بقلم : محمد بن علي البلوشي
ماهو الفرق بين الشاب العماني ذي العيون الواسعة وبين الصيني ذي العيون الضيقة والأنف المسطح.غير العيون والأنف فذلك صيني وهذا عماني وكلاهما لديه عقل.يأكل العماني لحم الغنم ويأكل الصيني لحم الغنم والكلاب.والجيل الجديد منهم بدأ بترك هذه «العادة» فما عادوا يأكلون لحم الكلاب.ونحن كنا نأكل لحم «الضب»وهو من الزواحف ومن اخوات السحالي.. ثم انقلب الحال وتركناه..هذه فروق ضيقة بينما الفروق الواسعة هي معنى العمل بين ثقافتين ومجتمعين والكل نتاج مدارس وتعليم.أسوق ذلك لأن كلاهما يرتبط بالتالي.
يريد الناس من الدولة أن تنتج كل شيء بدءاً من الخضروات إلى الفواكه إلى الادوية إلى حفاظات الاطفال على اعتبار أن ذلك أمن قومي غذائي ووجودي فإن لم تقم الدولة بصنعه فنحن تحت رحمة الاخرين فإن قامت بذلك قبلنا العمل وان قامت الشركات بذلك تلكأنا في قبول العمل.فالعمل في الحكومة كالنوم في حضن الام..اطمئنان وراحة.
يريد الناس ذلك ويبحثون عن نوع العمل بشروط قد لايستطيع القطاع الخاص ان يبدأ بها مع شاب يحبو نحو بداية السلم.الشاب الصيني الذي كان اجداده ذات يوم ضحايا حرب الأفيون تحول إلى تنين يبدأ رأسه وعقله من الصين ويلوح بطول ذيله على العالم كله مالئاً أسواق الدنيا بمختلف المنتجات والبضائع من الرخيصة إلى المتوسطة إلى الغالية لم يستورد احد لينتج له لكنها الارادة..الصناعات الثقيلة واخواتها كلها قصص صينية أيضا عمادها الشاب الصيني ولايمكن مع ثقافة العمل الحالية أن نستوعبها بطاقاتنا فلنركز على الاساسيات المحركة لاستمرارية حياتنا فقط...ونحن لم نكن ضحايا حرب الأفيون بل ضحايا من أسباب عديدة انتجت لنا الفقر والجهل..مصانعهم تنتج ومزارعهم تزرع ولايوقف أبناء تلك البلاد عن الإنتاج سوى الموت والشيخوخة.وفي الشيخوخة يعملون في اعمالهم الخاصة..يتمنى جيل بلادنا اليوم العمل ليترقى بسرعة وان يعمل في هدوء ويعود مبكرا إلى منزله والزواج بسرعة واقتناء الملابس الجميلة والسيارة الرائعة.وهاتفا اكثر من رائع.
مساء يعمل الطلاب في العالم الأخر المختلف عنا في مطعم أو بقالة أو حانة أو في توصيل الطلبات وغير ذلك من الأعمال فيصرف على نفسه ويقلل من اعتماده على والديه ثم يتخرج ليبدأ رحلة البحث عن عمل..قد تتلقفه الشركات ويقبل بالقليل.ليس مستعجلا على الزواج والسيارة والتباهي.فيزيد من رصيده المهني وخبرته ويبدأ برحلة الصعود المهني ويكسب المال وترتفع قيمته السوقية لدى الشركات.هذا الكفاح الحياتي منعدم لدينا.
في الاسبوع الفائت أثارت حادثة الانهيار الجبلي في عبري تساؤلات الكثيرين الذين وجهوا تساؤلا واحدا لماذا لاتنقض الدولة على هذا القطاع وتؤممه باعتباره ثروة قومية كالنفط ..تطلق الناس الاسئلة بدون أن تفكر في إجابات عميقة .في مجلس الشورى قال وزير النقل كذلك انهم ارادوا ان تصحح شركات الكسارات مسارها .. لكنها وضعت شروطا تعجيزية.والدول التي تحترم ذاتها تلتزم بقوانينها وعهودها فإن استنفذت الحلول لجأت للقانون لتختصم أمام القضاء ليقول كلمته .اما الدول المزاجية فتستطيع ان تستغل قوتها وتجرد القانون من محتواه وتسلب الناس والمؤسسات حقوقها بالابتزاز.هل ينبغي أن تؤمم الدولة تلك القطاعات..لا أعتقد أن ذلك خيار عقلاني..الخيار الجيد أن تراجع الدولة شروط العقود وكفاءتها وان تستوعب هذه القطاعات عددا اكبر من المشتغلين العمانيين فتتوزع الفائدة والمصلحة بين الأطراف الثلاثة.
يقوم النظام الاقتصادي العالمي على السوق الحر الذي يحركه القطاع الخاص والشركات فينتج البضائع والسلع والخدمات والوظائف والاموال للبلاد في دورة اقتصادية معروفة للجميع.تستثمر الشركات والافراد في البلاد ويولدون فرص الاعمال ويدفعون الضرائب للحكومة ويزيد الناتج المحلي فيستفيد الجميع.سيطرة الدولة على هذه القطاعات يعني شركات حكومية..هل يضمن تملك الحكومة للشركات نزاهة شركاتها أو أنها الوحيدة القادرة على التوظيف؟ هل ستستمر بنفس الاداء على مر الزمن.لاتوجد ضمانات وحينها قد تتحول شركات الحكومة إلى مرتع للواسطات في التوظيف والمحسوبية ..انفسنا وعقولنا تقول لنا إن «الأقربون أولى بالمعروف» هذا هو تفكيرنا ..اشتري انتاج فلان اوأعط فلاناً سعرا مناسبا كما في قصة الطريق الساحلي..لنؤجل الانتاج غدا..لابأس بالخسائر الاجور ستنزل أخر الشهر..ثم ماذا؟. مع تقدم السنوات ستترهل تلك الشركات ويتسلل المحظور إليها رغما عنها فالمال العام عرضة للفساد ومهما سلطت الضوء على الحوكمة فيه فإنه لن يسلم والحل هو تسليمه للقطاع الخاص بعد ان يتم احكام قوانينه ونظامه وحوكمته.هكذا تنجح الشركات وتكسب الأموال ويستفيد الناس من الشركة التي تنشأ في محيطهم أو إقليمهم او ولايتهم فهي توفر الوظائف وتدر الاموال في دورة السوق فيؤسس الناس كيانهم الأسري ويبنون بيوتهم ويشترون السيارات والمنتجات المحلية والمستوردة ويستهلكون مستفيدين من ازدهار أعمال الشركة.هذا هو الاقتصاد الحقيقي
على الدولة أن تغذي السوق بالمؤهلين والمدربين على العمل من العمال شبه الماهرين إلى العمال الماهرين والاختصاصيين بدلا من ضخ الخريجيين المتعلمين تعليما عاليا أو متوسطا في المؤسسات العسكرية والمدنية وإن لم تكن بحاجة لهم كلهم بدلا من الاستماع للحلول السطحية بالتأميم.فإذا كانت الدولة هي التي أنتجت هذا الاقتصاد وهذه الثقافة الاجتماعية عن العمل في لحظة تاريخية كانت بحاجة لذلك بمقدورها أن تصلح هذا الاعوجاج بالإرادة القوية.تلك مسؤوليتها..كما فعلت الصين ذات يوم..»أعيدوا للجيل عقيدة العمل».