بقلم : محمد بن علي البلوشي
أدمى اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة قلوب الجميع..استقرت رصاصة مجنونة وبصورة متعمدة في دماغها لتفارق الحياة وتفارق الصورة..صورتها التي رافقتنا لسنوات عديدة وهي تتحرك بين الأحداث الفلسطينية والإسرائيلية..وشيعها الفلسطينيون في جنازة تعبر عن حجم الصدمة التي تعرضوا لها باغتيالها من قبل قوات الاحتلال. وفي الجانب الآخر لم يتورع جمهور كبير من الحمقى عن الخوض في جدلية الترحم عليها أو لا كونها مسيحية..يكفيها فخرا أنها فلسطينية أما التفاصيل الأخرى فهي فتات يقتات عليه الجهلة والمغفلون. بعد كل ما حدث لابد أن البعض أو الغالبية ستقول إن خيار الطلقة والرصاصة هو الفيصل بيننا وبين الاحتلال. كانت كتبنا ومدارسنا تلقننا التخويف والترهيب من اليهود كما زرع هتلر الخوف والحقد والكره في قلوب الألمان عن اليهود..هم -اليهود- كذلك يلقنون أبنائهم عن العرب والتخويف منهم..ولم تزرع فينا الخوف عن المسيحين أو اعتبارهم غير أشقاء لنا وبخاصة إن كانوا عربا.
في حياتي المهنية التقيت بعدد لابأس به من اليهود بمختلف بلدان العالم..لم أكن أتجنبهم بل حرصت إن سنحت الفرصة على فتح أحاديث ودية تخلو من السياسة حتى يستطيب التطرفين للحوار الصريح دون انتهاك للاحترام الشخصي للطرف الآخر.
وجدتهم في مؤتمرات في إيران فمنهم يحملون لافتة «أنا يهودي ولست صهيونيا» ووجدتهم في الولايات المتحدة كطلاب يهود وفي أفريقيا كسياح وقائمة قصيرة قد لا أتذكرها. في تركيا وتحديدا في انطاليا قبل نحو سنوات طويلة مضت التقيت بيهوديتين سائحتين وعربا من 48 برفقة بعضهم البعض والتقينا في بهو الفندق الذي نزلت فيه..مرت في ذلك الوقت سنتان على المبادرة العربية للسلام التي طرحها العاهل السعودي المللك عبدالله بن عبدالعزيز-طيب الله ثراه-.. وهي مبادرة حضيت بإجماع عربي لكن إسرائيل ماطلت في قبولها وتماطل حتى اليوم..بعد أخذ وعطاء استحسنت العجوزتان لي وبدأ الحديث عن عدم الخوف منهما فضحكت ساخرا من ذلك فأنا أحدث بشرا لا جنا والتقيت بغيرهم في أرض الله الواسعة ..هل أنت مع السلام مع اسرائيل أجبت نعم ولذلك أنا من أشد مؤيدي خطة السلام العربية. قلت لهما هذه فرصة لمحو ذكريات الماضي وبناء مستقبل في المنطقة. المرأتان كما يبدو أنهما تصدقان الرواية اليهودية المتشددة وأطروحات الإرهابيين اليمينيين بأن العرب يسعون لتدميرهم وإبادتهم فهذا ما قالته إحداهن فأجبتهما..هذه هواجس وهلوسات يكذب بها ساستكم عليكم فالقوى التي صنعت دولتكم لن تسمح بمحوكم والمبادرة ستعترف بكم ..لكن ساستكم كذابون ومنافقون وساساتنا قد اضاعوا بعض الفرص والضحية نحن..وإن كان ساستكم كذابون فإن عقلائكم من الساسة قليلون والعاقل من ساستكم تم اغتياله من ارهابي متطرف ولربما كان وضع المنطقة أفضل كثيرا من الان.. كلما ألتقي ببعض اليهود أجد أنهم مغلوبون على أمرهم والدعاية السياسية هي التي تمرغ الجميع في وحل الصراع.
استطربت اليهوديتنان ايماني بالسلام وعدم رفضي أو تجنبي لقاءهم فكانتا حريصتان كلما تصادف وجودنا في بهو الفندق على مناداتي للجلوس..واستأذنتا التصوير فرحبت بكل مودة وتبادلنا ارقام الهواتف ولا أتذكر إن كنت اتصلت بهما ولو كان الواتس موجودا في حينه لربما كان التواصل سهلا ويسيرا وسيستمر..على الأقل كنت سأقنعهما ربما بأن السلام وحده هو الحل..الآن لا أعلم إن كانت المرأتان على قيد الحياة أو غربت شمسهما.
اليهود ينبغي أن يتعطشوا للسلام فلا القوة ولا قوة الرصاص وحدها ستجلب لهم السلام والطمأننية..بل بالسلام وإنهاء حالة الخوف وانعدام الثقة بين الطرفين الذي يقلل فرص التعايش المشترك. وسيستمر الفلسطينون في الكفاح والنضال بكل ما لديهم لعودة أرضهم وإنهاء الاحتلال.
الذي أقوله هو مأقوله دائما مع الآخرين..دعونا نغلق الكتاب ونعيش قصة بفصول جديدة..الخوف المشترك بين الطرفين لن يبني منطقة مزدهرة وحان الوقت لليهود أن يدركوا أن حكوماتهم المتطرفة وسياساتهم العدوانية وتحريض اليمين المتطرف لن يجلب الأمن والطمانينة لهم ولأطفالهم. عليهم أن يفتحوا نافذة على المستقبل. فالعرب يحيطون بهم.