بقلم : علي بن راشد المطاعني
الجهود التي تبذلها بلدية مسقط لبسط غطاء التشجير النباتي الأخضر كبيرة ومقدرة على العديد من الأصعدة والمستويات في المحافظة والذي أسهم بدوره في استقرار واستتباب التوازن البيئي الدقيق، كما أنه عادل الكفة بنحو مرضي مع التوسع العمراني الطبيعي الذي أملته ضرورات التقدم التنموي والاقتصادي الذي يكتنف عموم البلاد، ومن ضمن أذرع الغطاء النباتي المحمود والمُشاد به زراعة أشجار النخيل، هذه الشجرة الطيبة والمذكورة في القرآن الكريم أفضت لمنظر رائع يسر الناظرين لشوارعنا.
غير أن عدم الاعتناء بثمار النخيل ظل هو العنصر الغائب والمفتقد في إطار هذا الجهد الكريم، ولم تستطع النخلة المثمرة وفقا لذلك أن تقدم لنا ألوانها الزاهية والتي يمتزج ويختلط فيها بتناسق رباني دقيق اللونين الأحمر والأصفر لتكتمل صورة النخلات الباسقات المثمرات الرافعات رؤوسهن عزة واختيالا وافختارا ولتتناسق الألوان الزاهية لتشكل بانوراما تسعد الأعين المتعطشة للجمال أبدا.
الأمر الذي يتطلب من بلدية مسقط إكمال معروفها في تكريم المارة بأشجار النخيل المثمرات وكذلك للاستفادة من الثمار إن لم يكن للأكل فعلى الأقل كعلف عزيز ونظيف للحيوانات أو شيء من هذا القبيل من صيغ الاستفادة واجبة الاتباع إزاء هذا المشهد الملحمي الجميل.
بلا شك أن مسقط تتميز بانتشار الغطاء النباتي على نطاق واسع وهناك جهود كبيرة في تخصيص مديرية عامة للتشجير والمزروعات بالبلدية إلى أن أضحت المحافظة بهذه الجماليات الرائعة، كما أن البلدية تراعي عند وضع التشجير وإنشاء الحدائق والمتنزهات عدة عوامل أهمها الاستدامة في المشاريع للتقليل من استهلاك المياه وتقليل أعباء الصيانة المستقبلية، ناهيك عن وضع خطة زمنية يراعي فيها اختيار أنواع النباتات المزروعة التي تتوافق مع الطبيعة البيئية للمحافظة، إلا ان العقبة الكأداء الوحيدة تبقى في عدم الإعتناء بثمار النخيل كما أوضحنا وفي مراحله المختلفة إبتداء من التنبيت ومرورا بالتحدير وانتهاء بالجداد وصولا لموسم الحصاد تماما كالمراحل التي يمر بها النخيل في المزارع المتخصصة بزراعته في ولايات السلطنة المختلفة.
إن عدم الإعتناء بهذه المراحل يجعل ثمارها مبعثرة غير متناسقة لنصل في نهاية المطاف لتقديم صورة غير ملائمة جملة وتفصيلا، بل إن عدم التحدير ووضع أغطية على الثمار جعل الرطب والتمور تتناثر في الشوارع وتدوسها الأرجل والأقدام وإطارات السيارات وزادت تبعا لذلك الأوساخ وبقايا التمور المختلطة بالأتربة بنحو لايتسق ومسقط الجميلة النظيفة والمزدانة ألقا بالنخلة العزيزة الكريمة.
هذا المشهد الذي رسمناه بالكلمات يتعين على البلدية مراجعته جملة وتفصيلا تلافيا لهذه الأخطاء من زاوية إدارتها ومسؤوليها إكراما للنخلة وشأنها العظيم وإعادة الإعتبار إليها في شوارعنا الرئيسية، وكذلك لتحسين أو لإعادة رسم الصورة في الأذهان وتعديلها كما ينبغي في المقل والعيون وفي مخيلة الزوار والسياح والمقيمين وحتى لدى أبناء البلد الذين لايعرفون الكثير عن النخيل وأنواعها وأشكال وألوان ثمارها خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة الناشئة.
في الواقع هناك تجارب ناجحة في الدول المجاورة في مجال الإعتناء بالنخيل تدخل الفرح في نفوس مرتادي الطرقات وهم يشاهدون أنواع النخيل بثمارها المتنوعة مرتبة بشكل جميل ومتناسق تماما كما نشاهدها في مزارعنا، فلماذا تضن بلدية مسقط بهذه النماذج على مرتادي الطريق وتحيل الشوارع إلى حدائق غناء بعنوان وإسم النخلة والنخيل.
بالطبع هناك جهود مقدرة لسقي النخيل كغيرها من المزروعات ولكن إستثمارها بالشكل المطلوب يجب أن يحظى بالأولوية والأهمية وحتى تكتمل الصورة ولتتزين بثمارالنخلة لتغدو شامخة كفتاة حسناء تتزين بالذهب واللألي في يوم عرسها الميمون.
نأمل من بلدية مسقط أن تكمل معروفها وتحسن إلى (العمة) النخلة بالإعتناء بها وبالنحو الذي أوضحناه، فلا أحد فينا يرضى أن نراها هكذا حزينة مهيضة الجناح وثمارها العزيزة متناثرة بعرض الطريق، فللنخلة مكانة عظيمة في نفوسنا أوليست هي نفسها التي قال عنها رب العزة في كتابه الكريم وفي سورة مريم والمعنية بالخطاب هي ذاتها مريم البتول (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26).. صدق الله العظيم، هذا هو الكرم والإعزاز الذي وجدته النخلة فهل بعد ذلك من حديث.