مسقط - ش
تعد ظاهرة انتشار مقاومة أنواع متعددة من الميكروبات المعدية للإنسان للمضادات الحيوية من أهم المشكلات التي تُقلق الأطباء والعاملين في مجال صحة الإنسان والحيوان في معظم دول العالم.
واعتبر المنتدى الاقتصادي العالمي هذه الظاهرة أحد الاخطار المهمة التي ستواجه شعوب العالم خلال السنوات القادمة، حيث من المتوقع أن تؤدي هذه الظاهرة في المستقبل القريب الى انتشار أوبئة العدوى بعدد من الميكروبات المعدية الخطيرة التي لا يوجد لها مضاد فعال.
ومع استعداد وزارة الصحة وعدد من الجهات المعنية في التاسع من مايو المقبل لإطلاق الحملة الوطنية التوعوية حول الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية تحت شعار (المضادات الحيوية استخدام أمثل نتائج أفضل) تحدثت د. أمل بنت سيف المعنية استشاري اول امراض معدية ومكافحة عدوى ومديرة الدائرة المركزية للوقاية ومكافحة العدوى بوزارة الصحة حيث قالت: أصبحت مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية خلال السنوات الأخيرة، أحد أهم أسباب فشل معالجة الالتهابات المسببه لها مثل التهاب الدم والتهابات الجهاز التنفسي والجهاز البولي. وقد أدت هذه الظاهرة الخطيرة الى زيادة كبيرة في نسبة مضاعفات المرض، وزيادة إقامة المرضى والوفيات في المستشفيات.
وأضافت: نعطي مثالا على ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يموت كل عام ما يقارب من مائة الف مريض، نتيجة إصابتهم بأحد الميكروبات المعدية، ويقدر أن 70% منهم يموتون فعليا بسبب مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. كما أن زيادة انتشار سلالات البكتيريا المقاومة للعديد من المضادات داخل المستشفيات وخارجها تحمل الرعاية الصحية تكاليف باهظة حيث انها تزيد كلفة علاج المرضى الى الضعف وأكثر. ففي الماضي القريب، وقبل عشرين عاما فقط، كانت تكلفة علاج المريض المصاب بالتهاب المجاري البولية العادي مثلا تتراوح ما ين 10-20 دولارا أمريكيا في معظم البلدان العربية، وحاليا قد تصل تكلفة العلاج في اقل تقديرالى الف دولار حين تتسبب فيها البكتيريا المقاومة للعديد من المضادات الحيوية لان العلاج يستلزم وجود المريض في المستشفى لعدم وجود بديل فموي للمضاد الحيوي ومايتبع ذلك من تكاليف مباشره وغير مباشرة.
وفي سؤال عن مصدر هذه الميكروبات المقاومه للمضادات الحيويه أوضحة د. المعنية أن غالبية سلالات البكتيريا المقاومة تستقر في جسم الانسان والحيوان وبصورة خاصة في الأمعاء ولمدة طويلة، وتنتشر مع الفضلات الى مياه المجاري والتربة، ومنها الى مصادر المياه الجوفية والسطحية وتلوث الخضروات الورقية والتربة التي تسقى بمياه المجاري، ومن ثم تعود مرة ثانية مع الطعام والماء الى أمعاء الإنسان والحيوان.
وقالت: عمليا اصبح هناك عدد من أنواع البكتيريا المعروفة التي كانت تعيش بصورة أليفة في جسم الإنسان واكتسبت المقاومة مع سوء استهلاك المضادات الحيوية، فأصبحت تسبب معظم حالات العدوى في المستشفيات. وهذا النوع انتشر بسبب الإهمال في اساسيات الوقاية ومكافحة العدوي وابسطها الحرص علي نظافة اليدين وأصبح من الصعوبة السيطرة عليها بالعلاجات المعيارية، وقد تؤدي العدوى بها أحيانا الى موت المريض، لكون المضادات الحيوية المتوفرة لا تستطيع القضاء عليها.
مقاومة الميكروبات
وحول الآثار السلبية لمقاومة مضادات الميكروبات ذكرت د.المعنية أن مقاومة مضادات الميكروبات تشكل خطراً على إنجازات الطب الحديث، فبدون مضادات الميكروبات الفعالة في الوقاية والعلاج من العدوى ستفشل العمليات الجراحية وعلاجات السرطان وزراعات الانسجة لمجرد إصابة المريض بعدوي ليس لها علاج فعال. وقد كشف تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2014 بشأن الترصد العالمي لمقاومة مضادات الميكروبات عن أن مقاومة المضادات الحيوية لم تعد مجرد تنبؤ خاص بالمستقبل، فهي تحدث الآن بالفعل وفي تزايد وعلى نطاق العالم مهددة القدرة على علاج أنواع عدوى شائعة في المجتمع المحلي والمستشفيات. وهناك خوف ينتشر بين الاطباء والعلماء من أن تصبح غالبية المضادات الحيوية المتوفرة لعلاج أمراض الإنسان غير صالحة للاستخدام خلال المستقبل القريب مع ندرة مشهوده في السنوات الاخيره في تصنيع أنواع جديده من المضادات كبدائل.
