بقلم : علي المطاعني
في الوقت الذي شرعت فيه أبواب التبرعات الخيرية على نطاق واسع عبر مؤسسات المجتمع المدني ممثلة في الجمعيات الخيرية والتطوعية، وفتحت مجالات التبرع الإلكترونية بكل القنوات التقنية، وما تفضي إليه التبرعات والأعمال الخيرية الممنهجة من تخفيف الأعباء عن الأسر والعائلات المستحقة والمتعففة، إلا أن البعض يستغل الأوضاع ليتسول في الشوارع والأماكن العامة من غير الفئات المستحقة للأسف، بل إن البعض يمتهن هذه الممارسة الممقوتة بأشكال عدة ليجمع آلاف الريالات مستغلا اللعب على عواطف الناس ويدغدغ مشاعرهم ليستدر العطف عليه، في حين أنه لا يعدو إلا أن يكون متمرسا في التحايل على الآخرين ليكون ثروات قائمة على إمتهان التسول كمهنة وكإحتراف بل إن البعض يعمد لتجنيد الأطفال وكبار السن بوضعهم على قارعات الطرق في إطار ممارسة المهنة.
الأمر الذي يتطلب مكافحة هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا المتكاتف بين فئاته وشرائحه المختلفة لتخفيف الأعباء الحياتية عن الأسر المتعففة المستحقة للإعانات والمساعدات سواء عبر برامج المساعدات الاجتماعية من قبل وزارة التنمية الاجتماعية أو من خلال الفرق والجمعيات الخيرية التطوعية التي تعمل وفق أسس تقف من خلالها على المحتاجين بشكل دقيق، وهنا يتطلب من مختلف شرائح المجتمع عدم مساعدة المتسولين على إنجاح خططهم وتوجيه التبرعات والمساعدات إلى القنوات الصحيحة حتى لا نلصق هذه الظواهر السلبية بمجتمعنا. ومما لا شك فيه أن ظاهرة التسول بدأت تتزايد في الآونة الأخيرة رغم الجهود الحكومية والمجتمعية المبذولة للحد منها، فهي تشابه في سلوكها عصابات المافيا، إذ تتلون بأشكال مختلفة ووفق مقتضى الحال للتحايل وإستدرار عطف أصحاب القلوب الرقيقة، لقد وصل بها الحال إلى إستغلال المساجد بعد إنتهاء الصلوات وبعضها الآخر يستغل من بداخل السيارات من ركاب، وبعضهم يوقف المارة ويطلب منهم إسعاف بريالات للوقود، وآخرين يتمركزون أمام مكائن السحب النقدية للبنوك والمصارف، وآخرين ينتهجون الأحدث عبر التسول الإلكتروني في تسجيل المقاطع المصورة المؤثرة والرسائل، وآخرين يجنحون للمقاطع الصوتية التي ترسل فرادى وجماعات عبر برودكاست لكسب أكبر قدر من المبالغ النقدية، بل يصل بالبعض بأن يشترط مبلغا من المال لا يقبل بأقل منه إلى غير ذلك من الأساليب المرفوضة. على الرغم من الجهود المبذولة في معالجة بعض الجوانب التي تستدعي المساعدة من خلال دور وزارة التنمية الإجتماعية في الأخذ بأيدي المتسولين للطريق الصحيح وتوعية المجتمع بالتبرعات من خلال الجمعيات والصناديق والفرق الاهلية المعتمدة، إلا أن الكثير منا يساهموا في تفشي ظاهرة التسول وبغير إدراك لحجم وخطر الظاهرة من خلال الدفع للمتسولين بحسن نية وبدافع تقديم المساعدة او تقديم الصدقة، يحدث هذا نتيجة لضخامة التوسلات والرجاءات التي يجيدها هؤلاء في إطار ممارستهم للمهنة، هم بذلك يعملون عكس تيار الجهات الرسمية ولكن بحسن نية كما أكدنا. في الواقع وهذه نقطة خطيرة فإن الدفع لهذه المكونات سيفضي حتما لتمويل المسكرات والمخدرات وزعزعة أمن المجتمع، فهم يكسبون أموالا بطرق سهلة ولاضير لديهم من أن تذهب هذه الأموال لتحقيق أي رغبات إجرامية أو شيطانية. فاليوم ورغم الجهود المضنية التي تقوم بها الجهات المختصة لمكافحة الظاهرة فإنها لن تستطيع تغطية كل ولايات ومحافظات السلطنة وكل الأحياء والشوارع والأزقة والأسواق مالم تجد الدعم والمساندة من كل أفراد المجتمع. نحن أمام ظاهرة يجب أن تتضافر كل الجهود لوقفها كليا بل وإجتثاثها من الجذور، فلا يستقيم عقلا أن ننتقد الظاهرة من جانب، وندفع بطيب خاطر للمتسولين من الجانب الآخر في تناقض آن الأوان للإنتباه إليه. بالطبع لايجب علينا أن ندفع الأسر المتعففة للتحول لخانة المتسولين الممقوتة وإذ هم يرون بأعينهم كيف أن المتسولين يتحولون لأثرياء، وهم يعانون الأمرين لا لشيء إلا لأنهم يتحصنون خلف أسوار العفة العالية وتأبى أنفسهم النزول لذلك الدرك السحيق، كما أن عدم الانتباه للمتسولين ونحن ندفع لهم بسخاء فذلك يعنى ببساطة أننا نعمل ضد جهود وزارة التنمية الاجتماعية الرامية لتنظيم العمل الخيري. نأمل أن لا نشجع ظاهرة التسول بمساعدتهم، بل علينا أن نوجه أموالنا وتبرعاتنا وصدقاتنا إلى الجهات المختصة حتى من خلال هواتفنا الذكية التي تفعل الشئ نفسه ببساطة متناهية، فهناك أكثر من 30 جمعية خيرية وتطوعية ترعى الفئات المستحقة والمسجلة هم وحدهم الأحق بـ (الصدقات) وبالرعاية والمساندة والعون.