بقلم: محمد بن علي البلوشي
الصورة العامة لمجتمعنا أنه مسالم وبسيط ويغلب الهدوء على طبع الناس والحياة.. يبتعد عن الغلو والمغالاة في الأمور..ويتجنب كل مامن شأنه أن يمسح كل تلك الصفات التي يتحلى بها..التسامح والتصالح مع الذات والتعايش المشترك.تلك نجمات تغنينا بها حينما علت..وقد نأسف عليها حينما يأتي زمن لنتذكرها وهي هوت.
وسط هذا كله تبدد الأفعال الحالية كثيرا من تلك الصورة الرائعة التي لازمتنا لدهور وعقود وبتنا اليوم نركب موجة يقودها بعض الذين في نفوسهم مما نعرفه ويعرفه الكل وهو اقتياد الجميع نحو الحظيرة الواحدة والأنصياع التام لأهوائهم متذرعين ورافعين لوحة الدين..وكأن مايحدث حاليا هو إعادة تصحيح لهذا المجتمع المسالم والهاديء. نعود إلى عصر الوصاية وعودة الوصاية بترويض المؤسسات إذ يحاول البعض الاستقواء بها لنزع تلك الصفات التي تغنينا بها ذات يوم عن النجمات في بلادنا .التسامح والعيش المشترك والأنفتاح وعدم التدخل في شؤون الاخرين..وعدم مهاجمة الأمم والشعوب فيما يؤمنون ويفعلون وتصرفاتهم واتجاهاتهم.هذه نجمات قد تهوي ذات يوم.
في هذا الفراغ الذي يترقب البعض لاقتناصه يسوقون الناس للألتفات إلى بسائط الأمور لتعقيدها ولف الحبل حول رقاب الناس لفرض طريقة واحدة فقط للعيش والحياة..وهي محاولة لترويض الدولة الشاملة والحاضنة للجميع لهم تحت مسميات رنانة وبراقة..عند الترف يلتفت المترصدون لصغائر الامور فهناك من لايشغله شي فيلتفت لها..وفي العوز لاأحد يلتفت للاستماع لهم فالجوع سيلتهمك إن لم تعمل.
عن قصة حقيقة يصورها فيلم "قاعة جيرمي" يعود الناشط الإيرلندي جيمي جرلتون من الولايات المتحدة إلى بلدته الايرلندية بعد أنتهاء الحرب الأهلية البريطانية الإيرلندية..فيقرر إعادة افتتاح قاعة قديمة لأبناء بلدته بعد أنتهاء الحرب الأهلية فخصص القاعة للنقاشات واطلق فيها حصصا للرقص والموسيقى - أدخل موسيقى الجاز- جنبا إلى جنب مع الموسيقى الشعبية الايرلندية وكذلك حصصا في الملاكمة وتدريب بعض المهارات لأبناء البلده شبابا وشابات رجالا ونساء..ولأنه كان قادما من الولايات المتحدة اراد أن يأخذ الجميل ويفيد به اهل البلدة بعد سنوات عجاف من الحرب والدماء والنزاع..لايوجد في الحرب مكان للترف او الترفيه إلا ماندر..فالأبتسامات تتسلل بصعوبة للقضاء على الجروح والإنهاك وصوت الرصاص وصيحات الألم..نجحت قاعة جيرمي في مبتغاها فبدأ أهل البلدة بأرتيادها وتشجع الكثيرون للأنخراط في تلك الحصص والدروس.لكن ليس كل درب يوصلك لمبتغال بسهولة..فقد أثار ذلك غضب قس البلدة وهو يرى أن القاعة تختطف الناس من كنيسته وسلطته وقد يأتي ليجد المقاعد فارغة في عظة الاحد إلا من العجائز وكبار السن.استغل القس سلطته بأسم الدين والكنيسة وعلاقاته المتواصلة مع الشرطة /الحكومة للضغط لإيقاف ماسماها "قاعة الفسق والظلال والانحراف"..فكان له ماأراد حيث أحرقت القاعة وقامت السلطات بنفي جيمي وإعادته إلى نيويورك..وهنا أستطاب للقس المكان مرة اخرى ليفرض وصاياه على الناس..لكن هناك من توعد وصمم على مواصلة درب جيرمي.
هذه القصة تعيد بعض المشاهد التي نراها ونفجع بها أستغرابا واندهاشا فيما يحدث في هذا المجتمع الذي يسعى البعض لاختطافه وتغيير مساره البسيط إلى وضعه في الأكفان الجاهزة تحت مسميات معلبة.فمن حرية التعبير والرأي إلى منحى اخر وهو السعي ومحاولة فرض الرأي بالقوة على أرض الواقع لتوجيه بعض مؤسسات الدولة للانصياع لرغباتهم.
في البديهيات الدولة هي التي تتحمل الكلفة العامة.. هي المسؤولة عن المنع والسماح ضمن القواسم العامة المشتركة..والزج بالدين في كل صغيرة وكبيرة من قبل البعض له مآرب وشواهدها ونتائجها كثيرة أما فرض ذلك بالقوة فهي أفعال لاتمت بالمجتمع المدني ..وغدا سوف يتطرف البعض بلافتات دينية لفرض اشياء لنفي المجتمع خارج الزمن الحديث..ماذا يريدون:توقيف الناس في الشوارع..إعادة محاكم التفتيش من جديد..تفتيش جيوب الناس ووجوههم ونواياهم.صناعة الابتسامة وفق معايير محددة ..فرض أطراف ذات وصاية بين الإنسان وربه وعالمه الاخر..ماذا يريدون.
وهنا السؤال هل تدرك الدولة بعض هذه الممارسات..الإجابة قد تكون حسنا نعم..إنها بسيطة عابرة وستمر ..دعوها تمر فهي لم تقترب من الخط الأحمر..إنها بعيدة عنه..لكن بعض الممارسات تتضخم وهي بعيدة عن الخط الأحمر الذي قد لايلامس ظاهريا بينما تنتشر الممارسات كالخلايا السرطانية وتحيط بالخط الأحمر وتحاصره من كل الزوايا.
هناك من يستقوي بالدولة لأرائه واهوائه ذات لفرض وصايته "ذات القدسية".. لماذا لايريدون يترك المجتمع لذاته ..هل بهذه الممارسات هم يعيدون أفعال الكنيسة بأسم الرب والوسيط.هذه ممارسات يراد بها تعليب الناس في عبوات لئلا يخرجون من تحت عباءتهم عبر ترويض المؤسسات لبسط فرائضهم.. لاتدعوا نجماتنا التي علت وقاتل الاخرون لأجل علوها أن تهوي.