بقلم: محمد محمود عثمان
المرحلة المقبلة من التعافي الاقتصادي تضعنا أمام عدة خيارات صعبة لأن العالم لا يستغني عن تدفق رؤوس الأموال والاستثمارالأجنبي في المشروعات الصناعية والاقتصادية، والبداية من استثمار البعثات الدبلوماسية في الخارج، وتسخير أمكاناتها واتصالاتها لتعظيم تدفق الاستثمارات وزيادة حجم الصادرات والترويج التجاري للسلع والخدمات، لأن السماء لا تمطر أستثمارات على الخاملين، ولأن الاستثمارات في زمن الأزمات تواجه الكثير من التحديات أهمها الروتين والإجراءات والتشريعات والبيئة والمناخ المناسب ثم حُسن العرض والترويج، والإلحاح فيه والتواصل والتواجد الدائم في الأسواق العالمية للمال والأعمال، ودراستها وتجميع البيانات والمعلومات التسويقية عن أذواق وأنماط السلوك الاستهلاكي والتعرف على الرغبات واحتياجات الأسواق وفئات المستهلكين واتجاهاتهم المستقبلية لتوفير قاعدة بيانات متكاملة ولاشك أن هناك مسؤوليات على عاتق البعثات الدبلموماسية في الخارج تكمن في الربط بين المعنيين والمستهدفين في الدول التي يتواجدون بها،وعمل غطاء قانوني وسياسي لتسهيل وتنظيم عمل الوفود التجارية والاقتصادية التي تجوب العالم لجذب الاستثمارات والمستثمرين الجادين والترويج للصادرات والمنتجات والسياحة وفتح أسواق جديدة إلى جانب مسؤولية وزارات التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ووزارت الاقتصاد والخارجية والإعلام وغرف التجارة والصناعة المشتركة - العربية والأجنبية،وهذا يؤكد أهمية تزويد البعثات الدبلوماسية في الدول الكبرى بملحق اقتصادي متخصص وكذلك بملحق إعلامي للمساهمة في تعزيز دور الدبلوماسية الاقتصادية، لأن لكل الوزارات دور حيوي ومحوري لا يمكن الاستغناء عنه لأنها أدوار تمثل حلقات متكاملة لا تقبل الانفصال أو الانفصام لأنها تتشابك وتتكامل على مستويين:المستوى المحلى لتطويرالتشريعات والقوانين وتسهيل الإجراءا ت وتقديم حزم من الحوافز التشجيعية بتخفيض الضرائب والرسوم، حتى لا تمثل عبئا على تكلفة الأيد العاملة، وأسعار الطاقة وهما من المميزات التنافسية أمام المستثمرين، وكذلك تأهيل وتدريب الكوادرالتي يمكن أن تمثلها لأداء دورا فاعلا للدبلوماسية الاقتصادية في الخارج وعلى المستوى الخارجي ألا يكون دور البعثات الدبلوماسية مجرد الوسيط المحايد أو السلبي فيما يطلب منها ولكن دورا مبادرا في المشاركة العملية وتقديم العون والمساعدة في طرح الرؤي والحلول والخيارات والبدائل المتاحة لإنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف، باعتبار أن الدبلوماسية هى فن الممكن الذي يحقق المصالح المنشودة من خلال التنسيق والإعداد وعرض الرأي والرؤية ومراجعة الصياغات القانونية للاتفاقيات والعقود والتوكيلات،لضمان الحقوق وسلامة تنفيذ الالتزمات ومصداقية الدولة التي يتم تمثليها وفي هذا الإطار من الضروري الاهتمام بفتح خطوط قوية مع الدبلوماسية الناعمة في الدول التي تتواجد بها البعثات الدبلوماسية من خلال مد جسور التواصل مع مؤسسات القطاع الخاص وممثليه، و المجتمع المدني والصحف ووسائل الإعلام المحلية القادرة على التأثير وسرعة الحركة والعرض والمتابعة خاصة في الدول الكبرى،وتبعا لأهمية الأسواق العالمية التي تمتلك الامكانات الاستثمارية والتكنولوجية والسياحية، والقدرة الاستهلاكية أيضا،وقد شاهدت دورا متميزا يمثل ذلك من خلال البعثة الدبلوماسية العمانية بجمهورية مصر العربية حيث يقوم السفير عبدالله بن ناصر الرحبي السفير العماني بالقاهرة بالعمل خارج الصندوق وبعيدا عن القيود والتعقيدات والإجراءات الروتينة المتعلقة بالحصول على الإذن من وزارة الخارجية للاتصال مع الجهات والمؤسسات المحلية والتي تحكمها الاتفاقيات الدولية - وهى المشكلة الدائمة التي تواجهها البعثات الدبلوماسية في دول العالم في كيفية التواصل مع الجهات والمؤسسات الحكومية أو الخاصة - حيث يستضيف ويلتقي مع رجال الأعمال من الجانبين لبحث الاستثمارات المتبادلة والمشتركة، ويرعى الفاعليات والمعارض والمؤتمرات الخاصة بهم، بالإضافة إلى عقد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع البعثات الدبلوماسية الأجنبية المعتمدة، ولاشك أن ما تقوم به الدبلوماسية العمانية في الجانب الاقتصادي بالقاهرة هام وضروري نظرا لطبيعة السوق الاستهلاكي المصري الذي يمتلك قدرة استهلاكية ضخمة يمثلها حجم سكاني يقترب من 115 مليون نسمة، وخاصة أنه يمكن الاستفادة من مصر كبوابة للسوق الإفريقي للمنتجات العمانية من خلال مشاركتها في اتفاقية الكومسا الاقتصادية، وتزداد هذه الأهمية مع فتح الطريق البري بين عُمان والسعودية، ما يسهم في تنشيط الصادرات وحركة التجارة البينية العربية مع دول الشمال الإفريقي،بعد التغلب على إشكالية تكاليف الشحن والنقل والتأمين باستخدام المنفذ البري.