بقلم : علي بن راشد المطاعني
تتعاظم قيمة الوقف في دول العالم عندما يخصص للتعليم والصحة بالتحديد لكونهما أهم مجالين يحتاجهما الناس، لذا فمن الطبيعي أن نجد الأجداد وقد وجهوا الكثير من الوقف للتعليم، وكذلك الغرب عندما فطن لأهمية التعليم منذ قرون فوجهه بالتحديد للجامعات والكليات وللبحث العلمي لدوره في خدمة الإنسان والإنسانية.. اليوم نجد أنفسنا أمام مفترق طرق بشأن الإهتمام بالوقف التعليمي على كافة المستويات والأصعدة الحكومية والأهلية، إذ يتحتم تجاوز العديد من التحديات الإقتصادية والمالية التي تواجه الدول والأفراد وخاصة ذوي الدخل المحدود وفئات الضمان الإجتماعي وغيرهم من الشرائح المستحقة التي تحتاح إلى إعانات ومصاريف ترفد المنح والبعثات التعليمية وتخفف من وطاءة الحياة علي أبناءنا الطلبة والطالبات في مواجهة أعباء وتكاليف الحياة اليومية، الأمر الذي يدفع نحو الإهتمام والتوعية بأهمية الوقف التعليمي سواء للجامعات والكليات الحكومية أو الخاصة بالبلاد، وذلك بإيجاد أقسام للوقف خاصة بالتعليم العالي وذلك من خلال توعية الناس بأهمية الوقف ودوره، وإقتراح برامج وحزم سواء بوقف الممتلكات أو الأصوال أو إصدار أسهم وقفية وغيرها من الأدوات بحيث تكون تحت رعاية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية والتعليم العالي لتقييم التجارب وتعزيزها بكل السبل التي تسهم في إيجاد أوقاف للمؤسسات الأكاديمية.
بلاشك أن الوقف التعليمي مفتاح لتطور العلوم والبحوث العلمية والتطبيقية وأداة لحفز القدرات الطلابية على مواصلة تفوقها، ولكنه يعاني في بعض الأحيان من قلة السيولة النقدية وعجزة عن تغطية بعض البعثات والمنح الدراسية، ويجد الطلاب أنفسهم في مأزق لايحسدون عليه، وكذلك الجامعات والكليات لعدم وجود بديل يعزز من القدرات المالية لهؤلاء الطلبة والطالبات، وهناك الكثير من الأبحاث العلمية لاتجد من يمولها رغما عن أنها تهدف لإكتشاف علوم ولقاحات وإجراء تجارب إلى غير ذلك من الجوانب العلمية التي تحتاج إلى إمكانيات مادية.
فاليوم على الجامعات والكليات أن تنشئ أقساما لديها بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية والتعليم العالي للتوعية والحث على الوقف التعليمي والأكاديمي والبحث العلمي فيها وتديرها كوادر متخصصة تعمل على حفز المجتمع على وقف التعليم وإقناع الأثرياء ورجالات الأعمال بوقف بعض أملاكهم وإيجاد الوسائل التحفيزية والتشجيعية مما يسهم في إثراء هذه التجربة المتاصلة فطريا في المجتمع العُماني، وبالتالي سوف تتبارى أكثر من 50 كلية وجامعة لبلورة مفهوم وأهداف وأنماط الوقف التعليمي كل وفق مسوغاته ومبرراته ورؤاه وأهدافه ومنطلقاته وسنجد أن النتيجة إيجابية في نهاية المطاف وتصب في خانة المفهوم العام للوقف التعليمي الذي ننادى ونحض عليه.. فاليوم لدينا تجارب عالمية حاضرة ومفادها أن 90% من الجامعات الغربية تعتمد بشكل كلي وجزئي على أموال الوقف، ففي الجامعات الأميركية نجد أن أموال الوقف لمؤسسات التعليم العالي تبلغ 119 بليون دولار، وأكبر 10 أوقاف جامعية هناك جمعت أصولا تقدر بـ 224 بليون دولار، بل إن بعض أوقاف المؤسسات التعليمية تفوق ميزانيات دول، مثل جامعة هارفارد التي تبلغ أوقافها 39 بليوناً، وجامعة تكساس 30.9 بليون، وجامعة ييل 30.3 بليون، وجامعة ستانفودرد 27.7 بليون.
