بقلم : محمد بن علي البلوشي
بعض الأخبار مثيرة وغريبة ووقعها على النفس يثير التساؤل:اضطرت سريلانكا كما تداولته وسائل الإعلام لتأجيل اختبارات الطلاب لعدم توفر المبالغ المالية لطباعة الامتحانات ورقياً..هل هذه نكتة أم بدعة ام حجة أم صراع حزبي؟كم تكلف هذه الاوراق 3 ملايين دولار أو 5 ملايين دولار أو 10 ملايين دولار؟ ..لا أتوقع الرقمين الأخيرين فالاقتصاد في هذا البلد حجمه بسيط..لكن ذلك له دلالة حينما تتأزم الدول ماليا فينعكس ذلك على البلاد والعباد..والمشاهد كثيرة في دول المنطقة التي تضطر بين الحين والاخر لرفع أسعار بعض المواد الغذائية المدعومة وما على الناس إلا الصبر والدعاء بأن يحلها ألف حلال.ثم يتدخل خبراء الاقتصاد والمال في كيفية إدارة الأزمة والنجاة من الغرق من أزمة مالية قد تؤدي إلى مالاتحمد عقباه.
نحن لسنا بغرباء عن هذه المأساة وإن اختلفت وجوهها..مجرد أن تتهاوى أسعار النفط يوما بعد يوم والظروف اللاحقة التي خلفتها جائحة كورونا بدأت هجمات الحكومة التقشفية..فماهي أولى السياسات التقشفية..تبدأ من الأشياء البسيطة..كتقليل مشتريات الشاي والقهوة..تقليل استخدام الورق الفاخر في المراسلات الحكومية..مشتريات السيارات الحكومية وتغييرها إلى سيارات أقل تكلفة أو الصبر على السيارات المتوفرة.. تقشف غير مضر كثيرا ويمكن وصفه بمعنى أخر ألا وهو خفض منسوب الترف المتوسط أو المرتفع إلى ترف منخفض جدا..ثم تأجيل بعض المشاريع التي ليست ذات أهمية واولوية..كل ذلك فقط لأن اسعار النفط تهاوت ولضمان صرف الرواتب والنفقات على التعليم والصحة والجوانب الرئيسة..وعلى الجوانب الملحة والضرورية.. إجراءات تقشفية شديدة لكنها لم تمس جيوب موظفيها من الرواتب..ثم لاحقا أعادت-الحكومة- هيكلة بعض الخدمات والرسوم ومنها قطاع الوقود والكهرباء والمياه ووفرت حماية للطبقات التي ستتضرر من هذه الإجراءات التصحيحية. بعض الاجراءات تعتبر مؤلمة وقاسية لكنها إن أدت بالبشر بأن لايحصلوا على قوت يومهم للبقاء على قيد الحياة فذلك يعني التراجع عنها..ذلك لم يحدث فلم يفقد الناس قوت يومهم أو شردوا من مساكنهم..حدثت المشاكل في القطاع الخاص بسبب جائحة كورونا واسعار النفط المحركة للاقتصاد..لكن وفرت الحكومة حماية وقائية مؤقتة وإن لم تكن كافية كالمعونة الاجتماعية وغير ذلك ممالاتتسع له هذه المساحة.
منذ 2014 تعرضت الميزانية للإنهاك..اجراءات وحلول مالية لم تكن تمضي في الاتجاه الصحيح ولم يكن تطبيقها خيارا موفقا فاضطرت الحكومة للاستدانة دون المساس بالخدمات.ومع ذلك صار بلدا صغيرا وباقتصاد صغير مدينا للمؤسسات المالية الدولية بأكثر من 50 بليون دولار..رقم لايستهان به ومع ذلك فما مضى مضى.وفي التراث «الدَين همٌّ بالليل وذلٌّ بالنهار»..هذا على مستوى الدين الفردي.دين الدول يؤرق مضاجع الاقتصاديين والماليين..فتبدأ بسلسلة التقشف كما قلت ويضع الناس أيديهم على قلوبهم وعيونهم على أسعار النفط.
بعد هذه السنوات تبدأ الاخبار الجميلة عن النفط والتعافي العالمي تتوارد فحجم الدين العام يتراجع وقدرة الدولة على السداد مستقرة وصلبة..اشتعلت الحرب في اوكرانيا فاشتعلت اسعار النفط فكانت الحرب خبرا سعيدا علينا دون أن نكون سببا فيها.نحن نسير الآن في الطريق الصحيح ..واجراءات رفع كفاءة الإنفاق والتركيز على المشروعات والقطاعات الاساسية مهم وضروري في هذه المرحلة لنصل إلى بر الأمان بحلول 2024 وهي نهاية خطة التوازن المالي..اعتقد أننا نوعا ما أصبنا.نحتاج لتسريع التخلص من الديون بوتيرة اسرع وكما يبدو من بيان وزارة المالية أن خطتها واضحة في هذا الشأن وهو أمر إيجابي..وعندما تمضي الدولة في مسارين الاول دفع الديون ووضع خارطة سليمة ومستقيمة لسدادها والثاني الاستمرار في المشاريع التنموية كالطرق والصحة والتعليم والاسكان والضمان فذلك يعني كفاءة في الإدارة والمعالجة..وقد ينجم عن ذلك سؤال اخر:هل هي كفاءة مطلقة؟ ..لا لكن السنوات المقبلة هي التي ستحكم على النتائج. بعض الاشياء يمكن تأجيلها ولسنا في عجلة عليها كالمشاريع الترفيهية والتجميلية ربما..هذه يمكن أن تنفذ لاحقاً حينما يتعلق بمشروعات الحكومة.أما بالنسبة للفرد فكما اقول دائما: علينا أن نعيد رسم خارطة نفقاتنا.
حاليا وبعد أن وضعت الدولة خريطة الدين العام على الملأ ووضحت طريقة معالجتها والدفع فذلك ينبغي أن يواجه بثقة عامة فحينما تعرض الدولة أرقام مديونيتها بشفافية امام الرأي العام يعطي ذلك مؤشراً بأنه ليس لديها ماتخفيه وبدلا من الاستماع إلى أرقام المديونية من الخارج ..سمعناه من الداخل ومن مصدره ولايمكن للدولة أن تنجح في معالجة بعض المشاكل إن لم تضع الرأي العام في الصورة وبخاصة في القضايا المالية والمعيشية التي تتطلب تضامنا وطنيا..حينها ينبغي ان يدرك الناس ان هذه الاجراءات والمعالجات تصب في صالح وطنهم ومستقبل أبنائهم.