بقلم : محمد محمود عثمان
نحتفل سنويا في الأول من شهر مايو بعيد العمال لنستشرف فيه مزايا وهدايا ومنح وفوائد للعمال في كل مكان، وفي 2022 جاء العيد وهو يحمل تحولات في أسواق العمل وهى أن خسرنا حتى آمال التعافي الهش الذي كنا نحلم به، بعد إنكسار حدة الإجراءات والقيود الاحترازية التي كبلنا بها أنفسنا في مواجهة كورونا..وفي ظل التداعيات السلبية للحرب الروسية الكراوتية وانعكاساتها على الاقتصاد الدولي، لنقول مع الشاعر: بأى حال عدت ياعيد.. بما مضي أو أمر فيه تجديد؟ هذا السؤال في بساطته، تعجز عن إجابته كل الحكومات، ولكنها لا تستطيع أن تخفي واقع الأرقام، التي افرزتها أعداد العمال المسرحين والمفصولين والمخفضة رواتهم والحاصلين على إجازات إجبارية، لتضاف إلى جانب الأرقام المسجلة سابقا عن حجم البطالة في العالم، وتهاوي الاستثمار المحلي والأجنبي المباشر، والمشاكل والإجراءات والتعقيدات التي تعوق حركة الاستثمارات وتدفقها، والشلل الذي أصاب القطاعات الخدمية وخسائر الطيران والسياحة والسفر، وفشل سلاسل الإمدادات للسلع الغذائية والمنتجات والمواد الأولية، الذي أحدث الانكماش الاقتصاد الذي نعاني منه، والذي قد يمتد إلى حالة من التباطؤ الذي يؤثر على طبقة العمال ورواتبهم المتدنية وهم العمود الأساسي للتنمية الاقتصادية يؤكد ذلك مدير عام منظمة العمل الدولية غاي رايدرالذي يقول: «بعد مرور عامين على هذه الأزمة، ما زالت الآفاق هشة والطريق إلى التعافي بطيء وغير مؤكد. بدأنا نشاهد أضرارا قد تكون دائمة تلحق بأسواق العمل، إلى جانب زيادة في نسب الفقر وعدم المساواة.وقد اضطر العديد من العمال ان يتوجهوا إلى أنواع جديدة من العمل، وأنه لا يمكن أن يكون هناك انتعاش حقيقي بدون تعافي سوق العمل على نطاق واسع. ولكي يكون هذا الانتعاش مستدامًا، يجب أن يستند إلى مبادئ العمل وحقوق العمال بعد ما فقَد أكثر من 25 مليون وظيفة على مستوى العالم نتيجة وباء كورونا، إلى جانب نحو 200 مليون عاطل عن العمل، ومن المتوقع أن يرتفع عن هذا المستوى في 2022، بالإضافة إلى وجود حوالي نصف مليون شخص حول العالم يعملون بأجر غير كاف، إلى جانب ملايين العمالة غير المنتظمة، لذلك تحتاج الدول إلى بلايين الدولارات للحفاظ على الوظائف وعودة المسرحين ومساعدة العاطلين عن العمل أو لإبقاء على العمال في وظائف جزئية، أو لتعويض خسائر الشركات والمصانع المتضررة وهكذا تعترف منظمة العمل الدولية - والمفترض أنها هى صمام الأمان لحقوق العمال في بلدان العالم - بحجم وواقع معاناة العمال في يوم عيدهم، وأن منحنى خسائر المكاسب العمالية في صعود لسنوات قادمة لا يمكن التنبؤ بها الآن، بعد أن عجزت المنظمة تماما في أن تطرح الحلول لمواجهة هذه الأوضاع المتردية، إلا من بعض التقارير التي لا تقدم أو تأخر في مسار الأزمة ومنحنياتها التي تتصاعد بشكل مخيف، خاصة على المستوى العربي الذي يدفعنا أن نسأل عن ما هو الجديد الذي تحقق للعمال في هذا العام؟ وهل مارست النقابات العمالية دورها الأساسي، في تحقيق الأمن الوظيفي للعمال وأسرهم، وهناك شركات ومؤسسات في القطاع الخاص لا زالت تستقطع من الأيد العاملة نسب معينة من رواتبهم تصل إلى 50%، ولم تشرع في استردادها ولم يجدوا من يساندهم في الحصول على حقوقهم نظرا لتعرضهم لضغوط من أصحاب العمل بالرضوخ للأمر الواقع أو الخيار الآخر وهو إنهاء الخدمات تعسفيا، ونأمل تدخل حاسم من لجان حقوق الإنسان ونقابات العمال ووزارات العمل والقوى العاملة لتحقيق الحماية القانونية لهؤلاء العاملين كما هناك الآلاف من المسرحين في أعقاب كورونا لم يتم توفيق أوضاعهم وعليهم التزامات وقروض وشيكات بنكية لم يتم تسويتها وتم إحالتهم للقضاء، ما يهددهم بالسجن وتشريد من يعولون، لعدم القدرة على السداد، والأغرب من ذلك أن بعض البنوك ترفض جدولة الديون وتقسيط السداد بشكل مريح بما يساعدهم على الوفاء بالتزاماتهم التي فرضت عليهم بدون قصد وبدون إرادتهم، وهذه الحالات واضحة، في ظل غياب الدورالفاعل للنقابات خاصة في المنطقة العربية وعجزها عن حل مشاكل العمال ورفع مستواهم المعيشي ومستقبلهم الوظيفي، وكذلك رفع معاشات التقاعد لتتناسب مع احتياجات الأسر ومع غلاء الأسعار ومعدلات التضخم السنوية، على عكس ما يحدث في الدول الغربية التي شهدت مطالبات عمالية وتعهدات للمسؤولين برفع الحد الأدنى للأجور لمواجهة موجات الغلاء العالمية المتتالية بعد أن شهدت مجموعة من العواصم الأوربية مسيرات سلمية دعما لحقوق العمال، ودعت النقابات إلى زيادة الأجور وتحسين خدمات الحماية الاجتماعية، وهذا ينعكس إيجابيا على تماسك النسيج الاقتصادي الاجتماعي وربما السياسي، وتطوير وانتعاش سوق العمل والقطاعات الاقتصادية التي تعاني من معدلات انتعاش سيئة، قد تستمر لفترات أطول مع استمرار الأزمة الروسية الكرواتية.