الحلول المقترحة
وتعقب المعنية في سؤال عن الحلول المقترحة لعلاج هذه الظاهرة بالقول إن الوسائل العملية المتاحة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد حياة البشر أصبحت محصورة حاليا بمنع كثرة وسوء استخدام المضادات الحيوية في كافة العلاجات البشرية وفي تربية الحيوانات والطيور الداجنة والأسماك. ومن الضروري أن يتم تثقيف المواطن العادي، بأن لا يستعمل المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب، وان يتقيد بتعليمات استعمالها بحسب نصائح الطبيب. ومن المفروض أن يعرف كل شخص أن أدوية المضادات الحيوية، هي الأدوية الوحيدة التي تتميز بأن صفة استعمالاتها تتعدى خصوصية المريض الذي يتناولها، لأن استعمالها عمليا يؤثر بصورة غير مباشرة على جميع أفراد المجتمع نتيجة تطور سلالات بكتيرية جديدة مقاومة للمضادات الحيوية، وهذه بدورها تستطيع أن تنتقل بسهولة من شخص الى آخر.
الأدوار المساندة
وحول دور المجتمع والعاملين الصحيين وراسمي السياسات للمساعدة في التصدي للمقاومة ذكرت المعنية أنه يجب على الأفراد أن يحرصوا على غسل اليدين وتجنب مخالطة المرضى عن قرب، وذلك للوقاية من انتقال العدوى بأنواعها، عدم استعمال مضادات الميكروبات إلا بوصفة طبية من أحد المهنيين الصحيين المعتمدين، وإكمال المقرر العلاجي الكامل حتى إذا شعروا بتحسن، وعدم القيام على الإطلاق بتبادل مضادات الميكروبات مع الآخرين أو استعمال ما تبقى من الأدوية الموصوفة.
وأضافت: بإمكان العاملين الصحيين والصيادلة تحسين تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها في المستشفيات والعيادات الطبية وعدم وصف وصرف المضادات الحيوية إلا عندما تكون هناك حاجة فعلية إلى ذلك، وصف وصرف مضادات الميكروبات الصحيحة لعلاج الاعتلال
وأشارت إلى أنه يعتبر تحسين الرصد فيما يتعلق بمدى المقاومة وأسبابها في المستشفيات في غاية الاهمية وذلك لتعزيز تدابير مكافحة العدوى والوقاية منها وتنظيم وتعزيز الاستعمال السليم للأدوية. كما يمكن للقياديين وراسمي السياسات تبني هذه الظاهرة والعمل على تشجيع المهنيين الصحيين في القيام بدورهم في هذا الصدد، وتعزيز الابتكار والبحث والتطوير في مجال استحداث لقاحات وخيارات ووسائل تشخيص جديدة وخيارات جديدة لعلاج العدوى تشجيع التعاون وتبادل المعلومات فيما بين جميع أصحاب المصلحة.
استراتيجية وطنية
وحول جهود وزارة الصحة قالت د. المعنية: وضعت المديرية العامة لمراقبة ومكافحة الامراض مسودة استراتيجية وطنية لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، ليتم اعتمادها من اللجنة الوطنية ومتابعة توصياتها وتهدف هذه الاستراتيجية الي الجمع بين المعنيين بالأمر للاتفاق والعمل على تنفيذ استجابة منسقة علي المستوي الوطني وبالتعاون مع المنظمات العالمية. وتشتمل هذه الاستراتيجية على إرشادات خاصة بالسياسة العامة وتقديم الدعم التقني الازم للتشخيص والوقاية من العدوي وايضا التشجيع النشط للابتكار والبحث والتطوير. كما تهدف إلى تعزيز القوامة والخطط الوطنية للتصدي لمقاومة مضادات الميكروبات مثل:
- برامج الوقاية ومكافحة العدوي في المستشفيات والمجتمع
- برامج الترصد للعدوي المرتبطة بالمنشاءات الصحية عامة والميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية خاصة
وأضافت: تعد مقاومة مضادات الميكروبات مشكلة معقدة تتحكم فيها عوامل عديدة مترابطة. لذا فإن التدخلات المنفذة بمعزل عن غيرها لا تحقق إلا أثراً قليلاً. ومن الضروري اتخاذ إجراءات منسقة للتقليل إلى أدنى حد ممكن من ظهور مقاومة مضادات الميكروبات وانتشارها.
وما لم تُتخذ إجراءات منسقة في هذا الصدد سيسير العالم نحو عصر ما بعد المضادات الحيوية الذي يمكن فيه لأنواع عدوى وإصابات بسيطة شائعة، كانت قابلة للعلاج طيلة عقود من الزمان، أن تفتك بالأرواح من جديد.
وتعمل السلطنة ممثلة بوزارة الصحة ووزارة الزراعة والثروة السمكية مع منظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية لصحة الحيوان ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة على تشجيع أفضل الممارسات لتلافي ظهور وانتشار مقاومة مضادات الجراثيم، بما في ذلك الاستعمال الأمثل للمضادات الحيوية مع البشر والحيوانات على السواء.