التعاون الإقليمي وأثره في تجاوز الأزمات

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٢/أبريل/٢٠٢٢ ٠١:٠٩ ص
التعاون الإقليمي وأثره في تجاوز الأزمات
محمد بن محفوظ العارضي

بقلم : محمد بن محفوظ العارضي

انتعشت آمال اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بفضل ارتفاع أسعار النفط خلال الأشهر القليلة الفائتةعقب فترة طويلة من التذبذب واللايقين.

وبحسب دراسة نشرتها شركة "ميتسوبيشي يو إف جي المالية القابضة" الشهر الفائت، يُتوقع أن تحقق دول مجلس التعاون الخليجي معدل نمو إجمالياً في ناتجها المحلي الإجمالي يبلغ 6.1 بالمئة في العام الحالي.

وعلاوة على ارتفاع أسعار النفط، يجدر بنا كذلك أن نعزو الفضل في هذا الانتعاش إلى القطاعات غير النفطية والاستجابة السريعة والفعالة للجائحة العالمية.

وعلى الرغم من أن البيانات تبدو واعدة، لا بدّ لنا أن نمضي قدماً بحذر، إذ أن حالة عدم اليقين موجودة دائماً وعلينا أن نركز على حماية مصالحنا وأن نكون معتمدين على أنفسنا بأكبر قدر ممكن للتصدي لأي أزمة.قد تكون مراحل التعافي من الأزمات صعبة، لكني أؤمن بضرورة التعاون الذي من شأنه أن يعزز مكانة منطقتنا ككل، وهذا يشمل جهود التعاون مع الشركات داخل البلاد وخارجها لتسخير أفضل الموارد المتاحة واستخدامها بالشكل الأمثل لمنفعتنا المتبادلة.إن قطاعات التصنيع في دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بإمكانات واعدة جداً للنموفمثلاً، ستكون دول منطقتنا قادرة على تحقيق مستويات أعلى من الأمن الغذائي إذا أصبحت أقل اعتماداً على الواردات مما هي حالياً.

على صعيد آخر، تحظى سلطنة عُمان بتاريخ حافل وطويل في قطاع صيد الأسماك والزراعة في منطقة صلالة، لكن إمكانات النمو كبيرة وما زال أمامها مجال واسع لتلبية معايير الإنتاج الحديثة.

وقد سجل قطاع الزراعة في السلطنة نمواً بنسبة 9.8 بالمئة في العام الماضي على الرغم من التحديات الجمّة التي فرضتها الجائحة.

ليس لدي شك بأن الاستثمار والتخطيط وتطبيق أفضل الممارسات العالمية يساعد على تحفيز الإنتاج الغذائي في السلطنة ومنطقة الخليج بشكل عام، الأمر الذي يخفض اعتمادنا على الواردات خلال العقود المقبلة.من ناحية أخرى، تعتبر السياحة من أهم القطاعات ذات الأولوية بالنسبة إلى المستثمرين والحكومات.وهناك أعداد متزايدة من الناس من جميع أنحاء العالم تتطلع الآن إلى السياحة والترفيه عقب فترات طويلة من توقف السفر.

وقد حققت دول مجلس التعاون الخليجي نجاحاً ممتازاً في هذا الصدد، لكن حان الوقت لكي نتعاون نحو تعزيز عملية التنوع في منطقتنا من خلال توفير عروض سفر شاملة ومتكاملة تستقطب السياح والمسافرين داخل المنطقة وخارجها.إن الشراكات الإقليمية بين مزودي خدمات السفر والوجهات الترفيهية والفنادق وخطوط الطيران ستسهم في تعزيز الأعمال السياحية وتسريع وتيرة الابتكار في القطاع السياحي بالمنطقة والمساهمة في تنميته على المدى البعيد.

وقبل ذلك، يأتي الشباب الذين يشكلون العنصر الأهم في مستقبل دول مجلس التعاون ويحتاجون إلى دفعة معنوية تحفزهم عقب ثلاثة أعوام عصيبة من الجائحة، إذ يبحث العديد من الخريجين الجدد عن فرص عمل خلال فترة التعافي الاقتصادي الحالية، وهم يواجهون عدداً من التحديات التي لم يستطيعوا الاستعداد لها خلال فترة دراستهم.

إن الجهود المتواصلة لخلق مزيد من فرص العمل وإطلاق برامج التدريب والتوجيه، وخفض معدلات الفائدة على القروض التي يحصل عليها رواد الأعمال، وتشجيع الحوار بين الشباب وقادة قطاع الأعمال، من شأنها أن تساعد المنطقة على التحلي بعقلية أكثر تفاؤلاً.

لقد اضطرت الشركات إلى تبني بيئة عمل جديدة تماماً بسبب الجائحة، وهذا يثبت أننا قادرون دوماً على إيجاد حلول مبتكرة لنحافظ على استمرارية الأعمال.

كما سخّرنا في صالحنا تقنيات عديدة لتعزيز مستويات الاتصال، ومن شأن تلك التقنيات أن تساعد على التواصل مع الموظفين الذين يعملون عن بُعد.

إن توفر مجموعة واسعة من المواهب يمنح أصحاب العمل قيمة عالية، ولم تعد هناك قيود العمل المكتبي للباحثين عن الوظائف وذلك بفضل التطور الحاصل في تقنيات الاتصال وممارساته.

ويمكن كذلك للشركات التعاون مع الجامعات في أنحاء المنطقة للتواصل بشكل مباشر مع الطلبة وتقديم جلسات الإرشاد والتوجيه والتدريب واطلاعهم على الوظائف المتاحة.

لقد واجهت دول مجلس التعاون الخليجي سلسلة من التحديات الاقتصادية، لكن التخطيط السليم وتنويع المصالح الاقتصادية خلال العقود الماضية وتكيف مواطنينا واستجابة حكوماتنا السريعة للأزمات كانت جميعها عوامل إيجابية ساعدتنا خلال الأوقات الصعبة.

وقد مهّدت تلك العوامل أيضاً الطريق أمام مرحلة واعدة من التعافي، لكن يجب التزام الحذر والسعي لإيجاد طرق جديدة للابتكار وحماية مصالحنا في المستقبل.

لقد حققنا تقدماً كبيراً وملموساً على مدار العقود القليلة الماضية، ولا شك أننا قادرون على مواصلة هذا المسار.

وكلي ثقة بأن التخطيط السليم والاستراتيجي، والاستثمار، وتكوين العلاقات والتحالفات المثمرة ستمكّننا من تعزيز مكانة دولنا وتجاوز أي عقبة أو أزمة محتملة في طريقنا.