بقلم : علي بن راشد المطاعني
وزير الصحة وعندما يطلق صرخة ألم معبرة عن حقيقة أن الأعياء والتعب والإرهاق قد أصاب العاملين بهذا القطاع وبناء عليه تزايدت وتيرة الإستقالات سواء أكانوا مواطنين أو وافدين، هو واقع يعكس حجم المعاناة التي تكتنف هذا القطاع الحيوي والمهم والإستراتيجي، وأيضا يشير الواقع إلى أن مستقبل القطاع يواجه تحديات جسيمة إن لم نمد له يد الغوث والعون بأسرع وقت ممكن.
صرخة معاليه الصادقة والنابعة من نياط قلب محب للمهنة ومن سويداء نفس تضع صحة الناس كأولوية في منظومة التنمية المستدامة، فالإنسان صحيح البدن هو وحده القادر على العطاء وعلى رفد حركة التنمية بطاقة يحتاجها الوطن في كافة ميادين الإنتاج، فالصحة تعني التنمية هكذا ببساطة، والعكس أيضا صحيح بطبيعة الحال، هنا فإننا نحس تماما بما يعتمل في صدر معاليه، ثم يتعين علينا الوصول إلى الأسباب والمسببات لتلك الصرخة التي جاءت في وقتها تماما بعد أن تراكمت الأوجاع وإشتد الألم، لنقول وببساطة أيضا هي نقص الموارد التي يحتاجها القطاع ليستمر في تقديم خدمات صحية رفيعة المستوى يستحقها إنسان هذا الوطن العزيز، إذ يبدو أن الوزارة تبذل جهدا خارقا في الموائمة مابين الإمكانات المحدودة المتاحة لها وبين الضغط الهائل الذي تواجهه والذي يحتم عليها تقديم العلاج والرعاية الصحية للمرضى كما ينبغي، فمعاليه يسعى جاهدا لرفع كفاءة القطاع الصحي عبر ترشيد الإنفاق إلزاما، وفي ذات الوقت تقديم خدمة صحية متميزة، فالنقيض وضده يجتمعان ربما للمرة الأولى في هذا الموقف الذي لاتحسد عليه الوزارة والوزير.
بنظرة موضوعية للصورة العامة للواقع الصحي نجد ان المستجدات الصحية وإرتفاع تكاليف الكوادر الطبية والمعدات والأدوات والمستلزمات وزيادة نسبة الإهلاك في الأجهزة الطبية وإرتفاع أسعارها المقترن بإرتفاع أسعار الأدوية مضافا إليه الزيادة الطبيعية في عدد السكان، كلها وجميعها مستجدات تحتم زيادة الإنفاق على هذا القطاع الحيوي الذي يعتبر الأهم تنمويا وإنسانيا.
بلاشك أن القطاع الصحي يحظى بإهتمام جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه - ولعل توجيه جلالته مؤخرا بصحار بإنشاء عدد من المستشفيات المرجعية ليتسنى إستكمال المنظومة الصحية لهو تأكيد عملي على إهتمام جلالته الشخصي بهذا القطاع، وعلى الصعيد العملي والميداني فإن الإرتقاء بالجوانب التشغيلية التي يحتاجها القطاع الصحي تُعد من الأولويات العاجلة والملحة والمتمثلة في أجور الأطباء وتحديث الأجهزة وهي نقاط لاتقبل التأجيل أو التأويل أو التمهل.
على ذلك فهي تتطلب أن تحظى بزيادة الإنفاق عليها في الموازنات السنوية، وبالركون للغة الأرقام نجد أن الإنفاق على القطاع الصحي يبلغ 7.4% من الإنفاق الحكومي وفق بيانات عام 2020، وهوالأقل بين دول المنطقة، وهي نسبة تؤكد وجود الفجوة التي أفضت للضغوط الهائلة التي يواجهها القطاع والتي عبرت عنها صرخة معالية التي وصلت إلينا وصمت آذاننا.
فإستدامة الخدمات العلاجية والوقائية بالمستويات التي وصلت إليها في السنوات الفائتة بفعل كفاءة الإدارة الصحية وترشيدها للإنفاق غير الضروري وتركيزها على الجوانب الصحية والبرامج الوقائية مرهون بمدى زيادة الإعتمادات الصحية بما يتواكب مع المستجدات المتزايدة والمتغيرات التي تضغط على القطاع وعدم ثبات الموازنة كما هو الحال في السنوات الماضية، وهذا هو المأزق الذي يواجه وزارة الصحة إذ ترنو أن يشاطرها من يهمه الأمر ذات الهم وصولا للصيغة التي تحقق الأهداف المرجوة.
وإذا عدنا للغة الأرقام مجددا لنستبين المزيد من مواضع الخطى، نجد أن الحكومة تتحمل مايقارب من 81.1% من مجموع النفقات الصحية وتدير ما يقارب من 83.1% من المستشفيات و92.5% من أسرة المستشفيات، و62.2% من خدمات العيادات الخارجية، و94.5% من خدمات رعاية المرضى المنومين، فهذه الخدمات والمسؤوليات تتزايد يوما بعد الآخر، فمن الطبيعي أن يتطلب هذا الواقع زيادة النفقات الإنمائية والجارية من قبل المخططين الإقتصاديين والماليين وعدم اللجؤ لنظرية خفض النفقات في هذا القطاع تحديدا لما له من عواقب وإنعكاسات وخيمة على القطاعات التنموية الأخرى، سيما وأننا نشهد الآن زيادة في إسعار النفط وهي وصفها جلالته بالإيجابية مؤخرا والعمل على تخصيص موازنة طوارئ إسعافية لهذا القطاع، ولا نشك فإن الجهات المختصة قد وضعت هذه المسألة في الإعتبار.
أن المرحلة المقبلة تقتضي تعزيز موارد وزارة الصحة مع إنتهاج خطوات أخرى نحو تغيير وتفعيل منظومة التأمين الصحي وزيادة الإستثمار فيه وتسهيل إجراءاته وتعزيز الوقاية من الأمراض وغيرها من الجوانب التي تبلور أساليب الحياة الصحية السليمة.
بالطبع الجهود المبذولة جيدة ومقدرة مقارنة مع الأوضاع المالية والإقتصادية، ولكن مع ذلك ينبي أن لانغفل بأن هذا القطاع يجب أن يغدو بعيدا وفي مناي عن أي تخفيضات مالية أو تقشفية تقديرا وإقرارا بوجود مهددات صحية معروفة ومتغيرات وبائية تفرض علينا مواجهتها بإمكانات اقل مايقال عنها أنها جيدة.
نأمل أن تعزز من قدرات وزارة الصحة ومدها بالمعينات اللازمة والمحافظة على ما تحقق في هذا القطاع على مدى أكثر من 50 عاما من التطور الإيجابي، ولتستكمل المسيرة الصحية مسارها إلى ما نطمح إليه مع توعية السكان بالأنماط الصحية الوقائية في هذه الظروف الإستثنائية.