وعلى الصعيد المحلي وبعد المرور على الوقف التعليمي الأميركي نجد أن وزارة التعليم العالي عملت على إنشاء مؤسسة (سراج) الوقفية لإدارة ودعم الأوقاف التعليمية على مستوى السلطنة، وقد تم إشهار هذه المؤسسة يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2019 في منتدى (دور الوقف في دعم التعليم وتمويله).
وتتمثل أهداف المؤسسة في تجديد الدور التنموي للوقف في رعاية التعليم ودعم برامجه العلمية، وإيجاد مصادر متنوعة ومستدامة لدعم التعليم في مستوياته كافة، ودعم المحتاجين من طلبة العلم وفقاً للتقارير اللازمة من جهات الإختصاص وتقديم الدعم اللازم لطلبة العلم من فئة ذوي الإحتياجات الخاصة والبرامج المناسبة لها.
وكذلك إستقطاب أموال التبرعات والهبات والوصايا لدعم التعليم ووضع ضوابط لها، وإيجاد أفضل الطرق لتشغيلها وتنميتها واستثمارها، مع توظيف أموال المؤسسة وعائدات إستثماراتها لدعم وتمويل المشاريع ذات الصلة بتنمية قطاع التعليم بالسلطنة، وتطبيق الممارسات المثلى في هذا المجال.
وكذلك إستثمار أموال المؤسسة الوقفية وتطويرها والمحافظة على إستدامتها، ويجوز لها في سبيل ذلك الإستثمار في المجالات العقارية أو الصناعية أو الزراعية وغيرها من المجالات وفق ضوابط الشريعة الإسلامية في إستثمار أموال الوقف، وتعزيز أعمال الخير والتكافل الإجتماعي وبث الوعي في المجتمع حول أهمية المساهمة في الوقف التعليمي.
في المقابل نحتاج إلى مؤسسات وقفية في كل جامعة وكلية حكومية وخاصة للنهوض بالوقف التعليمي كل بجهده ودوره وأهدافه وعلاقاته في جلب الوقف سواء لدعم البحوث العلمية والدراسات البحثية أو دعم الطلبة والدارسين في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، حيث أن لكل كلية أو جامعة أولوياتها الخاصة بها، ولمسؤوليها علاقاتهم وإرتباطاتهم، وبذلك يمكن لكل منها الإسهام في جلب الأوقاف لمؤسسات التعليم العالي، عندها سنجد أن لدينا تنافسا على مستوى المؤسسات التعليمية في إيجاد أوقاف لها وسيتسنى تبعا لذلك مساعدة الطلاب المحتاجين للدعم، وعبر ذلك نكون قد قطعنا شوطا طيبا في التوعية بأهمية الوقف وأهدافه.
وفي مطلق الأحوال تبقى مؤسسة (سراج) الجهة المرجعية والمشرفة على المؤسسات الوقفية التعليمية بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية للنهوض بهذا الجانب وتنطيمة.. إن الأوضاع الإقتصادية والمالية تحتم علينا إستنهاض قوي المجتمع وتوعيته بماهية الوقف وأهميته ودوره في بناء الأمم والشعوب وقيمة أجره لدى المولى عزوجل.. نأمل أن نسرع خطوات الوقف التعليمي وتعزيزه في كل مؤسسة تعليمية تحقيقا للأهدف التي ذكرناها، والعمل على إيجاد دوائر أو أقسام في كل كلية وجامعة لإدارة الوقف، فهذا يُعد إستثمارا إيجابيا في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي ودعم فاعل للطلبة المحتاجين لمواصلة طريقهم العلمي بحول الله وتوفيقه.