذا المقال تتطلب الرد نقطة تلو أخرى».
وأكد برايس الاثنين 11 مايو أن «عددا محدودا من المسؤولين الأمريكيين كانوا على علم بأن الرئيس باراك أوباما قرر منذ البداية عدم إبلاغ حكومات أخرى بما في ذلك الحكومة الباكستانية»، مشددا على أن «العملية كانت أمريكية بحتة».
يذكر أن الرواية الرسمية تؤكد أن قوات أمريكية خاصة قضت على بن لادن ليلا في 1 مايو العام 2011 في بيت محصن قرب مدينة أبوت آباد شمال باكستان، وأنها وصلت إلى باكستان على متن عدة طائرات مروحية، فقدت إحداها أثناء العملية، وأنه لم يتم تحذير إسلام آباد بشأن العملية، وأن جثمان بن لادن دفن في البحر.
رواية القاتل
في فبراير من العام 2013 روى الجندي الأمريكي الذي قتل أسامة بن لادن، لأول مرة بعض التفاصيل المثيرة عن الغارة وعن إطلاقه ثلاث رصاصات في رأس زعيم تنظيم القاعدة. وتحدث جندي قوات البحرية الخاصة في مقابلة مع مجلة «إسكواير» الأمريكية بشيء من المرارة عن تقصير حكومة الولايات المتحدة في مد يد العون له ولرفاقه الذين نفذوا العملية حتى يتدبروا أمور حياتهم الخاصة بعد عودتهم من المهمة. ونُشرت تفاصيل كثيرة بشأن الهجوم في بعض الكتب والمقابلات أو تم الكشف عنها في أعمال روائية أو فنية أخرى مثل فيلم «زيرو دارك ثيرتي» (30 دقيقة بعد منتصف الليل).
غير أن الرجل الذي أطلق الرصاصات القاتلة لم يدل بأي معلومات عن العملية نظرا لأن أعضاء الفريق بالكامل سعوا إلى عدم الكشف عن هويتهم لحماية أنفسهم.
ووصف الجندي -الذي اكتفت المجلة بوصفه «مطلق النار»- كيف تسلل فريق القوات البحرية الخاصة (6) إلى المجمع السكني الذي كان يقيم فيه بن لادن في الثاني من مايو 2011 بمدينة إبت آباد الباكستانية، وكيف قتلوا كل من كان في طريقهم حتى وصلوا إلى غرفة نوم زعيم تنظيم القاعدة في طابق علوي.
وصادف مطلق النار وزميل له من القوات الخاصة امرأتين أثارتا قلقهما من أن تكونا مرتديتين سترات ناسفة، وأوقفهما زميل مطلق النار بينما اقتحم قاتل بن لادن الغرفة التي كانت مظلمة.
وكان أفراد القوات الخاصة يستخدمون أجهزة رؤية ليلية، ومن ثم تمكن مطلق النار من التعرف على زعيم تنظيم القاعدة.
ووصف مطلق النار بن لادن بأنه بدا «مرتبكا» و»أطول» مما كان يتوقع وكان حليق الرأس تقريبا. وعندما حاول بن لادن على ما يبدو الوصول إلى سلاح ناري قرر مطلق النار التحرك.
ويقول «في تلك اللحظة، أطلقت عليه رصاصتين في الرأس، سقط على الأرض أمام سريره ثم أطلقت النار عليه مجددا، في نفس المكان». وأضاف «كان ميتا، لا يتحرك، ولسانه خارج فمه. رأيته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة».
وتابع «وأذكر عندما رأيته يلفظ آخر أنفاسه، أخذت أفكر: هل هذا هو أفضل عمل قمت به في حياتي أم إنه أسوأ أعمالي على الإطلاق؟».
عندئذ، أدرك مطلق النار أن أصغر أبناء بن لادن، والذي كان في الثانية أو الثالثة من عمره، يقف إلى الجانب الآخر من السرير.