عوض لايتعوض!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٤/أبريل/٢٠٢٢ ٠١:٠٧ ص
عوض لايتعوض!

بقلم: على بن راشد المطاعني

الكثير من الكفاءات المتخصصة فقدتها الدولة في كل قطاعات الطب والهندسة والقانون وغيرها من المجالات، وفي وقت تحتاج فيه البلاد والعباد لخدماتهم وإسهاماتهم في منظومة البناء والتعمير والتنمية المستدامة، خاصة أن الخبراء في الطب والقانون يصعب تعويضهم عندها يتم اللجؤ قسرا للخارج لتعويض النقص في هذه الكفاءات، كما لاينبغي أن ننسى أو نتناسى حقيقة أن هذه الكفاءات صرفت عليهم الدولة آلاف الريالات تعليما وتأهيلا وتدريبا لأنها في أمس الحاجة إليهم، غير أن التفريط فيهم بسهولة هو أمر يحتاج إلى مراجعة.

من القيادات القانونية التي فقدناها نجد الدكتور عوض الحرملي بوزارة العدل والشؤون القانونية كنموذج للقيادات التي لم تفقدها الوزارة فحسب، بل فقدته الأجهزة الحكومية، فخبراته في مجال القانون وإدارة وتاهيل الخبراء الذين يعدوا معاون للقضاء وتنظيم عملهم أسهمت طوال السنوات الماضية في تطوير مهنة اعمال الخبره وتنظيمها، واليوم يوجد فقط على اللسان طعم المر ومعها عبارة (عليك العوض ياعوض).

وقياسا على ذلك نجد هناك الكثير من الموظفين في مجالات تحتاجها البلاد فقدناهم ببساطة ليظل مكانهم شاغرا، ومعنى (شاغر) لاتعني تعيين آخرين مكانهم فهذه مسآلة آلية تتم ببساطة ولكن المقصود هنا عدم وجود ذات الكفاءة لتشغل ذات المكان، هنا فإن التراجع في منظومة العمل والأداء يغدو واضحا، وبما أن تعويضهم ليس بالأمر الهين فإن تلامذتهم من الموظفين ممن نهلوا من خبراتهم وعلمهم مافتئوا يتذكرونهم ويتطلعون لعودتهم ليكلموا معهم المشوار سيما وأن التلاميذ لم يصلوا بعد إلى مستوى أساتذتهم، وهذا يشير إلى أن فقدهم جاء في غير وقته وفي غير أوانه.

هذه القيادات الفذة تغادر الجهاز الإداري للدولة خالية الوفاض حتى من كلمة شكر وتقدير وثناء وعرفان، وفي حلوقهم غصة وعلى وجوهم مسحة حزن لاتخطئها عين، إذ المأمول والطبيعي والمنتظر لم يأت للآسف ويتمثل في أن نضعهم في حدقات العيون عرفانا وإمتنانا وتقديرا وتكريما لا بالميداليات ولكن بالريالات.

وهناك أيضا العديد من الخبرات والقيادات المتخصصة كالطيارين والأطباء والمهندسين في بعض أجهزة الدولة يغادرون مواقعهم ولم يكملوا الخمسين من أعمارهم بعد، هكذا ببساطة، هكذا بكل أريحية سوداوية سالبة، فهم وفي هذا العمر يكونوا قد وصلوا لقمة سنام العطاء وقمة سنام الفاعلية العملية والميدانية بحكم التأهيل المستمر الذي نالوه وبحكم الخبرات التي تراكمت لديهم وقد آن أوان غرس ونقل هذه العطاء الذي لايقدر بثمن في عقول تلامذتهم، فتأت المغادرة لتقطع هذا الحبل الذهبي النفيس.

هؤلاء الخبراء خدموا الدولة 30 عاما على أقل تقدير، ودخلوا الخدمة وهم شباب في العشرينيات من أعمارهم، فإخارجهم من الخدمة وهم في الخمسينات بدون النظر للإعتبارات التي أشرنا إليها نحسبه خسارة فادحة لاتقدر بثمن، كما أنها لاتعوض أبدا، سيظل الثقب كما هو بل يزداد إتساعا مع مرور الأيام وتوالي السنين.

وإذا كان الأمر كذلك بشأن الكفاءات الوطنية العُمانية فإننا نجد أن الخبرات الأجنبية تلامس أعمارهم الثمانين حولا غير إنهم في مأمن من هكذا هجمات مرتدة، ولسان حالهم يقول للمواطنين نحن الباقون وأنتم الذاهبون للتقاعد وهذه قسمة ضيزى بكل المقاييس، إذ على الأقل العكس هو الذي ينبغي أن يكون.

بالطبع هناك من اكمل الستين من العمر وهو في رأس عمله تلك حقيقة أيضا، ولكن هناك قطاع واسع من المحالين للتقاعد لم يبلغوا سن (الحلم) الخاص بالتقاعد وهم ما نعنيهم بالمقال.

نأمل أن يُعاد النظر فيما يمكن تسميته بتهجير الكفاءات المتخصصة في المجالات الحيوية التي أشرنا إليها، وليبقى الدكتور عوض الحرملي نموذجا ساطعا كنجم في كبد السماء في ليلة حالكة الظلمة لمن فقدتهم الدولة وليست الوزارة، ثم نقول في حسرة لن تعوض ياعوض مهما كان العوض.