بقلم: محمد محمود عثمان
اقتصاديات الصوم في شهر الصيام لها ضروريات دينية وعلمية واقتصادية غائبة عن الكثير منا، كدول وأفراد خاصة فيما يتعلق بالمقاصد الشرعية والاقتصادية، لأن المنطق يفرض علينا أن يكون رمضان موسما اقتصاديا للتوفير وللتخفيف عن ميزانيات الأسر والأفراد بل والحكومات التي تعاني من العجز في مواردها، نظرا لحجم التناقضات التي ارتبطت بالشهر الكريم بين البذخ والإسراف المبالغ فيه، وارتفاع منحنى حجم الانفاق والاستهلاك، وتخمة الترفيه والتسلية التي تفوق الحد، بعد أن ركزت الإعلانات على الترويج للسلع والمنتجات الغذائية والسلع المعمرة والسيارات، وكذلك على فنون الدراما في البرامج الرمضانية والمسلسلات التي أهملت تماما البرامج الدينية أو التعرض لكبار العلماء والشخصيات العلمية والأدبية والكتاب والمفكرين، بالإضافة إلى الاهتمام بالأفلام والأغاني والرقص وغيرها من الفنون التي أُنتجت خصيصا لعرضها خلال شهر الصوم والعبادات وهي موجهة إلى كل الفئات للسيطرة على العقول والوجدان وابعاد الناس عن الشعائر والعبادات، بدلا من التقرب إلى الله، لنعيش في حالة من التناقض الوجداني بين روحانية الصيام ومحتوى البرامج والمسلسلات، وذلك يوضح لنا بجلاء مظاهر معاناة الناس الفقراء، في مقابل الرفاهية الاقتصادية للبعض من خلال ما يعرض من عروض إفطار رمضان الراقصة أو السحور الموسيقي، وهذه أمور معلنة والمؤسف أن تتولى القيادة في هذا الشأن وسائل إعلام مصرية بكل قنوانها الفضائية - وبمشاركة فضائيات عربية أخرى -والقنوات المصرية هى التي تحملت عبء ومسؤولية التوعية الدينية والثقافية للعالم العربي منذ بدايات عمل القنوات الفضائية لأن شهر رمضان في البلاد العربية والإسلامية يستحوذ وحده على النصيب الأكبر من نفقات الغذاء خلال السنة، كما أن حجم الإنفاق في هذا الشهر يرتفع بنسبة 50% عن شهور العام، على الرغم من وجود وجبتين فقط في اليوم، وكان من الأوجب أن نوفر ثلث النفقات الغذائية في هذا الشهر، لأنه يشهد أيضا أعلى نسبة من الفاقد في المواد الغذائية، خاصة أن تقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تشير إلى إن الفرد في المنطقة العربية يُهدر في صناديق القمامة كمية من الطعام تصل إلى 250 كيلوجرام سنويا، وإن الهدر يزيد في رمضان ليصل إلى 350 كيلوجراماً، بالتزامن مع استمرار ارتفاع معدلات الجوع في بعض مناطق العالم، كما أن مصروفات شهر رمضان بصورة عامة في بلاد المسلمين تعادل إنفاق ثلاثة أشهر تقريباً، نظرا للاندفاع الشرائي المحموم وغير المسبوق، وأن ما نشاهده من مظاهر البذخ والإسراف سواء في الطعام أو الشراب خلال شهر رمضان هو انحراف عن مفهوم الصوم وعن المفاهيم الاقتصادية الصحيحة، وهذا الاسقبال للشهر الفضيل به من السوء ما هو أسوأ منه، كأننا ننتظررمضان لا لنصوم ونتعبد، بل لنرى حفلات اللهو والسمروالسهر، ونفتخر باستنساخ واسترجاع أسرار وغراميات الفنانين، للاستمتاع بالمعاصي والتسلية مع المطربات والممثلات والراقصات والعاريات، إلى جانب البحث عن أجود وألذ الأطعمة والحلويات والمكسرات، العجيب أننا نستعد لذلك بكل همة ونشاط منذ عدة شهور ونفتح الأستديوهات للتصوير والتسجيل داخل البلاد أوفي خارجها، حيث الميزانيات المالية المتوفرة لذلك، إلى جانب منتجوا الأعمال الفنية الجاهزون للتمويل دائما، والحكومات أيضا تشارك في هذه المظاهر حيث تستعد منذ عدة شهور بعمليات استيراد واسعة للأصناف والمنتجات غيىر المتوفرة في اسواقنا مهما كانت التكاليف المادية لتوفير احتياجات الصائمين، لتسجل أرقاما قياسيّة في التبذير، ومن المتناقضات الإقبال الكبيرعلى مختلف السلع الضرورية والكمالية من كل الفئات حتى غير القادرة، ما يمثل عبئا إضافيا على الأسر والأفراد وميزانيات الدول في الوقت ذاته، التي تسعى لتوفير كافة السلع والمنتجات التي تغطي الطلب المتضاعف من المستهلكين، حتى ولو عن طريق الاقتراض والاستدانة على الرغم من نقص الموارد، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، التي صنعتها جائجة كورونا وتسريح ملايين الأيد العاملة وتعثر الشركات وتوقفها، وتضررالاستثمارات بكل أنواعها، وما صاحب ذلك من هروب المستثمرين، وقد فاقمت آثار الحرب الروسية على أوكرانيا الأوضاع الاقتصادية العالمية وحولتها من السئيء إلى الأسوأ، بعد أن اتخذ البعض من هذه الحرب ذريعة وسببا في زيادات غير مبررة لكل الأسعار وهى مؤشر على وجود خلل في أنماط السلوك الاستهلاكي وفي الرسالة الإعلامية وفي الخطاب الديني والوعي الصحي والثقافة الاقتصادية لدى الجميع، التي كانت تفرض علينا نهجا اقتصاديا أكثر ترشيدا وتوفيرا.