الإصلاح الإداري له ضريبته

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٧/مايو/٢٠٢٢ ٠٨:١٧ ص
الإصلاح الإداري له ضريبته

بقلم : علي بن راشد المطاعني

رفع كفاءة العمل في الجهاز الإداري للدولة يتطلب إعطاء صلاحيات واسعة للإدارات التنفيذية بالجهات ليتسنى لها العمل على ضبط إيقاع العمل والإرتقاء به ، وكان هذا يتطلب منح الصلاحيات للمسؤولين لتحديد وتقييم كفاءة الموظفين لشغل الوظائف من عدمة بعد وضع المصلحة العامة في الإعتبار. ومن هذا المنطلق جاء التعديل على أحكام قانون محكمة القضاء الإدارى ، حيث تم تقليص صلاحية المحكمة للنظر في مشروعية القرارات الإدارية ومدى ملائمتها من عدمه وللحد من الإعتراضات على القرارات الإدارية الخاصة بالتعيينات والترقيات والتنقلات وغيرها من الجوانب الإدارية التي ترى الجهة المختصة أن مصلحة العمل تقتضيها وبإعتبارها المسؤولة والمكلفة بذلك ، ولا يبقى اللجوء إلى المحكمة في كل صغيرة وكبيرة عائقا أمام التطوير الإداري المنشود لتحقيق رؤية عُمان 2040 ، وعدم تعطيل العمل في الأجهزة الحكومية بأحكام إدارية تلزم بإعطاء بعض الموظفين مسؤوليات أكبر من قدراتهم المهنية لضآلة كفاءتهم ، الأمر الذي يفتح آفاقا أوسع أمام أجهزة الدولة لتعمل على تحديد المسؤوليات والتقييم الإداري لكل موظف وفق مهام عمله ومؤشرات أداءه وكفاءته المهنية. بلاشك أن تطوير العمل الإداري في الدولة يتطلب اتخاذ خطوات عملية واضحة وشفافة ومنح صلاحيات أوسع للأجهزة الإدارية لإصلاح هياكل العمل ودورته في مفاصل الأجهزة الحكومية وعدم إخضاعه للرغبات الشخصية كمنح الموظف المتكاسل فرصة ليبقى مدى الحياة في موقعه بدون تطور، وكذلك عدم الالتفاف على القرارات الإدارية بالأحكام من خلال وضع الأجهزة الحكومية تحت رحمة الموظفين عبر التلويح بالقضاء الإداري ومن ثم تعطيل قرارات الوزراء من خلال رفع أحكام عليهم بصفتهم الوظيفية كرؤساء وحدات حكومية ، في حين يتطلب من الوزارات والهيئات الحكومية إنجاز الأعمال والتطوير المستمر والقضاء على الروتين المفضي لسلحفاتية الأداء ، غير أن هذا التوجه سرعان ما يصطدم بالعقبات والمطبات المشار إليها ، هنا يتجسد قمة التناقض في إدارة العمل ، ففي الوقت الذي نطالب فيه بالتطوير الإداري كضرورة ملحة يمليها الواقع نجد أن هناك قيودا تحد من صلاحيات الأجهزة الحكومية وتكبل مساعيها في تحقيق التطوير المنشود ، فالكفاءة لا تعني الأقدمية أو كبر السن بالضرورة ، بل تحكمها معايير أخرى شديدة الدقة وهي التي تحدد الأفضل ثم الأفضل منه ، وهذا هو ما تحتاجه الخدمة المدنية . لنفترض جدلا إنه قد إجريت تنقلات داخل الدوائر وتم تعيين موظف إجتاز معايير الكفاءة الشخصية بإمتياز ويحمل مؤهل عال ولدية لغة إنكليزية رفيعة ، وتم إحلاله مكان رئيس القسم أو نائب المدير، فما سيحدث بعد ذلك هو أنهم سيرفعون قضايا أمام محكمة القضاء الإداري ، ويتم بموجب أحكامها تعطيل القرارات التي كانت تصب في مصلحة العمل ويبقى الوضع على ماهو عليه . ففي هذه الحالة كيف نطلب من تلك الجهة تطوير الأداء لديها وفي ذات الوقت نصفد قدميها ويديها بتلك العقبات الواضحة ، وهنا تكمن المعضلة . فاليوم يطلب من الموظف أن يعكس عمليا أهداف مؤسسته وجهته ، وإذا لم يكن يعلم بأن هناك تقييما دقيقا يتم بناء لمعطيات ما طُلب منه فإنه لن يحرك ساكنا وسيظل ينتظر الترقية بنحو روتيني بحكم خبرته وأقدميته وهذا ليس دافعا للتطوير أو الإرتقاء بالمهنة ، وهذه هي العقبة الكأداء التي واجهت الجهاز الإداري للدولة على مدى الـ 50 عاما الفائتة. ان الشركات العاملة في الدولة والعالم من ناحية عامة تعمل بمقتضى هذا المبدأ لذلك نجد أن نسبة فاعلية الموظف عالية جدا ، ان إجراء االتعديلات ليس فيها انتقاص من صلاحيات المحكمة كما يتداول ، فالمحكمة تصدر أحكاما وهي ليست مشرعة للعمل في الدولة وتعمل بموجب التشريعات والنظم التي يرغب فيها المشرع ، والجهات الحكومية هي أدرى من غيرها بما تحتاج إليه مواكبة للتطور العالمي في هذا المجال. بالطبع هناك قرارات إدارية لم تكن منصفة صدرت في الفترات الماضية ، وقضت المحكمة بإلغاءها ، ولكن ومن ناحية أخرى كانت أغلب الأحكام مقيدة للعمل الإداري وتغل أيدي المسؤولين في تطوير العمل وفق المهام والإختصاصات الممنوحة بسبب الأطر والتشريعات التي تحكم بها المحكمة لذا فإن التغيير في القوانين بات هو الأفضل حاليا. نأمل أن يكون هذا التغيير عامل إيجابي للمزيد من العمل والكفاءة وتطوير القدرات ومنطلقا للنهوض بالجهاز الإداري للدولة وتسريع وتيرة العمل بفتح آفاق أرحب وأوسع للموظفين للتنافس الشريف فيما بينهم لتقديم الأفضل وذلك يصب في مصلحة العمل في كل أجهزة الدولة.